من ثمار الروح القدس
طول الأناةٍ
للأب القمص / أفرايم الأنبا بيشوى
{ أَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ، لُطْفٌ، صَلاَحٌ، إِيمَانٌ، وَدَاعَةٌ، تَعَفُّف } ( غلا 22:5).
{ فَالْبَسُوا كَمُخْتَارِي اللهِ الْقِدِّيسِينَ الْمَحْبُوبِينَ أَحْشَاءَ رَأْفَاتٍ، وَلُطْفًا، وَتَوَاضُعًا، وَوَدَاعَةً، وَطُولَ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَمُسَامِحِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا إِنْ كَانَ لأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ شَكْوَى. كَمَا غَفَرَ لَكُمُ الْمَسِيحُ هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا}(كو12:3-13(
+ طول الاناة تعنى الصبر والاحتمال والتماسك في وجه الاستفزاز والظلم وهو ليس موقفاً سلبياً، بل هو موقف إرادي ايجابي . والدافع له هو محبة الله، ومن ثم محبة المسيحى للآخرين. وفي اللغة العربية هناك مرادفات ومعاني عديدة لطول الأناة منها، الصبر, المثابرة، التأني، التسامح، ضبط النفس، تمالك النفس والأعصاب، كظم الغيظ ، سعة الصدر، التروي . وطول الأناة ثمرة من ثمار الروح القدس التي تحتاج الي جهاد ومعرفة في أقتنائها، كما انها لا تعني عدم العمل او الركون لتدخل الله في حل المشكلات دون البحث في حلها واتخاذ افضل الوسائل للوصول للحل او علاج وانهاء المشكلات التي نواجهها في حكمة وقوة وجهاد وعمل بتأنى .
+ طول الأناة يعني انه يجب أن نفكر قبل كلّ عمل نُقدم عليه. نفكر أولا ثمّ نعمل. من أجل ان يدرك الإنسان ما يدور حوله ويعرف ما الذي يساعده وما الذي يعيقه، قد نجد البعض يستعجل في الردّ على كلّ كلمة أو نظرة أو حركة من الغير. وردّهم هذا يمكن أن يكون وبالاُ عليهم. وبطول الأناة والصبر ينبغي أن يترووا وأن يفكّروا قبل القيام بأي عمل وأن يتعوّدوا ضبط أعصابهم وكبح جماح أنفسهم حتى ان سمعوا ما لا يرضيهم فيكون تعاملهم بروح التسامح وسعة الصدر.
+ لو عرفنا أضرار التسرع ونتيجته من أمراض ومتاعب كثيرة نفسية وعصبية وبدنية وإجتماعية، وما يصيبنا من عدم الاحتمال والغضب وخسارة الغير لفضلنا أن نطيل بالنا ونصبر ونحتمل بل ونبادر فى صنع الخير مع الغير. {ها نحن نطوب الصابرين، قد سمعتم بصبر أيوب، ورأيتم عاقبة الرب} (يع5: 11). فليكن لدينا طول اناة وشكر وانتظار فرج الرب، الذي سوف يأتي في الوقت المناسب.
+ الطبيعة والحياة وطول الأناة ..والصبر فقد وضع الله للطبيعة قوانين ومنها نتعلم الصبر وطول البال اننا نلقى البذار فى بدء الربيع ونتعهدها بالري والتسميد حتي تثمر وتنضج الثمار وهناك اشجار معمرة تحتاج لبعض سنوات حتى تثمر والطفل يولد ويتعلم مع الوقت كيف يجلس ويحبو ثم يمشى ويتكلم ويتعلم حتى ياتى الى فترة النضج .ان مشكلة البعض انه يريد ان يقول للشئ كن فيكون وما يمكن ان يجنيه بعد سنوات من الكفاح يريده الان ، لكننا نحتاج الى الصبر وطول البال حتى فى مجال العمل والعلاقات البشرية والتطور والنمو النجاح .
+ لقد أعطى الله درساُ فى طول الأناة والصبر والاحتمال لاب الاباء ابراهيم كما جاء فى التقليد اليهودى: أن ضيفاً قدم الي أبراهيم يوماً فرحب أبينا إبراهيم بالضيف وذبح له عجلاً وأعد الأطعمة.وقبل ان يأكلا ويبيتا طلب منه الصلاة معاً ، فالسفر في الغابات خطر ويعرض الضيف للحيونات المتوحشة .. وقبِل الشيخ ذو الستين ربيعاً وعندما طلب أبينا إبراهيم من الضيف أن يصليا أخرج الضيف وثناً من جيبه وأخذ يصلى إليه ويسجد له! هنا أنزعج أبينا إبراهيم وقال إن هذا خطأ لأنه يوجد اله خالق السماء والأرض له نسجد ونصلى هنا لم يقبل الضيف نصيحة رجل الإيمان وأستمر في صلاته وإذ بأبينا إبراهيم يحتد عليه ويطرد الشيخ من عنده لأنه عابد وثن وفي ذات الليلة كلم الله أبينا إبراهيم معاتباً قائلاً : "يا إبراهيم ستون سنه وأنا صابر على هذا الرجل ومحتمله ، أما قدرت أن تصبر عليه ليلة واحدة". أن الحب والصبر يصنع المعجزات والاحتمال يقيم الأموات والغضب لا يصنع بر الله. ولو صبر أبينا إبراهيم على الرجل وقدم له حباً لربما تغير الرجل وعبد الرب اله إبراهيم من أجل محبة إبراهيم وكرم ضيافته وحسن استقباله.
مجالات طول الأناة فى حياتنا .... فى كل مجالات الحياة وفى العلاقات نحتاج للأناة والصبر وطول البال. فلو سادت طول الأناة بين الناس لأصبحت حياتنا أفضل وارحنا الغير لأن من يطيل أناته على غيره يحصل على السلام مع الآخرين ومع نفسه. فلو الزوج صبر على زوجته لو تأخرت في إعداد الطعام، أو عن موعدٍ هام. ولو الأم تطيل أناتها على ولدها وهو يعصى ما نصحته به، والرئيس أطال أناته على مرؤسيه لاصبحت الحياة أجمل وأفضل والروح القدس هو معلمنا وهو يستطيع ان يهبنا طول الاناة ان طلبناه وسمعنا نداه وأطعناه .
فنصبر حتي يستجيب الله لصلواتنا فقد يأتي الرد متأخراً لحكمة عند الله. {فتأنوا انتم ايها الاخوة وثبتوا قلوبكم لأن مجيء الرب قد اقترب} (يع 8:5).
ونتأني علي أنفسنا ونترجى مراحم الله ولا نيأس بل نجاهد لنتخلص من أخطائنا وخطايانا وننمو فى الفضائل الروحية والتقوى.
ونصبر على ابنائنا واخوتنا وأقاربنا ومع الوقت لابد ان تنصلح احوالهم ومحبتنا لهم.
نطيل أناتنا حتى علي المسيئين الينا ونصلى ليحاسبوا أنفسهم ويصلحوا من احوالهم ونلتمس لهم الأعذار لجهلهم أو قلة معرفتهم او اختبارهم وقد نساعدهم بصبرنا علي تحسن احوالهم بقدر المستطاع. ونتأني علي خصومنا وافتراءاتهم فالحق لابد ان ينتصر.
طول أناة الله وصبره ..
+ اننا نتعلم طول الأناة والصبر من الله الذى جاء عنه (الرب رحيم ورؤوف، طويل الروح وكثير الرحمة، لا يحاكم إلي الأبد ولا يحقد إلي الدهر. لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا. لأنه مثل ارتفاع السموات فوق الارض قويت رحمته علي خائفيه. كبعد المشرق عن المغرب، أبعد عنا معاصينا كما يتراءف الأب علي الابن يتراءف الرب علي خائفيه لأنه يعرف جبلتنا يذكر أننا تراب نحن (مز103: 8-14). ان الله يُطيل أناته على العالم كله، الخطاة والجاحدين ومن أجل طول أناته لم يهلك البشر ولم يفنى العالم بكثرة شره. لقد قاد الله بصبرة وطول أناته كثيرين إلى التوبة ومن أجل طول أناته يشرق شمسه على الأبرار والأشرار. فهو {بطيء الغضب}(خر 34: 6)، {طويل الروح}(عد 14 :8 ، نح 9: 17) وهو {طويل الأناة}( إر 15: 15). وقد تجلت رحمة الله وطول أناته في تعامله مع البشر فبعد الطوفان وضع قوسه في السحاب ليكون علامة ميثاق بينه وبين كل نفس حية على الأرض (تك 9: 11- 17). وكم من المرات صبر الله على تمرد وعصيان شعبه القديم (عد 14: 22، هو 11: 8، 9). كما ظهرت فى ارساله يونان النبي ليدعو اهل نينوى الخطاة للتوبة (يون: 10، 4: 9 –11). وكم من مرة تأنى على أورشليم (مت 23: 37، مرقس 12: 1- 11، لو 13: 1 –9و 34). ويتأنى المسيح في مجيئه الثاني ليعطي للخطاة فرصة للتوبة (2 بط 3 : 9).
+ المسيح هو القدوة للمؤمنين في طول الاناة..
يجب علينا أن"نحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع، الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً بالخزى" (عب 12: 1و 2)، فقد احتمل إهانات رؤساء الكهنة والشيوخ وغيرهم، بل وتعييرات اللصين على الصليب (مت 27: 38- 44، مرقس 15: 28- 32) من اجل هذا يطالبنا بسماع وصاياه والتامل فيها والتحلى بالصبر حتى نأتي بالثمر الروحى {و الذي في الارض الجيدة هو الذين يسمعون الكلمة فيحفظونها في قلب جيد صالح و يثمرون بالصبر (لو 8 : 15). ويقول لنا ان نربح أنفسنا والملكوت والآخرين بالصبر{بصبركم اقتنوا انفسكم} (لو 21 : 19). من اجل هذا يكتب القديس بولس الرسول إلي تلميذه تيموثاوس { صادقة هي الكلمة إنه إن كنا قد متنا معه فسنحيا أيضاً معه. إن كنا نصبر فسنملك أيضاً معــــه}(2تيمو 2 : 11 ، 12).
+ امتدح الإنجيل فضيلة الصبر لشعب كنيسة تسالونيكي وقال: {متذكرين عمل ايمانكم، وتعب محبتكم، وصبر رجائكم في ربنا يسوع المسيح} (1تس1: 3) وتحدث سفر الرؤيا عن صبر القديسين والشهداء، على ظلم الأشرار، واضطهاداتهم الظالمة حتى نالوا أكاليلهم في النهاية (رو5: 3)، (يع1: 3) وينبغي علينا أن نصبر مثلهم (1بط2: 20) لنكون معهم، كما قال القديس بولس {بالإيمان والأناة يرثون المواعيد} (عب6: 12). { إنكم تحتاجون إلى الصبر، حتى إذا صنعتم مشيئة الله تنالون المواعيد} (عب10: 36). فالله يسند الصابر الشاكر. وشدد الكتاب على أن يكون كل الخدام على كافة درجاتهم صبورون في التعامل مع الخطاة (1تي6: 11). وأن يرتضوا باحتمال الآلام والضيقات بصبر وشكر حتى تعبر.
+ الأنقياد للروح القدس... كلما سلَّمنا أنفسنا أكثر للروح القدس وخضعنا لتوجيهاته، يعمل فينا، ويعطينا من ثماره ويسيطر على أفكارنا وأقوالنا ومشاعرنا ويقودنا وعلينا ان نصلى ليهبنا روح الله الوداعة وطول الأناة ويزيل منا الغضب من داخلنا، ويعلّمنا ويغرس فينا فكر المسيح الذي شرحه الرسول بطرس في قوله: {لأَنَّكُمْ لِهٰذَا دُعِيتُمْ. فَإِنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ لأَجْلِنَا، تَارِكاً لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُواتِهِ. ٱلَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلا وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ، ٱلَّذِي إِذْ شُتِمَ لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضاً وَإِذْ تَأَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ بَلْ كَانَ يُسَلِّمُ لِمَنْ يَقْضِي بِعَدْلٍ} (1بط 2: 21-23). علينا ان نثق فى مواعيد الله وعمله وان لكل شئ تحت السماء وقت فنصبر ونواظب على عمل الخير وسنحصد فى الوقت المناسب.
نتائج طول الأناة والصبر فى حياتنا..
+ الصبر أساس الصداقات الناجحة.. فطويل الأناة لا يخاصم ويحتمل ويكون محبوبا ومن محبته للغير يحتمل ويصبر ويملك الدرع الواقى لمنع الخصومات ولذلك قال سليمان الحكيم {الرجل الغضوب يهيج الحقد ، وبطء الغضب يسكن الخصام} (1م 5 : 19). فإن أردت أن تحيا سعيداً وتعمر مديداً لا تغضب وكن صبوراً لكى لا تحطم سعادتك بيديك فالإنسان الهادئ يجلب السعادة لنفسه، ولمن حوله ولمن يتعاملوا معه ويكون قوياً يستطيع أن يتعلم ويعطى من نفسه قدوة تبنى الآخرين. وقد صبر داود على حروب شاول 39 سنة، حتى مات واستراح من رذائله وصار ملك بعده . وقال القديس يعقوب الرسول: { قد سمعتم بصبر ايوب ورأيتم عاقبة الرب} (يع 5: 11) لقد صبر أيوب على التجربة فاسترداد ماله وابنائه وصحته وسمعته وباركه الله. وقال بولس الرسول {أنا أصبر على كل شيء} (2تي2: 10). فليكون لنا طول أناة على أخطاء الأصدقاء حتى نكسبهم ونصبرك على أعدائنا فننال الاحترام وربما يتحولوا الى اصدقاء وان لا فقد ربحنا انفسنا ونأخذ المكأفاة من الله ولنثق انه مع الصبر ستنتهى الضيقة بالانتصار والفرج .
+ طول الأناة فضيلة تهبنا الحكمة والوداعة .. طول الاناة فضيلة نكتسبها بالتعلم والجهاد الروحى فتجعل الانسان حليم وحكيم ووديع ومحبوب لا يثور ولا يغضب ويفكر قبل ان يتكلم ويتصرف، فعندما يُفتَقَد الصبر، يخمد صلاح النفس وتنمو الخطيئة.. الصبر هو كلمة عذبة، سلاح لا يُغلَب، زينة لا تُقَدَّر للرجل، بركة من الله، الإنسان الصابر، ينتظر بإيمان تدخل الرب في المشاكل وحلها في الوقت المناسب. فالإيمان يقود إلى الإنتظار، وتسليم الأمر لله إلى أن يشاء الله، ويقدم الشكر مقدماً، ويحصل المؤمن على الرجاء (رو15: 4) الذي يجعله لا يتذمر، بل يشكر باستمرار، فينال ثمر صبره وطول أناته.
+ طول الأناة وضبط للنفس .. ان ضبط النفس فضيلة سامية { البطيء الغضب خير من الجبار ومالك روحه خير ممن ياخذ مدينة }(ام 16 : 32).عندما تواجه آخرين فيتصرفوا معك بدون لياقة وبعدم احترام فأضبط نفسك ولا تفقد رجاءك فيهم، بل بطول أناتك أكسبهم وأعلم أن رابح النفوس حكيم، وهناك حكمة تقول "أن قطرات من العسل تصطاد من الذباب أكثر مما يصطاده برميل من العلقم" فليكن لك الروح الوديع وسعه الصدر ولا تتبرم وتتذمر وأصبر . عندما كان داود النبى مطارداً من أمام أبنه أبشالوم أخذ أحد العامة يسبه وهو يلقى عليه بالأحجار فقال قائد جيش لداود : دعنى أقتله فرفض داود فى صبر وتواضع قائلاً : لا.. دعه لينظر الله إلى أتضاع عبده. ومن أجل تواضع داود رده الله إلى مملكته وأهلك أعدائه. وأنت أعلم أن الله يقاتل عنك وأنت صامت فلا تقابل الأخطاء بالأخطاء فالنار لا تطفأ بالنيران بل بالماء.أحتمل الافتراءات ولا تنتقم لنفسك والتمس الأعذار للناس كضعف بشرى يحتاج إلى العلاج والوقوف مع من يسئ إليك في خندق المحبة والتأنى والترفق به ولا تفقد الأمل في الإصلاح وسيأتى اليوم وستجنى ثمر الصلاح.
+ طول الأناة والنمو الروحي ... طول الأناة والصبر مدرسة لتنقية المؤمن من الضعفات والشوائب ولتقوية الإيمان وبنيان حياة المؤمن ونموه الروحى حتى وبالمرور فى الضيقات. الله يسمح بالتأديب لكى نشترك في قداسته (عب 12: 4- 13). فهذا التأديب أنما هو لخير المؤمن ومنفعته. فهو أحد الإشياء التي تعمل للخير (رو 8: 28)، لذلك يجب على المؤمن أن يفرح في كل حين (في 4:4 )، بل وحينما يقع في تجارب متنوعة عالماً أن الضيق ينشيء صبراً (رو 5: 3) ، كما ينشيء امتحان الإيمان صبراً (يع 1: 2-3). لقد احتمل ابائنا القديسين حتى الاضطهاد والاستشهاد من اجل الثبات على إالايمان من اجل هذا كرمهم الله والكنيسة فى كل زمان { حتى اننا نحن انفسنا نفتخر بكم في كل كنائس الله من اجل صبركم وايمانكم في جميع اضطهاداتكم والضيقات التي تحتملونها }(2تس 1 : 4).والسيد المسيح يعلق اقتناء النفس بالصبر، فبعد أن يعرض الضيقات العتيدة أن تصادف المؤمنين فى العالم، يصف الدواء{بصبركم إقتنوا أنفسكم} (لوقا21: 19) . وعن ذلك يقول القديس يعقوب الرسول {عالمين أن امتحان إيمانكم ينشئ صبراً، وأما الصبر فليكن له عمل تام. لكى تكونوا تامين كاملين غير ناقصين فى شئ} (يعقوب1: 3 – 4).
الصبر والهدوء والصمت .. ان الصبر يثمر فينا حياة الهدوء والصمت { لانه هكذا قال السيد الرب قدوس اسرائيل بالرجوع والسكون تخلصون بالهدوء والطمانينة تكون قوتكم} (اش 30 : 1).
+ طول الأناة وهدوء الحواس واللسان.. {هدوء اللسان شجرة حياة واعوجاجه سحق في الروح } (ام 15 : 4) . لهذا يوصينا الانجيل على الاسراع فى الاستماع والابطاء فى التكلم او الغضب {اذا يا اخوتي الاحباء ليكن كل انسان مسرعا في الاستماع مبطئا في التكلم مبطئا في الغضب }(يع 1 : 19) ولذلك نري معلمنا داود النبي في محنته القاسية المريرة يقول {صمت يارب لا أتكلم لأنك أنت أمرت} وسليمان الحكيم يعلمنا حكمة الصمت فيقول {لكل شيء زمان ولكل أمر تحت السموات وقت...للسكوت وقت وللتكلم وقت}.
+ طول الأناة والملكوت السماوى .. الصبر لازم لخلاصنا، كما هو ايضاً ضرورة لدخول الملكوت فمن يصبر للمنتهي فهذا يخلص ولذلك نري يعقوب الرسول يوصي بشدة جماعة المؤمنين فيقول {فتأنوا ايها الاخوة إلي مجيء الرب، هوذا الفلاح ينتظر ثمر الأرض الثمين متأنياً عليه حتي ينال المطر المبكر والمتأخر، فتأنوا انتم وثبتوا قلوبكم لأن مجيء الرب قد اقترب... خذوا يا اخواتي مثالاً لإحتمال المشقات والأناه، الأنبياء الذين تكلموا بإسم الرب ها نحن نطوب الصابرين، قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب} (يع 5 : 7 ـ 11) ويمتدح الرسول بولس تلميذه تيموثاوس {وأما أنت فقد تبعت تعليمي وسيرتي وايماني واناتي ومحبتي وصبري واضطهاداتي وآلامي... اية اضطهادت احتملت ومن الجميع أنقذني الرب، وجميع الذين يريدون ان يعيشوا بالتقوي في المسيح يسوع يضطهدون} (2تيم 3 : 10 ـ 12).
قال القديس مكاريوس الكبير : طول الروح هو الصبر والصبر هو الغلبة، والغلبة هي الحياة، والحياة هي الملكوت، والملكوت هو اللّه، البئر عميقة لكن ماءها طيب عذب، الباب ضيق والطريق كربة، لكن المدينة مملوءة فرحاً وسروراً، والبرج حصين، لكن داخله كنوزاً جليلة، الصوم ثقيل صعب، لكنه يوصل الي ملكوت السموات، فعل الصلاح عسير شاق لكنه ينجي من النار برحمة ربنا الذي له المجد. لهذا فطوبي للصابرين لانهم ينالوا أكليل الحياة {طوبي للرجل الذي يحتمل التجربة لانه اذا تزكي ينال اكليل الحياة} (يع1 : 12).
نصلى اليك يالله ...
+ ايها الرب الاله طويل الانأة كثير الرحمة، تأنى على خلقتك رغم بعدنا وجحودنا وخطايانا لكننا نترجى مراحمك وصبرك علينا كما يصبر الزارع على اشجاره وينقب حولها ويضع السماد لتثمر، وانت اله الصبر والرجاء، طويل البال، تأني علينا وعلى عالمك المجروح، فابليس يعمل جاهدا ليبعدنا عنك وانت كآب صالح قادر على كل شئ فردنا اليك يالله كعظيم رحمتك.
+ اعطنا ان نتعلم منك وان نسرع الى التوبة والرجوع اليك لنستفيد من صبرك علينا ورحمتك بنا وعلمنا ان نصبر ونتسامح تجاه الآخرين محتملين اياهم بمحبة حقيقية وصبر كامل ورجاء ثابت ومحبة بلا رياء لنكون على صورتك ومثالك وصبرك.
+ علمنا ان نقابل السئية بالحسنة، والكراهية بالمحبة، والشر بالخير، والتسرع والغضب بالصبر والهدوء، علمنا ان نكون شفوقين محتملين بعضنا بعض بالمحبة، مسرعين الى حفظ وحدانية الروح برباط الصلح الكامل، صانعين ارادتك كل حين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق