للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
+ من صفات الله الجميلة التي نراها في سفر يونان النبي أنه إله رحيم وطويل الاناة، {الرَّبُّ رَحِيمٌ وَرَأُوفٌ طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ} (مز 103 : 8). الله يصبر علي أهل نينوى قديما رغم شرورهم وعدم إيمانهم بالله ويرسل لهم يونان النبي ليدعوهم الي التوبة فى رسالة ظاهرها العقاب ولكن تحمل فى طياتها الرحمة والتحذير والمحبة { فَابْتَدَأَ يُونَانُ يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَاحِدٍ وَنَادَى: «بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً تَنْقَلِبُ نِينَوَى.}( يون 4:3). لقد بلغ الأمر الي أهل نينوى وأخذوه علي محمل الجد وتابوا وأمنوا بالله ورجعوا عن طرقهم الردئية فرحمهم الله { فَآمَنَ أَهْلُ نِينَوَى بِاللَّهِ وَنَادُوا بِصَوْمٍ وَلَبِسُوا مُسُوحاً مِنْ كَبِيرِهِمْ إِلَى صَغِيرِهِمْ. وَبَلَغَ الأَمْرُ مَلِكَ نِينَوَى فَقَامَ عَنْ كُرْسِيِّهِ وَخَلَعَ رِدَاءَهُ عَنْهُ وَتَغَطَّى بِمِسْحٍ وَجَلَسَ عَلَى الرَّمَادِ. وَنُودِيَ فِي نِينَوَى عَنْ أَمْرِ الْمَلِكِ وَعُظَمَائِهِ: «لاَ تَذُقِ النَّاسُ وَلاَ الْبَهَائِمُ وَلاَ الْبَقَرُ وَلاَ الْغَنَمُ شَيْئاً. لاَ تَرْعَ وَلاَ تَشْرَبْ مَاءً. وَلْيَتَغَطَّ بِمُسُوحٍ النَّاسُ وَالْبَهَائِمُ وَيَصْرُخُوا إِلَى اللَّهِ بِشِدَّةٍ وَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيئَةِ وَعَنِ الظُّلْمِ الَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ. لَعَلَّ اللَّهَ يَعُودُ وَيَنْدَمُ وَيَرْجِعُ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِهِ فَلاَ نَهْلِكَ». فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ أَنَّهُمْ رَجَعُوا عَنْ طَرِيقِهِمِ الرَّدِيئَةِ نَدِمَ اللَّهُ عَلَى الشَّرِّ الَّذِي تَكَلَّمَ أَنْ يَصْنَعَهُ بِهِمْ فَلَمْ يَصْنَعْهُ.} ( يون 5:3-10). هكذا نحن نرى احداث كثيرة تنذر وتحذر وتدعونا الي التوبة فهل نصوم ونصلي بالروح والحق ونتوب ونحيا حياة الإيمان العامل بالمحبة لننال رحمة ومغفرة من الله.
+ الله يريد خلاص جميع الناس { الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ} (1تي 2 : ). الله يسعى لخلاص الكل من كل الأمم والألسنة وأذا رجع الخاطي عن طرقة وآمن يرحمه الله. ومنذ القديم الله يكلمنا بانواع وطرق كثيرة ليحثنا علي التوبة والرجوع اليه. الله العظيم الأبدى ضابط الكل يستخدم الريح والبحر والحيوان والإنسان والطبيعة من أجل أداء دورها لتوبتنا وخلاصنا. وهو لا يصر على كلامه لهلاك الأشرار بل نقرأ { ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم فلم يصنعه} (يون 3: 10). يونان تضايق جدًا، "واغتاظ حتى الموت" لأنه قال كلمة ولم تنفذ. والله صاحب هذه الكلمة لم يتضايق مثل يونان، بل فرح بتوبة أهل نينوى وخلاصهم. يكفى أن نتوب ونرجع اليه ونعترف بخطايانا فيرفع الله غضبه عنا وينسي بعدنا ويسامحنا بل يقول لنا{ هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ يَقُولُ الرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ} (اش 1 : 18). فهل نتوب ونرجع ونكون مصدر فرح لنفوسنا وللسماء {أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ هَكَذَا يَكُونُ فَرَحٌ فِي السَّمَاءِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ بَارّاً لاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى تَوْبَةٍ»} (لو 15 : 7)
+ وكما كان الله رحوم باهل نينوى كان رحوم وطويل الأناة مع يونان النبي الذى رفض دعوة الله له ليذهب الي نينوى وقام وهرب في سفينة الى الغرب، أهاج عليه الريح والبحر فالقوه فى البحر وأعد له الله حوت ليبتلعه وينجيه من الغرق، ويجعله مثال لموت ودفن السيد المسيح وقيامته وآية لأهل نينوى ويعود ويرسله مرة أخرى!. فهل لم يوجد غير يونان النبي الهارب ليرسله الله لنينوى؟. نعم يوجد ولكن الله يريد يعلمنا أنه وحتى الأنبياء ليسوا من طبيعة أخرى غير طبيعتنا ، بل هم أشخاص "تحت الآلام مثلنا" (يع 5 : 17) لهم ضعفاتهم وعيوبهم وخطاياهم والله يصبر ويطيل أناته علي الكل. ورحمة الله ونعمة تعمل معهم ومعنا ليكون لنا رجاء فى محبة الله ورحمة الإلهية نحونا { تَرَاءَى لِي الرَّبُّ مِنْ بَعِيدٍ: وَمَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَدَمْتُ لَكِ الرَّحْمَةَ} (ار 31 : 3).أعد الله يقطينة تظلل علي يونان من حر الشمس ثم أمر الدودة ان تقطعها وتموت ويحزن عليها النبي ويتنازل الله ويتفاهم مع يونان النبي { فَقَالَ الرَّبُّ: «أَنْتَ شَفِقْتَ عَلَى الْيَقْطِينَةِ الَّتِي لَمْ تَتْعَبْ فِيهَا وَلاَ رَبَّيْتَهَا الَّتِي بِنْتَ لَيْلَةٍ كَانَتْ وَبِنْتَ لَيْلَةٍ هَلَكَتْ.أَفَلاَ أَشْفَقُ أَنَا عَلَى نِينَوَى الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنِ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ رَبْوَةً مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ يَمِينَهُمْ مِنْ شِمَالِهِمْ وَبَهَائِمُ كَثِيرَةٌ!»} (يون 10:4-11). الله لم يتخلي عن يونان النبي وهو لن يتخلي عنا بل يقدم لنا رحمته وعلينا أن نتجاوب مع رحمة الله { طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ} (مت 5 : 7). وعلينا أن نكون رحومين ولانغضب بسرعة من أحبائنا وننسى محبتهم القديمة وتضيق صدورنا متي صدر منهم أمر عكس أرادتنا بل نصبر ونكسبهم بالمحبة وطول الأناة كما يطيل الله أناته علينا ليقتادنا الي التوبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق