{يا ابني أعطني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي}
(أم 23 : 26 )
للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
أهمية القلب في الحياة الروحية
+ القلب كما هو مضخة الدم الهامة والضرورية لحياة الإنسان
واستمراريتها فهو يعمل على الدوام لصالح كل أجزاء الجسد
بخلاف بقية الأعضاء التي تتوقف
عن العمل وتأخذ راحة كاليد والرجل والعين. هذه كلها لها فرصة ترتاح فيها فترة من
الزمن في كل 24 ساعة ولا غنى لأي من الأعضاء عن عمل القلب. فحينما ينام الإنسان لا تعود هذه الأعضاء تعمل شيئاً، أما القلب فلا ينام ولا يمكن أن يتوقف عن
عمله ولو لحظات، لأنه إذا توقف يحصل الموت في الحال .هكذا القلب أيضاً أهمية
القلب ومركزيته في الحياة الروحية والإنسان الداخلي فمن القلب تصدر العواطف
والمشاعر والاتجاهات والمعرفة العاقلة وهو أفضل وأحب مسكن لله لهذا يجب أن نهتم به
لأن منه تنبع العواطف والتوجهات { فوق كل تحفظ احفظ قلبك لأن منه مخارج الحياة }
(ام 4 : 23). ويطلب منا الله أن نحبه من كل القلب والنفس والقدرة كأفضل ذبيحة
مقبولة أمامه { فمحبة الله من كل القلب ومن كل الفهم ومن كل النفس ومن كل القدرة
ومحبة القريب كالنفس أفضل من جميع المحرقات والذبائح } (مر 12 : 33). ولقد عاتب الله
قديماً الشعب الذي يقترب منه بفمه ويكرمه بشفتيه وأما قلوبهم فبعيدة عنه
(أش 9 2 : 13). ولهذا يخاطب الله كل نفس قائلا { يا ابني أعطني
قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي} (أم 23 : 26 ). في أعماق قلب الإنسان يتحاور الإنسان
وينفتح على الله أو يتعلق باشياء او الاشخاص. ولمّا كان من العسير على
الآخرين النفاذ إلى الإنسان الداخلي لكن من مظهر الإنسان الخارجي و حركاته وأقواله
وأعماله يستدل على ما بداخله، لأنه من فضلة القلب يتكلم اللسان وتأتي الأعمال .
+ لقد خلق الله الإنسان على صورته كشبهه بقلب صالح، ولما كان السقوط
رأينا الإنسان يهرب من الحديث مع الله { ورأى الرب إن شرّ الإنسان قد
كثر في الأرض وإن تصور أفكار قلبه إنما هو شر كل يوم}( تك 5 : 6) فإنه
الخطية تدنس القلب والكبرياء تفسده وتجعل نعمة الله تفارقه، وباتباع
الإنسان لأهوائه وشهواته قلبه يتقسي القلب. لهذا عمل الله بالناموس
الطبيعي والضمير والأنبياء على إيقاظ قلوب بني البشر ليرجعوا إلى الله فيجدونه
ويلاحظوا طرقه ووصاياه { ثم إن طلبت الرب إلهك تجده إذا التمسته بكل
قلبك وبكل نفسك } (تث 4 : 29). بل وعد أن يختن الرب إلهنا قلوبنا، لكي
نحبه من كل القلب والنفس فنحيا به وهذا ما أتمه الله في العهد الجديد بحلول الروح
القدس على المؤمنين، ليصير قلبهم مسكناً لروحه يقدسه له ونصير
هياكل روح الله ويصير قلبنا مذبحاً مُكَّرساً للعبادة وبصلوات التقية
والمحبة الصادقة وإذ يتنقى القلب يعاين الله بالإيمان.
أنواع من القلوب
هناك العديد من القلوب ومنها القلوب الخيرة الصالحة التي يخرج
منها كل شئ الصلاح كما أن هناك قلوب خاطئة وشريرة يخرج منها وهناك قلوب تعرج بين
الفرقتين، هنا وهناك { الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح والإنسان
الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشر فانه من فضلة القلب يتكلم فمه} (لو 6 : 45).
فالقلب المملوء محبة سيخرج كلمات وأعمال محبة تجاه الآخرين والعكس فالقلب الشرير
سيخرج كلمات وأعمال خاطئة.
والقلوب تحتاج الي تنقية ومتابعة واصلاح وعلاج، هناك قلوب قاسية لا
ترقُّ لضعف، ولا ترحم وقلوب شريرة تعمل وتفكر فى الشر ولهذا يخرج منها
الشر {لأن من القلب تخرج أفكار شريرة، قتل، زنى، فسق، سرقة ، شهادة زور،
تجديف} ( مت 15 : 19). إن الله قادر أن يطهر كل القلوب الخاطئة عندما تتوب وتجاهد
وترجع الى الله وبعمل الروح القدس يتجدد القلب لهذا يصرخ المرتل { قلبا نقيا اخلق في يا الله وروحا مستقيما جدد
في داخلي} (مز 51 : 10).
+ الإنسان الروحي يراقب قلبه وعواطفه وانسانه الداخلي ويلاحظ نفسه
والتعليم لئلا يميل قلبه إلى الشر، فلقد وهب الله
سليمان قلباً حكيماً ومميزاً حتى أنه لم يكن مثله من قبل
(1مل 3 : 12) وأعطاه حكمة وفهماً كثيراً ورحابة قلب كالرمل الذي
على شاطئ البحر (1مل 4 : 29 ) لأنه طلب ذلك من الله وجاهد ليكون له القلب الحكيم
كما انه مسح ملكا وحل عليه روح الله ، لكن هذا القلب الحكيم عندما أستسلم لحياة
اللذة والجرى وراء نساء غريبات عن الله أملن قلبه وراء الهه أخرى { كان في زمان
شيخوخته إن نساءه أملن قلبه وراء إلهه أخرى ولم يكن قلبه كاملاً مع الرب
كقلب داود أبيه}(1مل 4 :11). كما خدعت دليلة شمشون الجبار وأسلمته لأعدائه
عندما سار وراء أهوائه وكشف لها سر قوته عندما قالت له { كيف تقول احبك وقلبك ليس
معي وهوذا ثلاث مرات قد خذلتني ولم تخبرني بماذا قوتك العظيمة } (قض 15 :
16). فلما باح لها بسر قوته خانته وسلمته لأعدائه وعاملوه كالحيوان يطحن
لهم.لهذا يحذرنا الله من محبة العالم وشهواته وخطاياه والسير فيها { لا تتبع
هواك ولا قوتك لتسير في شهوات قلبك}( سير 2 :5 ) وكذلك يحذرنا الكتاب من محبة
المال الذي هو أصل كل الشرور، لان الطمع يفسد القلب، ويظلم البصيرة الداخلية كما
ان هناك قلوب منقسمة بين محبة الله ومحبة العالم وشهواته وليست كاملة امام الله
ولهذا يحذرنا الكتاب من أن يعرج بين الفرقتين فالقلب المنقسم لا ينجح.
كيف أقتني قلباً صالحاً ؟
+ إن الخطية والشهوات تلوث القلب وعندما نصنع الخطية ونصغي
لإبليس فان الأفكار والعواطف الشريرة تنجس القلب، وعوضاً من أن
يكون القلب مصدر الصلاح والخير يصير مدنس ونجس. فلهذا علينا أن نتوب
ونعمل جاهدين على الصراخ إلى الله بتواضع ودموع لحراسة قلوبنا وتنقيتها
لكي تصير مسكناً لله ومذبحا للصلاة. علينا أن نسلك بتواضع قلب
ونداوم علي الصلاة إلى الله، والرجوع إليه وبتجديد الإنسان الداخلي بكلمة
الله الحية والفعالة { ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم
لتختبروا ما هي ارادة الله الصالحة المرضية الكاملة} (رو 12 : 2) علينا أن نعرف
إرادة الله نوُصمِّم على تنفيذها باتضاع قلب ووداعة .
+ الإيمان العامل بالمحبة .. إيماننا بالتجسد الإلهي وبأن الله جاء
ليعطينا البصيرة الروحية ويحررنا من الخطية، ذلك الإيمان يجعلنا نثق في قدرة الله وفي
فدائه الثمين ومحبته {هذه هي المحبة ليس أننا نحن أحببنا الله بل انه هو أحبنا
وأرسل ابنه كفارة لخطايانا}( 1 يو 4 : 10 ). هذا الإيمان يثمر فينا ويجعلنا نسعى
فى طاعة وصايا الله ونصنع إرادته {غاية الوصية فهي المحبة من قلب طاهر وضمير صالح
وإيمان بلا رياء} (1تي 1 : 5). بالتجسد الإلهي امتلك ربنا يسوع المسيح قلباً مثلنا
لكنه كان طاهرا بلا خطية يمتلئ بالحنان نحو البشر. بهذا القلب الحنون المحبّ
أشفق على المرضى والمحتاجين والخطاة وداوى كل أمراضنا ودفع ديون خطايانا ساترا على
ضعف الضعفاء، وشافيا المتسلط عليهم إبليس. وهو لا زال يعمل ويريد أن
نعمل معه، فإن أمنت فكل شيء مستطاع للمؤمن.
+ نعمة الروح القدس تطهر
القلب... يصرخ المرنم طالباً {
قلباً نقياً اخلق في يا الله وروحاً
مستقيماً جدّده في أحشائي، لا تطرحني من قدام وجهك وروحك القدوس
لا تنزعه مني} ( مز 10:51-11) . إن القلب المنكسر والمنسحق لا يرذله
الله. المعمودية هي ولادة جديدة للإنسان تطهر القلب وتجدد طبيعة المؤمن وتعطي غفراناً لخطايانا وتعتق من سلطان إبليس و بالميرون المقدس نصير
هياكل للروح القدس الوديع الذي يطهر من الخطايا ويقود في حياة الفضيلة والبرّ
فتظهر ثمار الروح القدس في حياتنا. وياتى دور التوبة والاعتراف
عن الضعفات اليومية لغفران الخطايا التي نقترفها بالجهل والضعف
والنسيان. وكلما جاهدنا مدققين في حياتنا الروحية يصير قلبنا مسكناً
لروح الله ومذبحاً ترتفع منه الصلوات النقيّة، فلنحرص على عبادة الله
ومحبته من كل القلب ليضرم الله نعمة روحه القدوس داخلك مطهراً القلب جاعلاً إياه مسكناً له.
+ الثبات في الربّ وكلامه.. إن كلمة
الرب تنقّي الإنسان وتقدسه وكلما حرصنا على قراءتها في صلاة وتأمل
وتواضع { لان كلمة الله حيّة وفعّالة وأمضى من كل سيف ذي حدين
وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والنخاع ومميزة لأفكار القلب ونياته}( عب 4
: 12). الذي يحب الله يحفظ وصاياه ويثبت فى الرب ويأتي بثمر ويدوم ثمرة {
فشكراً لله إنكم كنتم عبيدا للخطية ولكن أطعتم من القلب صورة التعليم
التي تسلمتموها} ( رو 6 : 12). فلنحرص على قراءة الكتاب المقدس وكتابات
الآباء القديسين فإنها تحررنا من النجاسة وتعطينا مادة مقدسة للصلاة والتأمل،
ولنلاحظ نفوسنا والتعليم ونداوم على ذلك فمتى فعلنا هذا نخلص نفوسنا والذين
يسمعوننا أيضا. ان سر قوتنا هي كلمة الله التي تغلب الشرير {خبأت كلامك في قلبي كي
لا اخطأ إليك} (مز 115 : 119) فلنحفظ كلمة الله في قلب جيد صالح ، ونثمر بالصبر
ثمارا تليق بأبناء الله .
+ ممارسة الأسرار المقدسة و الوسائط الروحية باستمرار و
باتضاع قلب من توبة واعتراف وتناول بانسحاق من الاسرار ونطلب من الرب أن يهبنا
حياة العفة والقداسة والنمو في الإيمان. أن جسد ودم المسيح
يسوع المُقدّسين هما قوة للثبات في الرب وغفران الخطايا وحياة أبدية
لمن يتناول منه بانسحاق قلب ومداومة على الصلاة ، التناول يجعلنا نتغذى من عصارة
الكرمة الحقيقة يسوع المسيح إلهنا القادر على أن يقودنا في موكب نصرته. ومتى طلبنا
باستقامة قلب فإن الرب يعطينا سؤل قلوبنا .
القلب وحياة الصلاة الدائمة...
+ تبرز أهمية القلب في الحياة القلب في حياة الصلاة
الدائمة والصلة والعشرة مع الله برفع القلب بالصلاة والشبع بمحبة الله وكما أن
القلب مضخة للدم هو وسيلتنا للصلاة الدائمة كل حين ففى عملنا وطريقنا وبيوتنا نرفع
قلوبنا بالصلاة الى الله حتى فى النوم، تقول عروس النشيد للرب {نائمة أنا أما قلبي
مستيقظ} (نش 5 : 2). فالقلب يمكنه أن يرفع للسماء تسبيح وطلبات وتوسلات من
أجل خلاص العالم ، ومن اجل الخطاة، ومن اجل كل من هم في حاجة، وبهذا
نقتني قلبًا شفوقًا يحل فيه ملكوت الله.
+ أن ذلك يأتي بالصلاة الدائمة عبر هدوء الحواس من الطياشة، والفكر
من السرحان فيما يضر وبمناجاة للاسم الحلو الذي لربنا يسوع المسيح أثناء الشهيق
والزفير " يا رب يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ " أو غيرها من
الصلوات السهمية القصيرة " الهم التفت إلي معونتي يا رب أسرع
وأعنِّي " أو كما علّم القديس أنبا انطونيوس تلاميذه
" يا رب يسوع ارحمني ، يا رب يسوع اعني ،أنا أسبحك يا رب يسوع
" نقولها في هدوء ونتعود عليها طالبين من الرب أن يلهب قلوبنا بروحه القدوس
كما قال تلميذا عمواس { فقالا لبعضهما البعض الم يكن قلبنا ملتهباً
فينا إذ كان يكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب}( لو 24 : 32). في عملنا نردّد صلواتنا
كعمل داخلي للقلب ونتلذذ باسمه الحسن فيعطيك سؤل قلبك ويلهب القلب من نار محبته
فلا نسكت ابدا ولا نكف عن الصلاة كما جاء في إرميا النبي {فقلت لا
أذكره ولا أنطق بعد باسمه فكان في قلبي كنار محرقة محصورة في عظامي فمللت من
الإمساك ولم استطيع}(أر 9 : 20). لنحمل نير المسيح ونتعلّم منه لأنه
وديع ومتواضع القلب فنجد راحة لنفوسنا، ونصرخ طالبين منه أن يهبنا نقاوة
القلب لكي نعاينه داخلنا ، ويُتحرِّك قلبنا بالرحمة نحو كل الخليقة العاقلة
وغير العاقلة وترتفع صلواتنا من اجل الجميع .
+ علينا أن نحترس من كل خطية حتى لو كانت الثعالب الصغيرة،
فإنها تفسد الكروم والثمار المتولدة من الصلاة والصلاح وننقي قلوبنا من الغضب
والذم والكراهية والرياء والإدانة فإن هذه الخطايا تمنع نعمة الله من الجريان
داخل قلوبنا ونبتعد عن الكلام البطّال والذى يضر ومنه تبرد حرارة القلب،
ولا نطلب أو نسعي في طلب المديح من الآخرين وإلا نكون قد استوفينا
أجرنا. لا نجعل قلبنا يتعلق بما هو أرضي بل ليكن كنزنا في السماء لأنه حيث يكون
كنزك هناك يكون قلبك أيضا.
+ نضع الأبدية في قلبنا، فاننا غرباء على الأرض ووطننا
الحقيقي هو السماء التي نحن سفراء لها ولأتعابنا على الأرض مكافأة بها نسعد ونسر
للحياة في كنف الأب السماوي المحب وفي النهاية حياة أبدية .
نصلي من كل قلوبنا ......
ارحمني يا الله كعظيم رحمتك وامحو آثامي بنعمتك، لأنك إله رؤوف رحيم و
متحنن قلباً نقياً اخلقه في يا الله
وروحاً مستقيماً جدّده في أحشائي، لا تطرحني من قدام وجهك، وروحك
القدوس لا تنزعه مني . اسمع الي صلوات وتضرعات شعبك وأرفع عنا الوباء والغلاء
والمرض والظلم وكل أمر شرير وأرسل لنا روحك القدوس ليعلمنا ويرشدنا في طريق الكمال
الذي إليه دعينا فانك الله مبارك، لك ينبغي المجد والإكرام والسجود الآن وكل أوان،
أمين.