للأب
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
البحث عن السعادة والشبع
يقدم لنا الربّ يسوع المسيح في مثل الابن الضال ،
رحلة البشرية في بحثها عن السعادة بعيداُ عن الله، البعض يبحث عن الحرية والتحرر من السلطة الأبوية
والبعض يبحث عن المتعة أَو اللذة بعيداً عنن بعيداً عن الله. يهرب البعض من طاعة
الوصية إلى بئر شهوات العالم المتعبة
للنفس . هكذا يظن البعض أن الله ووصاياه تقف عائقا أمام سعادتنا، مع أن الله كأب
سماوي بِهِ نحيا ونتحرك ونوجد ،هو الذي يهبنا الإمكانيات والمواهب والغنى، ونحن في جهل نبحث عن العطيّة، وننسى الرب
المُعطي ونبحث عن السعادة أوالغنى أو الحرية
بعيداً عن الله، فماذا قال الربّ في هذا
المثل الذي يعلن لنا محبة الله الآب لنا حتى لو بعدنا عنه كابناء :{إنسان كان له
ابنان ... فقال أصغرهما لأبيه يا أبي أعطني القسم الذي يصيبني من المال. فقسم لهما
معيشتهُ. وبعد أيام ليست بكثيرة جمع الابن الأصغر كل شيء وسافر إلى كوره بعيدة
وهناك بذَّر مالهُ بعيش مسرف . فلما انفق كل شيء حدث جوع شديد في تلك الكوره
فابتدأ يحتاج فمضى والتصق بواحد من أهل تلك الكوره فأرسله إلى حقله ليرعى الخنازير
وكان يشتهي أن يملا بطنه من الخروب الذي كانت الخنازير تأكله فلم يعطهِ لهُ }. ( لو 15 : 11 - 16).
إننا في رحلة
البحث عن سعادة وهمية نأخذ عطايا الله لنبذرها بعيش مسرف في كورة الخطية، ولنصير لها عبيدًا مذلولين نجوع إلى طعام الخنازير والنجاسة فلا
نجدها. نبحث عن الغنى فنجد نفوسنا وقد
فقدت كل ما نملك ، ونحتاج للشبع والارتواء بالمحبة فلا نجد غير
البؤس والشقاء ونشتهي طعام الخنازير النجس غير المشبع فلا يعطى لنا، ونظل قلقين غير سعداء ، فالشرير يهرب ولا مطارد.
إننا في رحلتنا في البحث عن السعادة خارج بيت الله لن نجد شبعاً ، لا في مال أو
جمال زائل أو في منصب أو في شهوة يعقبها الندم والألم ، ولن نجد راحة في علم كاذب أو حكمة أرضية. لن نجد الشبع
في كورة الخطية ، ولا الحرية في أرض العبودية ، ولا السعادة في سراب العالم الكاذب.
أن الميراث الحقيقي والسمائي ينتظر أبناء الله الذين لهم في القناعة
كنز، وفي محبة الله يجدون الكرامة والعز، وفي الجلوس تحت أقدام الصليب
السعادة والشَّبع والميراث والوعود الصادقة. أن
الذات هي الصنم الذي يجب ان لا نتعبّد له في
أنانية بعيداً عن الله. إن نفسي صورة الله الفريدة فلنعطها لله ونبذلها من اجل
محبته، فنحيا فيه ونوجد معه وننمو في
معرفته وإذ نخصص ذواتنا لخدمة الله ومحبته،
يُنمِّي مواهبنا ويضاعف وزناتنا ويقودنا في موكب نصرته ويهبنا السعادة الحقيقية. فنفرح به ويفرح بنا ويكون
نصيبنا السماوي {فنفتخر باسم قدسه وتفرح قلوب الذين يلتمسون الرب} (أخ
16:16) .
رجع الي نفسه
عندما تجوع أنفسنا بعيداً عن الله ، فحسن لنا أن نرجع اليه لنقف وقفة جادّة مع أنفسنا، نحاسبها على
خطاياها ونعاتبها على ضلالها أو حتى نعاقبها لننجو من العقاب الأبدي ونتخذ القرار
السليم كما فعل الابن الضال كما جاء عنه في الإنجيل : {فرجع إلى نفسه وقال كم من
أجير لأبي يفضل عنه الخبز وأنا اهلك جوعاً . أقوم واذهب إلى أبي وأقول يا أبي
أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقاً بعد أن ادعى لك ابناً . اجعلني كأحد أجرائك }(
لو 15 : 17 – 19 ). إنَّ الخطية تبدِّد كل
ما نملك من مواهب ووزنات وتذهب بسعادتنا وتفقدنا مجد البنوّة لله وتورثنا القلق
والمرض والضياع والعوز . لقد أخطأ الابن الضال عندما طالب بالميراث في حياة أبيه وهو
متمتع بخيراته. وسعى كما يفعل الكثيرون
منا الى الحياة بعيداً عن الله، ليحيا بلا
ضابط في حياة اللذة والخطية، ليصير عبداً محتاجا لا يجد شبعاً بل تعاسة
وجوعًا .
ربما دارت هذه
الأفكار فى ذهن هذا الابن الضال كما تدور فى أذهان البعض منا : هل لا يزال الأب السماوي يحبني ويفتح أحضانه
لاستقبالي للعودة إليه ؟. وكانت الأجابة هى
نعم أن الله يحبني ويحب الخطاة ويعلن مسرته برجوعهم متغاضيا عن أزمنة
الجهل. إن هروبي من الله لن يسعدني وأين
اهرب منك يا رب وأنت تملا كل مكان ؟. لقد
تقوقعت حول ذاتي وأنانيتي فلم أجد إلا الشقاء. فحرّرني يا رب من أنانيتي لألتقي بك
بعيداً عن فلسفات كاذبة وحكمة أرضية لا تقود إلا إلى الجوع والضياع. ربّي إني
جوعان لمحبتك فغناي هو في حياة الفضيلة
وعطشي إلى ينبوع محبتك وعمل روحك القدّوس داخلي فأنت الكنز والعريس المفرح للنفس البشرية .
ربي إنني إن
أحببت أن أجد نفسي بعيداً عنك، فاني اهلك فها أنا أتوق للرجوع إليك يا رب لتقبلني
إليك معطياً لي التشجيع للعودة والتوبة والاعتراف كي أحيا في بيتك كابن حقيقي لأب
صالح وأنت يا رب تسمح لى بالضيقة حتى أعود إليك شاعراً باحتياجي، وأنت لم ترفض احدًا بل قبلت إليك أصحاب الساعة
الحادية عشرة، وأعطيتهم تماما الأجرة
عينها التي أعطيتها للذين عملوا طوال اليوم والحياة . فاعنِّي يا الله إله خلاصي
من اجل مجد اسمك. وأعلن محبتك المحررة
والغافرة فيبتهج الكل بخلاصك ورحمتك .
التوبة وحياة
الفرح...
التوبة تفرِّح
قلب الله كأب سماوي حقيقي يسعى في طلب
الضال، وتُفرح الملائكة الذين يعملون على
خلاصنا فيفرحون بتوبتنا ويقدمون ثمار أعمالنا إليك . وتفُرح القديسين في السماء
الذين يشفعون فينا ويكملون بنا وتفرح الكنيسة العاملة على خلاصنا وتفرح قلب الخاطئ
الراجع لله فرحا بقبول الله ومحبته ومغفرته وابتهاجا بالتحرر من سلطان إبليس
وقيوده. نبتهج برحمة الله ونقدم لَه الشكر
والسجود لانه بذل أبنه الوحيد من أجل خلاصنا وجعلنا ملوكًا وكهنة وشعبًا مقدسًا
لله أبيه. نعم يجب أن نتذكر محبة الله لنا، وعنايته بنا، وحريتنا فيه ونشتاق إلى أحضانه.
الله يفرح
بعودة الخاطئ إليه { يا ابني كن حكيماً يفرح قلبي أنا أيضا }( أم 23 : 15) أن الله
يسعى في طلب الضالّ ويسترد المطرود ويعصب الجريح ويجبر الكسير، أنه يركض لاستقبال
الابن الضال ليعيد له ثوب الحكمة والبر ويأتمنه على الميراث الأبوي والإيمان الحي
ليحتذي بالاستعداد للبشارة المفرحة بالإنجيل بعيداً عن أدناس الطريق الواسع لحياة
الخطية.
التوبة تهب
الإنسان سلام النفس الضائع وسلامته النفسية المفقودة، فكم من الأمراض الجسدية
والنفسية ترجع أسبابها إلى الخطية وتأثيرها المدمِّر للنفس والجسد والروح ، لهذا
نرى الرب يسوع المسيح عندما شفى المخلَّع قال له
: لا تعود للخطيئة لئلا يصير لك أشرّ . فالتوبة تشفي النفس والجسد وتفرح
القلب بالقبول الإلهي .
الحياة
المقامة
{ فقام وجاء
إلى أبيه ، وإذ كان لم يزل بعيداً فراه أبوه فتحنَّن ووقع على عنقه وقبله فقال له
الابن يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقاً أن ادعى لك ابناً . فقال الأب
لعبيده اخرجوا الحلّة الأولى والبسوه واجعلوا خَاتماً في يده وحذاءً في رجليه
وقدموا العجل المسمن واذبحوه . فنأكل ونفرح. لان ابني هذا كان ميتاً فعاش وكان
ضالاً فوجد ، فابتدءوا يفرحون } ( لو 15 : 20 – 24). لا تنام وقت العمل ولا ترضخ
للقيود والمسيح المقام يدعوك لتقوم معه في جِدّة الحياة ناظراً إلى فوق حيث المسيح
جالس. تحرر من أنانيتك لتشعر بمحبة أبيك السماوي ، الذي يهبك الحكمة، ولتتخذ
القرار الصائب بالعودة إلى أحضان الآب الذي يهبك القوة للرجوع ، لأنه بدونه لا تقدر أن تفعل شيئًا وبه تؤهل
للتبني والنعمة والحرية والحياة الأبدية .
أعترف إليك يا
رب ، إني أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقاً ان ادعى لك ابناً ، وها أنا اقرّ
بخطاياي وحاجتي إليك وعزمي إلى البقاء في أحضانك والتصميم على عدم العودة للخطية،
فمن يعترف بخطاياه ويقرّ بها يرحم ومن يكتمها لا ينجح . حقا يا رب في البعد عنك
فقدت فرحي وسلامي ومستقبلي . اعترف لك
وللكنيسة باني خاطئ ، فاسرع وأعنّي وفي محبتي للعودة إليك اقبلني ابناً لك تلبسني
حُلّة البرّ والرحمة وبجسدك ودمك طهرني وقوّني وثبتني فيك .
نعم يا رب أنت
تسرع للقائي وتنزع عني حزني، وبقبلاتك
وقبولك تسرع فرحاً باحتضاني ورجوعي إليك محرراً
إياي من نير عبودية الخطية. نعم لقد خرجت يا سيدي يسوع من علياء سمائك من اجل
خلاصي رافعاً عقوبة خطاياي بموتك عني وما زال صليب حبّك يعلن إن ذراعيك ما زالتا
مفتوحتين لاستقبال الراجعين إليك بقلوبهم لتغيير حياتهم وتسترهم بثوب برّك
وتصالحهم مع الآب السماوي . ان السلوك في
جدّة الحياة المقامة مع المسيح يجدد فكرنا ،
ويقدِّس حواسنا وينقّي عواطفنا ويطهّر قلوبنا ويشبع أرواحنا ويجعلنا نجاهد
بالصبر ونحن مرنمين لله .
مجد التوبة
الله هو الأب الحنون الذي يسعي الي خلاص ونجاة
كل أحد {أنت يا رب تعود فتحيينا ، فيفرح بك شعبك }(مز 8 : 6 ). نعم
يا رب أنت الأب الحنون الذي تفرح برجوعي إليك وتعطي للتائبين جمالاً عوض الرماد
ودهنًا فرحًا عوض النوح ورداء تسبيح عوض
الروح اليائسة ليكونوا كأشجار البر وغرس الرب للتمجيد. حقاً يا رب أنت تعطي للتوبة
أهمية في حياتنا وهي بدء رسالتك لنا " توبوا وآمنوا بالإنجيل " وكما قلت
يا رب ان السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين لا يحتاجون إلى التوبة. التوبة
تكشف لنا ما في قلب الآب السماوي من محبة وقبول،
فانا لست عبدا أو أجيرا حتى رغم بعدي عن الله ، فالآب السماوي دعانا أبناء
محبوبين له ، وهو لا يقبل لنا أن نكون عبيداً للخطية أو أجراء في بيته . أننا
بحريتنا نتركه ونصير عبيداً للخطية والشيطان، ورغم هذا تظل محبة الله تنتظر رجوعنا
إليه ليعيد لنا مجد البنوة وفرح الخلاص { لأنه يقول في وقت مقبول سمعتك وفي يوم
خلاص أعنتك . هوذا ألان وقت مقبول هوذا ألان يوم خلاص}( 2 كو 6 : 2) . فلا تؤجلي
يا نفسي توبتك حتى الغد فمن يضمن حياتك للغد لأنه بينما تقولين إني في سلام وأمان
يفاجئك الموت بغتة. لقد تناهى الليل وتقارب النهار فلنخلع عنا أعمال الظلمة ونلبس
أسلحة النور ونصلي لله أن يحرر ربُطنا وقيودنا لنتمتع بقوة القيامة وسلامها وفرحها
وأمجادها ونُفرَّح السماء بملائكتها وقديسيها . الله
الكلمة الابن القدّوس تجسّد من اجل خلاصنا ، وُصلب ومات من اجل فدائنا وتبريرنا
وقام في مجد ليغلب لنا الشيطان والخطية والموت. ووهبنا التناول من الأسرار الإلهية
لنأخذ منه طهارة وغفراناً وحياة أبدية ، فأيّ مجد هذا الذي أعطى للإنسان وما أعظم
محبة الله المزخَّرة للخطاة الراجعين اليه بكل قلوبهم.
ليكن لنا محبة لخلاص الخطاة..
علينا أن نحرص علي خلاص أخوتنا كاخوة
محبين لابونا السماوى ونحترس لئلا نماثل الابن الأكبر الذي تذمر على الآب لأنه قبل
أخيه الأصغر بفرح ، وذبح العجل المسمن فرحا
به. وكما أدان الفرّيسيين المعلم الصالح
لأنه يحب الخطاة ويأكل معهم . وهكذا لاموه عندما دخل يبيت في بيت زكّا
العشار غير عالمين إن لطف الله إنما يقودنا للتوبة والبنوة لله . لقد جاء
المُخلِّص ليطلب ويخلِّص ما قد هلك ، ولأن
الأصحاء لا يحتاجون إلى طبيب بل المرضى
، جاء الرب لا ليدعو أبرارا بل خطاة إلى التوبة . ليكن لك المحبة
الإلهية والقلب المتضع الذي يفرح بعودة كل
احد إلى الأحضان الأبوية ...
الابن الأكبر
في قصة الابن الضال لم يرد أن يدخل بيت الأب لان ابيه كان فرحاً بعودة ابنه من
الكوره البعيدة ، ولولا محبة أبيه له
وخروجه إليه ليقنعه ويشفي تذمره وكبرياء
قلبه ويداوي حسده لكان قد هلك ، انه مثل
يونان النبي الذي اغتاظ من أجل توبة أهل نينوى وعدم هلاك المدينة حتى تفاهم الله
معه وأقنعه بشفقته، فأحذروا يا احبائي لئلا
يوجد أحد منا في بيت أبيه وهو لا يعرف إرادته ويعمل في الكنيسة متطلعاً إلى المكافأة الأرضية والخيرات الزمنة ليفرح مع أهل العالم
وننسي الميراث السمائي. إن الإدانة والحسد من العوائق التي تحرمنا من
التمتع بالفرح ألسمائي وتجعلنا لا نشعر بإخوتنا فلا نفرح لفرحهم ولا نحسّ
بجوعهم الروحي . إن الحسد والإدانة يجعلان النفس تظلم وتجاهد في كآبة
، وتدين حتى الله على أعماله الخلاصية .
إننا نحتاج
لحنان الله الذي يؤكد لنا تمتعنا بأبوته وبميراثه ألسمائي، ولكي ما نعرف إرادته في
خلاص الجميع لنحيا معه حياة الحب والبذل،
ونسعى لرجوع الخطاة بدون انانية أو تقوقع على الذات. الله الغني في المجد ،
السخي في العطاء ، لا حدّ لمحبته وشفقته ،
جاء ليصالح ويوِّحد الجميع فيه يهوداً وأمما، كباراً وصغاراً رجالا ونساء .
مصالحاً لمن يقبلونه غير حاسباً لهم خطاياهم وملكوته وأبوته تتسع للجميع ووصية
جديدة يوصينا أن نحب بعضنا بعض كما أحبنا لنكون تلاميذه.
أرجع
اليك
أرجع
إليك يا الهي وخلاصي فتفرح بي الملائكة في السماء . لقد ظننت البعد عنك سعادة فوجدته ضـيـاع وشــقاء، وحسبت
ان لى فى العالم فرح وغنى فوجدت
العالم بعيداً عنك حزن وبلاء وبدلاً مـــن مــجــد القداسـة بعيداً عنك جـوع وعــنـاء. أرجع إليك يا الـهي
حتى لو أجير وبـك مــن قوات الظلمــة أستجير فارحمني يـا مخلص العالم وافتـح لي الأحضان
الأبوية وأرني نعمتــك الأزلية والـبسنـي الحـلل الـبـهية وقـودني بالتـوبة لحياة أبدية، أمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق