فكرة لليوم وكل يوم
106- { غُرَبَاءُ عَلَى الأَرْضِ }
للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
+ قدم الكتاب المقدس معاني متعددة للغربة ومنها الغربة عن الوطن الأصلي، كغربة إبراهيم في فلسطين بعد مجيئه من موطنه الأصلي في أور الكلدانيين، {أنا غريبٌ ونزيلٌ بَينَكُم. دعوني أملِكُ قبرًا عِندَكُم لأدفِنَ فيهِ مَيتي مِنْ أمامي} (تك 23: 4). أو الغربة بمعني والترك والإهمال والنبذ، كما قال داود في المزامير {صِرْتُ أجنبيُا عِندَ إخوَتي وغريبًا عِندَ بَني أُمِّي} (مز 69: 8). أو الغربة التي يحياها الإنسان بعيدا عن أهله واقربائه أو أن يتزوج من غرباء ليسوا من بني جنسه وأخيرا الغربة كاحساس وشعور وحياة الإنسان الأرض كغريب يتطلع للوطن السماوي كما ذكر ذلك القديس بولس الرسول عندما تكلم عن رجال الإيمان { فِي الإِيمَانِ مَاتَ هَؤُلاَءِ أَجْمَعُونَ، وَهُمْ لَمْ يَنَالُوا الْمَوَاعِيدَ، بَلْ مِنْ بَعِيدٍ نَظَرُوهَا وَصَدَّقُوهَا وَحَيُّوهَا، وَأَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ غُرَبَاءُ وَنُزَلاَءُ عَلَى الأَرْضِ} (عب 11 : 13). والمعنى الروحي للغربة أن لا يتعلق قلب المؤمن بالأرض ولا تمتلك المادية والاشياء قلبه ولا يتمثل بمن يعيشوا حياة الخطية والبعد عن الله بل يحيا حياة القداسة والتقوى فى مخافة الله {أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ كَغُرَبَاءَ وَنُزَلاَءَ أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ الشَّهَوَاتِ الْجَسَدِيَّةِ الَّتِي تُحَارِبُ النَّفْسَ} (1بط 2 : 11).
+ لقد تجسد الأبن الوحيد وأتحد بطبيعتنا وجاء لخلاص العالم، لكي يهبنا الإيمان ويقودنا في طريق البر ويهبنا الحياة الأبدية { لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ }(يو 3 : 16). قدس الله طبيعتنا بتجسده وهو يريد أن يقدس كل الإنسان, روح وجسد ونفس لتكون مقدسة، ومتحدة بالله فى تتناغم مع قداسة الله ومشيئته. الإيمان بالمسيح يجدد الإنسان ليكون تاج وكاهن للخليقة لتتصالح مع الله. الإيمان يجعل المؤمن ينتمي للمسيح ويحب كنيسته وينتمى لوطنه الذي يعيش فيه ويخلص له وتتسع دائرة انتمائه لتشمل الأخوة الإنسانية ومحبة الجميع وعمل الرحمة مع الكل ونشر النور في كل مجالات الحياة كما جاء المسيح ليكون نور للعالم { أَنَا قَدْ جِئْتُ نُوراً إِلَى الْعَالَمِ حَتَّى كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِي لاَ يَمْكُثُ فِي الظُّلْمَةِ} (يو 12 : 46) وفى صلاته الوداعية راينا السيد المسيح يكلف المؤمنين به برسالة سامية على الأرض { كَمَا أَرْسَلْتَنِي إِلَى الْعَالَمِ أَرْسَلْتُهُمْ أَنَا إِلَى الْعَالَمِ} (يو 17 : 18). يجب أن يكون المؤمن كالملح يذوب ليعطي مذاقة روحية طيبة لمن حوله. وطلب السيد المسيح من الآب السماوي أن يحفظنا من الشرير { لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ الشِّرِّير}ِ ( يو 17 : 15) .
+ شعور المؤمن بالغربة عن الأرض، سواء أكان متغرب عن بلده الأصلى أو يحيا فيه ، يجعله لا يتكالب على متع العالم وشهواته { َالْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ} (1يو2:17). ولكن يجب أن نفهم أن للمسيحي على الأرض رسالة سامية وهدف نبيل ولكي نرث ملكوت السموات يجب أن نعد أنفسنا له ونحن على الأرض { هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ} (لو 17 : 21) بالإيمان بالله ومحبته المعلنة لنا فى المسيح يسوع والأنقياد لروح الله نصير أبناء لله ونحيا كسفراء للمسيح علي الأرض، نجول كخدام أمناء للمسيح الذى صالح السمائيين مع الأرضيين وجعل الأثنين وأحدا { إِذْ عَرَّفَنَا بِسِرِّ مَشِيئَتِهِ، حَسَبَ مَسَرَّتِهِ الَّتِي قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ،. لِتَدْبِيرِ مِلْءِ الأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، فِي ذَاكَ.الَّذِي فِيهِ أَيْضاً نِلْنَا نَصِيباً، مُعَيَّنِينَ سَابِقاً حَسَبَ قَصْدِ الَّذِي يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ.}( أف 9:1-11). السيد المسيح هو سلامنا {لأَنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا، الَّذِي جَعَلَ الِاثْنَيْنِ وَاحِداً، وَنَقَضَ حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ} (اف 2 : 14).
+ حياتنا على الأرض كغربه لا تعني أن نعيش بسلبية أو أن لا نقوم بواجباتنا، أو لا نطالب بحقوقنا. بل علينا أن نعمل بكل جهد في الحياة، وننجح ونخدم أوطاننا على الأرض بامانة وأخلاص ونصلى من أجل سلامها وتقدمها حتى بعد أنتقالنا الي السماء. لقد أهتم السيد المسيح بخلاص العالم كله مبتدأ من بلده حيث تربى { وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ حَيْثُ كَانَ قَدْ تَرَبَّى. وَدَخَلَ الْمَجْمَعَ حَسَبَ عَادَتِهِ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَامَ لِيَقْرَأَ }(لو 4 : 16). وبعد قيامتة أوصى تلاميذه بالكرازة بدأ من أورشليم والي أقصي الأرض { سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ} (اع 1 : 8). فكل علم أو خدمة أو عمل خير نعمله هو أمتداد لملكوت الله على الأرض. فالملكوت السماوي الذي نسعى إليه يبدأ هنا في أرض الغربة بالجهاد والكفاح ضد الخطيئة وبنشر الإيمان وحياة القداسة على الأرض، نعمل في بناء الملكوت وتصبح أرضنا هى الرحم الذي يلدنا للسماء. نتاجر بوزناتنا لنربح وننال المكأفاة{ فَجَاءَ الَّذِي أَخَذَ الْخَمْسَ وَزَنَاتٍ وَقَدَّمَ خَمْسَ وَزَنَاتٍ أُخَرَ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ خَمْسَ وَزَنَاتٍ سَلَّمْتَنِي. هُوَذَا خَمْسُ وَزَنَاتٍ أُخَرُ رَبِحْتُهَا فَوْقَهَا} (مت 25 : 20). أما الذي يأخذ الوزنات ولا يتاجر بها علي الأرض فيخسر السماء { فَخُذُوا مِنْهُ الْوَزْنَةَ وَأَعْطُوهَا لالَّذِي لَهُ الْعَشْرُ وَزَنَاتٍ} (مت 25 : 28). حياتنا الحالية على الأرض ثمينة وإيماننا العامل بالمحبة فيها هو المقياس للمكأفاة أو العقاب الأبدي وهي التي تعدنا للحياة مع المسيح في السماء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق