للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
+ من منا لا يلتمس ويطلب مراحم الله وغفرانه؟. لقد تغني الأنبياء برحمة الله وطلبوها فقال أرميا النبي { إِنَّهُ مِنْ إِحْسَانَاتِ الرَّبِّ أَنَّنَا لَمْ نَفْنَ لأَنَّ مَرَاحِمَهُ لاَ تَزُولُ}(مرا 3 : 22). وعندما أخطأ داود النبي أختار أن يسلم أمره لله ولا يقع فى يد أعدائه { فَقَالَ دَاوُدُ لِجَادٍ: قَدْ ضَاقَ بِيَ الأَمْرُ جِدّاً. دَعْنِي أَسْقُطْ فِي يَدِ الرَّبِّ لأَنَّ مَرَاحِمَهُ كَثِيرَةٌ, وَلاَ أَسْقُطُ فِي يَدِ إِنْسَانٍ} (1اخ 2 : 13) لان داود النبي كان يثق في رحمة الله {لأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ صَالِحٌ وَغَفُورٌ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ لِكُلِّ الدَّاعِينَ إِلَيْكَ} (مز 86 : 5) وهكذا رايناه يصف الله بالرحمة والرأفة وطول الروح { أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَإِلَهٌ رَحِيمٌ وَرَأُوفٌ طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَالْحَقِّ} (مز 86 : 15). ولقد جاء الينا السيد المسيح على الارض، ليعلن لنا رحمة الله الكاملة والتى تبحث عن الخطاة لتردهم وعن المقيدين لتحررهم وعن منكسرى القلوب لتشفيهم. أن مراحم الله جديدة علينا كل صباح سواء شعرنا بها وشكرناه عليها او نسينها. وهكذا راينا السيد المسيح يجول يصنع خيراً ويشفى كل مرض وكل ضعف فى الشعب ويهتم بالتعليم وأشباع الجموع الجائعة ولازال يعمل معنا فهو أمس واليوم والي الأبد، ومراحمة جديدة فى كل صباح.
+ الله الرحيم يطلب منا أن نكون رحماء ونتمثل ونقتدى برحمته { فَكُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضاً رَحِيمٌ} (لو 6 : 36). ولكي يرحمنا الله يجب علينا أن نصنع الحق ونحب الرحمة ونسلك بتواضع مع الله والناس { قَدْ أَخْبَرَكَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا هُوَ صَالِحٌ وَمَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ الرَّبُّ إِلاَّ أَنْ تَصْنَعَ الْحَقَّ وَتُحِبَّ الرَّحْمَةَ وَتَسْلُكَ مُتَوَاضِعاً مَعَ إِلَهِكَ} (مي 6 : 8). ويوصينا الكتاب أن نسلك بالرحمة وحق ونفتخر بهما كقلادة في العنق ومشاعر فى القلب وسلوك معاش{ لاَ تَدَعِ الرَّحْمَةَ وَالْحَقَّ يَتْرُكَانِكَ. تَقَلَّدْهُمَا عَلَى عُنُقِكَ. اكْتُبْهُمَا عَلَى لَوْحِ قَلْبِكَ} (ام 3 : 3). وقد طوب الله الرحماء لانهم يرحمون { طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ} (مت 5 : 7). وقد أعطانا الكتاب أمثلة لفعل الرحمة ونتائجها فى حياة المؤمن { هَا نَحْنُ نُطَّوِبُ الصَّابِرِينَ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ. لأَنَّ الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ }(يع 5 : 11). وراينا فى سير القديسين أحسانات الله للرحماء وعلمتنا الحياة أن ما يزرعه الإنسان أياه يحصد { لأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ بِلاَ رَحْمَةٍ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ رَحْمَةً، وَالرَّحْمَةُ تَفْتَخِرُ عَلَى الْحُكْمِ }(يع 2 : 13). ولاننا كثيرا ما نخطأ سواء بالقول أو الفكر أو الفعل فنحن نصلي في صلواتنا الكنسية واليومية ونطلب الرحمة باستمرار قائلين (يا رب ارحم). وعندما نتذكر يوم الدينونة الأبدية عندما يأتى المسيح فى مجيئه الثاني ليعطي كل واحد وواحدة كنحو أعمالهم نصرخ قائلين: (كرحمتك يا رب ولا كخطايانا).
+ القلب الرحيم هو قلب يمتلي بالشفقة والحنان لكل أحد، يحنو ويشفق على الساقطين والضعفاء ويلتمس الأعزار للمخطئين. الرحمة تطرد القساوة من القلب، وتجعل الإنسان مستحق لمراحم الرب الكثيرة والفائقة. لهذا علينا أن نغصب أنفسنا علي فعل الخير حتى نعتاده ومن ثم نجد فرحنا وسرورنا فى عمل الرحمة وتظهر ثمارها فى حياتنا. أن عمل الرحمة يفوق حد العطاء المادي ويجعل المؤمن يتسم بالرحمة في كل أفكاره ودوافعه وسلوكه. أعمال الرحمة تشتمل على كل ما نقدمة من خير ومد يد المساعدة للمحتاجين سواء بالعطاء المادى او المعنوي وعدم أدانة المخطئين والستر على خطايا الغير واعلان رحمة الله للخطاة والمنكسرين والمحزونين واحتضان الضالين واحتمال ظلم الاشرار بمحبة وصلاة من اجلهم فتجعلنا نشارك الآخرين حمل أثقالهم، وكأننا نحتل مكانهم، فنشعر بآلامهم وأتعابهم، كما فعل السيّد المسيح نفسه الذي رحمنا باقترابه إلينا وقبوله طبيعتنا وحمله آلامنا: { أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَاباً مَضْرُوباً مِنَ اللَّهِ وَمَذْلُولاً. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا.} (أش 4:53-6) ولهذا يوصينا الإنجيل قائلاً: { اُذْكُرُوا الْمُقَيَّدِينَ كَأَنَّكُمْ مُقَيَّدُونَ مَعَهُمْ، وَالْمُذَلِّينَ كَأَنَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً فِي الْجَسَدِ} (عب 13 : 3).
+ عمل الرحمة يمتد ليشمل الاقرباء والغرباء وكل أحد يحتاج منا لمد يد العون، فان الله الرحوم يريدنا ان نتعلم منه. ولقد مدح الرب السامرى الرحيم الذى صنع الرحمة مع الرجل اليهودي الذى كان يُعتبر عدواً له (لان اليهود كانوا لا يخالطوا السامريين )( لو25:10-36). فلنحمل بالمحبة أثقال بعضنا البعض ونسند إخوتنا فى ضيقاتهم بالمحبة والرحمة ليحملنا المسيح ويرحمنا. أننا نصلي ليفتح الله قلوبنا وعيوننا لنصنع رحمة مع الجميع ونجد رحمة منه على الأرض وفى السماء ويمحو أثامنا وذنوبنا { اِرْحَمْنِي يَا اللهُ حَسَبَ رَحْمَتِكَ. حَسَبَ كَثْرَةِ رَأْفَتِكَ امْحُ مَعَاصِيَّ} (مز 51 : 1). نصلي لنجد رحمة وحماية في الله العلي وقت الضيقات { اِرْحَمْنِي يَا اللهُ ارْحَمْنِي لأَنَّهُ بِكَ احْتَمَتْ نَفْسِي وَبِظِلِّ جَنَاحَيْكَ أَحْتَمِي إِلَى أَنْ تَعْبُرَ الْمَصَائِبُ }(مز 57 : 1). نصلى لنجد رحمة ودالة أمامه يوم الدينونة الرهيب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق