قلبك مسكن الله ...
يطالبنا الله أن نحبه من كل القلب " فمحبة الله من كل القلب ومن كل الفهم ومن كل النفس ومن كل القدرة ومحبة القريب كالنفس أفضل من جميع المحرقات والذبائح " مر 12 : 33 . ولهذا لامَ وعاتب الرب قديماً الشعب الذي يقترب منه بفمه ويكرمه بشفتيه وأما قلوبهم فبعيدة عنه أش 9 2 : 13 ويقول لكل واحد فينا " يا ابني أعطني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي " أم 23 : 26 . القلب هو مركز الإنسان الداخلي والذي منه تصدر العواطف والمعرفة العاقلة والقرارات وهو في العبرية {لب} " לב " أي جوهر وباطن الإنسان بما فيه من ذكريات وقرارات وفيه يتحاور الإنسان وينفتح على الله أو ينغلق دونه .ولمّا كان من العسير على الآخرين النفاذ إلى الإنسان الداخلي فان مظهر الإنسان الخارجي يدل على داخله . وأفعاله تشهد على ما في قلبه وما يقوله يحكم على ما في قلبه من تصورات وأفكار لأنه من فضلة القلب يتكلم اللسان .
لقد خلق الله الإنسان على صورته وكشبهه بقلب صالح ، ولما كان السقوط رأينا الإنسان يهرب من الحديث مع الله بل " ورأى الرب إن شرّ الإنسان قد كثر في الأرض وان تصور أفكار قلبه إنما هو شر كل يوم " تك 5 : 6 فانه بالخطية قد تدنس القلب وبالكبرياء قد فسد . وبإتباع الإنسان لأهوائه وشهوات قلبه زاغت وتقسّت قلوب الكثيرين فان الله بالناموس الطبيعي والضمير وبالأنبياء عمل على إيقاظ قلوب بني البشر ليرجعوا إلى الله فيجدونه وان يعطوا الله قلوبهم ويلاحظوا طرقه ووصاياه " ثم إن طلبت الرب إلهك تجده أذا التمسته بكل قلبك وبكل نفسك " تث 4 : 29 . بل ووعد أن يختن الرب إلهنا قلوبنا ، لكي نحبه من كل القلب والنفس فنحيا به وهذا ما أتمه الله في العهد الجديد بحلول الروح القدس على المؤمنين ، ليصير قلبهم مسكناً لروحه يقدسه له لنصير هياكل روح الله ويصير قلبنا مذبحاً مُكَّرساً للعبادة وبصلوات التقية والمحبة الصادقة وإذ يتنقى القلب يعاين الله ويعمل المسيح بالإيمان فيه .
قلوب مريضة...
هناك العديد من القلوب التي تعتبر مريضة وتحتاج إلى العلاج والإصلاح ، فالقلوب القاسية هي قلوب حجرية لا ترقُّ لضعف ، ولا ترحم أحداً ، هذه القلوب الشريرة التي يخرج منها الشر " لأن من القلب تخرج أفكار شريرة ، قتل ، زنى ، فسق ، سرقة ، شهادة زور ، تجديف .... " مت 15 : 19 هذه التي تنجس الأنسان " القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس من يعرفه "أر 7 1 :9 إن الله يعرف هذه القلوب وهو قادر إن يغيرها ويحوّلها لقلوب طاهرة إن تقدمت إليه بالتوبة.
- لقد وهب الله سليمان قلباً حكيماً ومميزاً حتى انه لم يكن مثله من قبل ولا يقوم بعده نظيره" 1مل 3 : 12 ، وأعطاه حكمة وفهماً كثيراً ورحابة قلب كالرمل الذي على شاطئ البحر أمل 4 : 29 هذا القلب الحكيم عندما أستسلم لحياة اللذة والترف " كان في زمان شيخوخته إن نساءه أملن قلبه وراء ألهه أخرى ولم يكن قلبه كاملاً مع الرب كقلب داود أبيه " 1مل 4 :11.
- هكذا خدعت دليلة شمشون الجبار وأسلمته لأعدائه بقولها له " كيف تقول احبك وقلبك ليس معي وهوذا ثلاث مرات قد خذلتني ولم تخبرني بماذا قوتك العظيمة " قض 15 : 16 فلما باح لها بسرّ قوته سلمته لأعدائه ليعاملونه كالحيوان يطحن لهم .لهذا جاء المسيح له المجد يحررنا من الشهوة قائلاً " من نظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه " مت 5 : 28 .
- يحذرنا الله من محبة العالم وشهواته وخطاياه والسير فيها " لا تتبع هواك ولا قوتك لتسير في شهوات قلبك " سير 2 : 5 وكذالك يحذرنا من محبة المال الذي هو أصل كل الشرور، لان الطمع يفسد القلب، ويظلم البصيرة الداخلية . " فانظروا أيها الإخوة أن لا يكون في أحدكم قلب شرير بعدم إيمان في الارتداد عن محبة الله الحيّ " عب 3 : 12 ولا تعرجوا بين الفرقتين فالقلب المنقسم لا ينجح ولا ينال شيئًا صالحًا .
كيف أقتني قلباً صالحاً ؟
- إن الخطية والشيطان يلوثان القلب بالشرور ، فبدلاً من أن يكون مصدر الصلاح والخير يصير مدنسا ونجساً . فاعمل جاهداً على الصراخ إلى الله بتواضع ودموع لحراسة قلبك وتنقيته لكي يصير مسكناً لله ومذبحاً للصلاة . ولكي يتنقّى القلب الصالح فجاهد متضرعاً لله ان يعمل فيك ولتسندك نعمته الغزيرة .
- لنحيا بتواضع القلب ...نسلك ونحيا متواضعين ونداوم علي الصلاة إلى الله ، والرجوع إليه وبتجديد الإنسان الداخلي بالدموع " تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتعرفوا إرادة الله الكاملة الصالحة المرضية " وإذ نعرف إرادة الله نُصمِّم على تنفيذها باتضاع قلب ووداعة .
- الإيمان العامل بالمحبة ... إن إيماننا بالتجسّد الإلهي . وبان الله جاء وإعطانا البصيرة الروحية يحررنا من الخطية واثقين في قدرة الله وفي فدائه الثمين وحبه " هذه هي المحبة ليس إننا نحن أحببنا الله بل انه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا " ( 1 يو 4 : 10 ) فإننا نحبه ونعمل وصاياه "غاية الوصية هي المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وإيمان بلا رياء ".
بالتجسد الإلهي امتلك ربنا يسوع المسيح قلباً مثلنا لكنه كان طاهراً بلا خطية يمتلئ بالحنان نحو البشر . بهذا القلب الحنون ا لمحبّ أشفق على المرضى والمحتاجين والخطاة وداوى كل إمراضنا ودفع ديون خطايانا ساتراً على ضعف الضعفاء ، وحالاً للمقيدين وشافياً للمتسلط عليهم إبليس . وهو لا زال يعمل ويريد إن يعمل معك ، فان أمنت فكل شيء مستطاع للمؤمن.
- نعمة الروح القدس تطهر القلب ... يصرخ المرنم طالباً من الله" قلباً نقياً اخلق في يا الله وروحاً مستقيماً جدّده في أحشائي ، لا تطرحني من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه مني" . إن القلب المنكسر والمنسحق لا يرذله الله إن المعمودية هي ولادة جديدة للإنسان من الماء والروح تطهر القلب وتعطينا غفراناً لخطايانا الأصلية والتي اقترفناها قبل العماد وبالميرون المقدس نصير هياكل للروح القدس الوديع الذي يحرق خطايانا ويقودنا في حياة الفضيلة والبرّ، لتظهر ثمار الروح القدس في حياتنا . والتوبة والاعتراف تغفران الخطايا التي نقترفها بالجهل والضعف والنسيان . وكلما جاهدت مدققاً في حياتك الروحية يصير قلبك مسكنًا يستريح في الله ، ومذبحاً ترتفع منه الصلوات النقيّة، فاحرص على عبادة الله ومحبته من كل القلب ليضرم الله نعمة روحه القدوس داخلك مطهراً القلب جاعلاً إياه مسكناً له .
- أثبت في الربّ : إن كلمة الرب تنقّي الإنسان وتقدسه وكلما حرصت على قراءتها في صلاة وتأمل وتواضع كان لها الفعالية في نموك وتقديسك " لان كلمة الله حيّة وفعّالة وأمضى من كل سيف ذي حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والنخاع ومميزة لأفكار القلب ونياته " عب 4 : 12 . " فشكراً لله إنكم كنتم عبيداً للخطية ولكن أطعتم من القلب صورة التعليم التي تسلمتموها " رو 6 : 12. فاحرص على القراءة فإنها تحررك من النجاسة وتعطيك مادة مقدسة للصلاة والتأمل ، ولاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذالك لأنك إن فعلت هذا تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضا . نعم ان سر قوتنا هي كلمة الله التي تغلب الشرير " خبأت كلامك في قلبي كي لا اخطأ إليك " مز 115 : 119 فأحفظ كلمة الله في قلب جيد صالح ، وأثمر بالصبر ثمارًا تليق بأبناء الله .
- تناول من الأسرار المقدسة باستمرار وباتضاع قلب طالباً من الرب أن يهبك حياة العفة والقداسة والنمو في الإيمان ، فان جسد ودم المسيح يسوع المُقدّسين قوة للثبات في الرب ، وغفران الخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه بانسحاق قلب ومداومة على الصلاة ، فإنها الصلة التي تربطك بالله القادر على أن يقودك في موكب نصرته . واطلب الرب باستقامة قلب فيعطيك سؤال قلبك.
صلاة القلب
- في مجال النمو الروحي والصلاة الدائمة يوصي الرب إن نصلي كل حين ولا نمل وتقول عروس النشيد للرب : " نائمة أنا أما قلبي فمستيقظ" فكيف تجعل من قلبك مضخة للصلاة تضخ للسماء تسبيحًا وطلبات واتصالات وتوسلات من اجل خلاص العالم ، ومن اجل الخطاة ، ومن اجل كل من هم في حاجة ، وكيف تقتني لك قلبًا شفوقًا ويحل فيه ملكوت الله .
- أن ذلك يأتي بالصلاة الدائمة عبر هدوء حواسك وأفكارك ومناجاة الاسم الحلو الذي لربنا يسوع المسيح أثناء الشهيق والزفير " يا رب يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ " أو غيرها من الصلوات السهمية القصيرة " يا الله التفت إلي معونتي يا رب أسرع وأعنِّي " أو كما علّم القديس أنبا انطونيوس تلاميذه " يا رب يسوع ارحمني ، يا رب يسوع اعني ،أنا أسبحك يا رب يسوع " قلها في هدوء وتعود عليها طالباً من الرب أن يلهب قلبك بروحه القدوس كما قال تلميذا عمواس " فقالا لبعضهما البعض الم يكن قلبنا ملتهباً فينا إذ كان يكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب " لو 24 : 32 . في عملك ردّد صلاتك كعمل داخلي للقلب لا يملكه إلا الله ، وتلذذ باسمه الحسن ، فيعطيك سؤال قلبك ولن تستطيع من نار حبه السكوت كما جاء في ارميا النبي " فقلت لا اذكره ولا انطقه بعد باسمه فكان في قلبي كنار محرقة محصورة في عظامي فمللت من الإمساك ولم استطيع " أر 9 : 20 .احمل نير المسيح عليك وتعلّم منه لأنه وديع ومتواضع القلب فتجد راحة لنفسك ، واصرخ طالباً منه أن يهبك نقاوة القلب ، لكي تقدر أن تعاينه داخلك ، ويُحرِّك قلبك بالرحمة نحو كل الخليقة العاقلة وغير العاقلة وترفع صلواتك من اجل الجميع .
- احترس على تنقية قلبك من كل خطية حتى لو كانت الثعالب الصغيرة ، فإنها تفسد الكروم والثمار المتولدة من الصلاة والصلاح . نقِ قلبك من الغضب والذم والكراهية والرياء والإدانة فان هذه الخطايا تمنع نعمة الله من الجريان داخل قلبك.
- أبعد عن الكلام البطّال والخداع ولا تطلب مديحاً من الآخرين وإلا تكون قد استوفيت أجرك . لا تجعل قلبك يتعلق بما هو ارضي بل ليكون كنزك في السماء لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضا . اطرد من داخلك كل محبة غريبة طالباً محبة الله من كل القلب والنفس والفكر والقدرة فتحل نعمة الله عليك .
- قدِّم تواضعاً وإتعاب الجسد بالصوم والصلاة وخدمة الآخرين " لا بخدمة العين كمن يرضي الناس بل كعبيد للمسيح عاملين مشيئة الله من القلب " أفس 6 : 6 .ضع الأبدية في قلبك ، واعلم انك غريب علي الأرض ووطنك الحقيقي هو السماء التي انت سفيراُ لها" فالله وضع الكل حسناً في وقته وأيضا جعل الأبدية في قلوبهم التي بلاها لا يدرك الإنسان العمل الذي يعمله من البداية إلى النهاية " جا 3 : 11 فاعرف إن لمحبتك لله ولأتعابك على الأرض مكافأة على الأرض بها تسعد وتسر للحياة في كنف الأب السماوي المحب وفي النهاية حياة أبدية .
أمتلك قلبي يا رب ......
ارحمني يا الله كعظيم رحمتك وامحُ إثمي بنعمتك، لأنك رءوف رحيم ادعوك ، ولأنك تحبني وفديتني أهبك حياتي . قلباً نقياً اخلق في يا الله ،وروحًا مستقيمًا جدّد في أحشائي، لا تطرحني من قدام وجهك ، وروحك القدوس لا تنزعه مني.
اسمع صلاتي يا سيدي ، والى صراخي أمل أذنيك ، لأنك وحدك الهي وغايتى ،
لك وحدك أعطي قلبي، فأرسل لي نعمة روحك القدوس ، لتشبع جوع نفسى ، ليحل ملكوتك داخلى ، فأحيا معك في فرح ومحبة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق