4- الكرازة في أثينا...
+ ذهب القديس بولس مع
بعض الأخوة الي أثينا وربما كان أول كارز أو خادم مسيحي يفتقد أثينا. وتتسم أثينا
بأنها أشهر مدينة في اليونان، وتتميز بقدراتها العسكرية والفلسفية واللغوية مع أدب
سكانها. أنشأها كسربس Cecropsعام 1556 ق.م. بُنيت أولاً على صخرة في وسط سهلٍ متسعٍ،
لكن مع الزمن تغطى السهل كله بالمباني، نشأ فيها كثير من مشاهير المحاربين
والشعراء ورجال الدولة والفلاسفة، سواء ولدوا أو تربوا فيها. حرقها الفارسيون
مرتين، ودمرها فيليب الثاني كما دمرها بعد ذلك سيلا Sylla؛ وسلبها طيباريوسTiberius . وخربها الغوصيون في أيام حكم كلوديوس، وتعرضت
للكثير من الحروب ولكن الذي يزور أثينا يُبهر من عظمتها وينشغل بعلمها ومعرفتها
واشتياق المقيمين فيها نحو الحوار لسماع كل يوم شيء جديد. أما القديس بولس فإذ دخل
المدينة لأول مرة، وهو دارس للفلسفة كان ما يشغل فكره هو خلاص كل نفس وتمتعها
بالحياة المقدسة في الرب. كان يجول فيها، فيرى ما لا يسر نفسه، فقد امتلأت المدينة
أصنام وهياكل أوثان. قيل أن الأصنام التى كانت في أثينا أكثر من كل الأصنام
الموجودة في بقية مدن اليونان معًا. فمع انتشار الثقافة الفكرية كانت الوثنية
مزدهرة للغاية. وكما يقول الرسول بولس أن العالم بالحكمة لم يعرف الله (1 كو 1:
21).احتدت نفس بولس فيه لما رأى مدى انهماك الاثينيين في العبادة الوثنية. كان قلب
بولس ملتهب بسبب دمارهم روحيًا، وفقدانهم المجد الداخلي، بسبب جهلهم وعدم معرفتهم
لله الحقيقي. لم تشغله فخامة المعابد وجمالها، إنما ما شغله الظلمة التى غطت قلوب
المتعبدين فيها، فاحتدت نفسه بالغيرة على مجد الله { فكان يكلّم في المجمع اليهود
المتعبّدين، والذين يصادفونه في السوق كل يوم} (17:17). كان يذهب إلى السوق الخاص
بالحوار العام، حيث كان كثير من الفلاسفة يجتمعون للدخول في مناقشات عامة، فكان
يتحدث مع من يلتقي بهم عن بشارة الخلاص { فقابله قوم من الفلاسفة الأبيكوريين
والرواقيّين، وقال بعض منهم : ترى ماذا يريد هذا المِهذار أن يقول؟ وبعض قالوا أنه
يظهر مناديًا بآلهة غريبة، لأنه كان يبشّرهم بيسوع والقيامة} (أع 18:17). والابيقوريون يجدوا السعادة أو الفضيلة في
انغماسهم في الشهوات والملذات الجسدية بلا ضابط؛ الأمر الذي يطالبنا السيد المسيح
أن نجحده. يمكن تلخيص كل مبادئهم في العبارة التالية: "عش بدون إله، وانغمس
في الملذات كصلاحٍ عظيمٍ لك". أما الرواقيون نسبه الي زينون الذى أقام مدرسة
يعلم فيها الفلسفة فى أثينا فكان يؤمن بأن الله خلق العالم، وأن كل الأمور تسير
حسب القدر، حتى الله نفسه تحت سلطة القدر. وأن العالم نفسه هو كيان نفسي عاقل،
أوجد كل شيء بنفسه ويجريها لتنتهي والروح والنفس عندهم مادة تحترق بالموت لتعود،
ويمتصها الله في نفسه، لذلك فالقيامة التي بشر بها بولس الرسول بالنسبة لهم منافية
للعقل. ولم يكن ممكنًا للفريقين مع تعارضهما أن يقبلا كرازة الرسول بولس خاصة من
جهة العفة والطهارة أو من جهة التواضع أمام الله وعمل النعمة الإلهية في حياة
المؤمن. تطلعوا إليه باستخفاف كرجلٍ غريبٍ جاء من اليهودية يحمل أفكارا لا يقبلها
العقل.
+ خطاب بولس الرسول في الأريوس باغوس... أخذوا
القديس بولس الي الأريوس باغوس إلى المجلس الذي كان في العصور القديمة
يجتمع في تل مارس ولم يكن هذا المجلس مجرد محكمة للقضاء، بل يضم مجموعة من الناس
تشرف على الأمور الدينية والتعليمية. ظهر أمامه القديس بولس ليعطي حسابًا عن
فلسفته، حتى يقرروا إن كان يسمح له بالتعليم في أثينا أم لا إنه أشبه بدار البلدية
للمدينة، فيه يمارس الحكام الأعمال العامة. وهو أشبه بمسرح في جامعة، حيث يجتمع
المتعلمون ويتناقشون في الأمور. هو دار العدالة له شهرته، يلجأ إليها الكثيرون من
مناطق كثيرة، إن أنكر أحد الآلهة أو أضاف إله جديد دون تصديق منهم يتعرض لنقد هذه
المحكمة لقد أُستدعوا بولس لامتحانه، لا كمجرم، وإنما كمن هو مرشح لمنصب معين. لم
يُقدم ضده أي إتهام، ولا جاءوا بشهود ضده، ولم تتشكل له محكمة. قدموه لفحصه لأنه
يتحدث عن أمورٍ لم يعتادوا سماعها من قبل من فلاسفتهم، فجاءوا به ليعرفواما عسى
هذا الذي يتحدث عنه بخصوص يسوع والقيامة { فَوَقَفَ بُولُسُ فِي وَسَطِ أَرِيُوسَ
بَاغُوسَ وَقَالَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الأَثِينِيُّونَ أَرَاكُمْ مِنْ كُلِّ
وَجْهٍ كَأَنَّكُمْ مُتَدَيِّنُونَ كَثِيراً.لأَنَّنِي بَيْنَمَا كُنْتُ أَجْتَازُ
وَأَنْظُرُ إِلَى مَعْبُودَاتِكُمْ وَجَدْتُ أَيْضاً مَذْبَحاً مَكْتُوباًعَلَيْهِ:
«لإِلَهٍ مَجْهُولٍ». فَالَّذِي تَتَّقُونَهُ وَأَنْتُمْ تَجْهَلُونَهُ هَذَا
أَنَا أُنَادِي لَكُمْ بِهِ. الإِلَهُ الَّذِي خَلَقَ الْعَالَمَ وَكُلَّ مَا
فِيهِ هَذَا إِذْ هُوَ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ
مَصْنُوعَةٍ بِالأَيَادِي. وَلاَ يُخْدَمُ بِأَيَادِي النَّاسِ كَأَنَّهُ
مُحْتَاجٌ إِلَى شَيْءٍ إِذْ هُوَ يُعْطِي الْجَمِيعَ حَيَاةً وَنَفْساً وَكُلَّ
شَيْءٍ. وَصَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْكُنُونَ
عَلَى كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ وَحَتَمَ بِالأَوْقَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ
مَسْكَنِهِمْ. لِكَيْ يَطْلُبُوا اللهَ لَعَلَّهُمْ يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَجِدُوهُ
مَعَ أَنَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا لَيْسَ بَعِيداً.لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا
وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ. كَمَا قَالَ بَعْضُ شُعَرَائِكُمْ أَيْضاً: لأَنَّنَا
أَيْضاً ذُرِّيَّتُهُ. فَإِذْ نَحْنُ ذُرِّيَّةُ اللهِ لاَ يَنْبَغِي أَنْ نَظُنَّ
أَنَّ اللاَّهُوتَ شَبِيهٌ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَجَرٍ نَقْشِ صِنَاعَةِ
وَاخْتِرَاعِ إِنْسَانٍ. فَاللَّهُ الآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ
مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا مُتَغَاضِياً عَنْ أَزْمِنَةِ الْجَهْلِ. لأَنَّهُ أَقَامَ
يَوْماً هُوَ فِيهِ مُزْمِعٌ أَنْ يَدِينَ الْمَسْكُونَةَ بِالْعَدْلِ بِرَجُلٍ
قَدْ عَيَّنَهُ مُقَدِّماً لِلْجَمِيعِ إِيمَاناً إِذْ أَقَامَهُ مِنَ
الأَمْوَاتِ». وَلَمَّا سَمِعُوا بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ كَانَ الْبَعْضُ
يَسْتَهْزِئُونَ وَالْبَعْضُ يَقُولُونَ: «سَنَسْمَعُ مِنْكَ عَنْ هَذَا
أَيْضاً!».وَهَكَذَا خَرَجَ بُولُسُ مِنْ وَسَطِهِمْ.} (أع 22:17-33) هنا نسمع عظة
يقدمها الرسول بولس في أثينا تختلف تمامًا عما يقدمه الرسول لليهود فالعظة مقدمة
لوثنيين وليس لأناس لديهم معرفة بالله الحقيقي. فهم في حاجة إلى من يعَّرفهم عن
عناية الله الخالق للتعبد له. تحدث الرسول بهدوءٍ ووقارٍ، يعلن الحق دون أن يجرح
مشاعرهم. ينكر العبادة الوثنية لكنه يبدأ بإبراز ما هو حق في رجال أثينا. وهكذا
وضع الأساس للإيمان. واستشهد بنماذج من الشعر الوارد بكتاب الظواهر للشاعر أراتوس
وهو يوافق على ما قال به اليونانيّون ويتّفق معهم، ويربط بين ذلك القول وبين الإله
غير الظاهر، غير المعروف، اللَّه الخالق، ذاك الذي كان اليونان القُدامى يعبدونه،
ولكن بأسلوبٍ غير مباشر، ذاك الذي كان يلزم أن ندركه ونعرفه معرفة إيجابيّة حقّة.
وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أن الأثينيين كانوا يحاولون أن يضموا إليهم كل
الآلهة في البلاد الأخرى، وإذ خشوا لئلا يكونوا قد نسوا أحد الآلهة أقاموا مذبحًا
للإله المجهول. من هنا دخل الرسول بولس إليهم بأن هذا الإله المجهول هو السيد
المسيح إله الكل.
+ يليق بنا ان نسجل حكمة الرسول بولس في
الرب، فإنه لم يعتد أن يبدأ أحاديثه أو رسائله بنقد مستمعيه أو قارئيه، بل يبرز
فيهم ما هو حق كي يسحب قلوبهم وأفكارهم لكلمة النقد البناء. فهو يعلم أن الحب
واللطف أكثر فاعلية من النقد والهدم، على أن يكون الحب مرتبطًا بالحق مع الحزم في
الوقت المناسب. وبعد أن أكد لهم أنه لا يقدم لهم معرفة عن إله جديد، بل إله هم
يعبدونه ولا يعرفونه بدأ يكشف عن سمات هذا الإله بأنه خالق السماء والأرض، فلا
يسكن في هياكل مصنوعة بأيدٍ بشرية، وهو مصدر الحياة وقد خلق كل البشرية عن مصدرٍ واحدٍ؛ مهما اختلفت
ملامحهم أو لغاتهم أو عاداتهم، لكن يوجد أب واحد وأم واحدة لكل البشر (تك1؛ 2:
10). فالبشر جميعًا متساوون، ولا يليق باليونانيين خاصة الأثينيين أن يفتخروا على غيرهم
بسبب ثقافتهم الهيلينية وظهور فلاسفة كثيرين من بينهم؛ بل يليق بهم أن يتطلعوا إلى
البشر كأسرةٍ واحدةٍ. والتباين بين البشر تحقق بسماح إلهي، محددًا الأوقات لازدهار
أمة وسقوط أخرى. ومع اختلاف الأمم من جهة اللغات والطباع والعادات ومواقع السكن،
فإن الكل يشتركون في اعتمادهم على الله خالقهم ومدبر أمورهم، لهذا يليق بهم أن
يعتمدوا على الله، وأن يشعروا بروح الأخوة والمساواة. بهذا فإن عبادة الأوثان
وتعدد الآلهة نوع من الغباوة وأما أين هو الله، فهو ليس ببعيدٍ عن كل أحد، إذ
نطلبه نجده في داخلنا قريب إلينا أقرب من التماثيل التي أمامنا. هو حاضر في كل
مكان، يملأ السماء والأرض بحضوره الإلهي لأننا
به نحيا ونتحرك ونوجد فهو مصدر الحياة والمعين والمدبر لكل حياتنا. لقد هاجم
الرسول بولس العبادة الوثنية ليس بعبارات صادرة من الكتاب المقدس، وإنما بأقوال
الشعراء اليونانيين أنفسهم. فهو يكلمهم باللغة التي يفهمونها. فالإنسان بكونه من
ذرية الله حسب قول شعرائهم أعظم من كل تمثالٍ خشبيٍ أو حجريٍ، أو فضيٍ أو ذهبيٍ،
فكم بالأكثر يكون الله مصدر الحكمة والتعقل. إن كانت التماثيل تصنع من ذهب وفضة،
وهي أقل من الإنسان، لأنها عمل يديه، فحتما لن يكون جوهر الله من ذهب أو فضة. ثم ينادي
الرسول بالتوبة عما ارتكبه البشر في أزمنة الجهل، أي ما قبل تعرفهم على الإنجيل ويوجه
أنظارهم إلى الإيمان بالدينونة، وإلى الديان ابن الإنسان الذي أقامه الآب من
الأموات، لنقوم فيه ونتمتع بشركة مجده. فإن كان الكلمة الإلهي قد تجسد لأجلنا لكي
يحملنا فيه إلى مجده السماوي، لهذا فإن شخصيته ليست موضوع مباحثات، بل موضوع لقاء
معه، فنكتشف لاهوته خلال التصاقنا به والتمتع بالشركة معه. لقد سخر الفلاسفة اليونانيون بالاعتقاد بالقيامة
من الأموات، خاصة الأبيقوريون الذين يرفضون تمامًا الحياة العتيدة. أما الرواقيون
فهم في الغالب الذين طلبوا أن يسمعوا منه عن ذلك. لقد أنتهي الرسول من عظته اللاهوتية في وسط
الفلاسفة وهم في شوق لسماع ما هو جديد عليهم، ليكون مادة جدل. لكنهم سرعان ما أدرك
الطرفين أنه يحمل فكرًا يناقض المدرستين، فقد اصطدم بكبرياء الرواقيين وعدم إيمان
الأبيقوريين بالقيامة من الأموات للنفس أو الجسد. وكان الحصاد قليلاً بالنسبة
للثمار في البلاد الأخرى، لكن تعب بولس الرسول لم يضع باطلاً. لقد كسب الرسول
الفيلسوف ديوناسيوس الأريوباغي، وامرأة ذات شأن فلسفي وتعليمي، تدعى دامرس، ومعهما
آخرين كاباكوره الإيمان بالمسيح في أثينا.
5- الكرازة في كورنثوس
+ بعد هذا مضى بولس من أثينا، وجاء إلى
كورنثوس (أع 1:18) وكانت كورنثوس المدينة الرئيسية في أخائية، تتسم بالغنى
والفخامة، وهناك كتاب رسالته الأولى إلى أهل تسالونيكي حيث لا يوجد بين أعضاء
الكنيسة كثيرون من أصل يهودي، لهذا جاءت الرسالة لا تحمل طابع الدفاع والمحاجاة،
وإنما الكشف عن شخصية السيد المسيح ومجيئه الثاني، كما عن الفداء بآلام المسيح، وكشف
القديس بولس عن أبوته الحانية وتعلقه بهم. فقد كان لشعب تسالونيكي مكانة خاصة في
قلب الرسول. كتب بهذا الأسلوب الرقيق وسط آلام ومعاناة ومقاومة اليهود له. وفى كورنثوس وجد رجلاً يهوديًا مولودًا في بنطس يدعى أكيلا، جاء مع زوجته
بريسكلا من روما حيث أصدر كلوديوس أمرًا أن يترك كل اليهود روما. أشير لي في مواضع
أخرى كصديقين للقديس بولس (رؤ 16: 3؛ 2 تي 4: 19؛ 1 كو 16: 9). كان يهوديًا بالميلاد
وقد قبل الإيمان المسيحى وكانا يعملان بصناعة الخيام وأقام بولس عندهما ليعمل معهم
وينفق علي نفسه والخدمة وكما يقول د. لايتفوت أن اليهود كانوا يعلمون أولادهم مهنة
يعيشون منها عند الضرورة، مهما بلغ تعليمهم أو مركزهم الاجتماعي. ويقول الربي
يهوذا: "من لا يُعلم ابنه حرفة يكون كمن علمه أن يكون لصًا". وقال آخر:
"من لديه حرفة معينة يشبه كرمة محصنة بسور". لم يكن يحتقر اليهود أية
حرفة شريفة يعيش منها الإنسان. فشاول الطرسوسي مع كونه فريسيًا وتعلم عند قدمي
غمالائيل تعلم منذ صباه حرفة صناعة الخيام، وصار يمارسها عند الضرورة. إنها صورة رائعة للخادم عفيف النفس، الذي لا
يطلب ما لنفسه، بل ما هو للآخرين، متنازلاً عن حقوقه أن يأكل من الإنجيل حتى لا
يُعثر أحدًا. وقد أوضح الرسول فلسفته هذه وحكمته العجيبة { فإننا أيضًا حينَ
كُنَّا عندكم أوصيناكم بهذا أنه إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضًا} (2
تس 10:3). كان يعمل طوال الأسبوع ربما ماعدا السبت والأحد، فيكرس السبت للعبادة مع
اليهود في المجمع لكي يتحدث عن بشارة الإنجيل، والأحد للعبادة مع أكيلا وبريسكلا، والمسيحيين
معهم يشاركونهم العبادة وكانت له لقاءات فردية مع بعضهم أثناء الأسبوع. وقد وصل اليه سيلا وتيموثاوس حضرا من مكدونية
ليصحباه مرة أخرى، إذ لم يكن ممكنًا أن يذهب هو إلى مكدونية، فوجداه منحصرًا
بالروح، منشغلاً بالكرازة بالمسيح يسوع، بكونه المسيا الذي وعد الله به الآباء
وكانوا يترقبون مجيئه. ثم بعث من كورنثوس رسالته الثانية إلى أهل
تسالونيكي إذ قام البعض بتأويل ما كتبه الرسول عن مجيء السيد المسيح الأخير.
+ وكالعادة في بلاد كثيرة كان اليهود يقاومون
الكلمة، فاعلن الرسول بولس أنه بريء من دمهم وينطلق لخدمة الأمم والكرازة بينهم. فانتقل
من هناك وجاء إلى بيت رجل اسمه يوستس رجل أممي تقي ، كان متعبدًا للَّه، وكان بيته
ملاصقًا للمجمع وانضم اليه كريسبس رئيس المجمع الذي آمن بالرب، مع جميع بيته، وكثيرون
من الكورنثيين إذ سمعوا آمنوا واعتمدوا وهنا كلم الرب القديس بولس قائلاً { «لاَ
تَخَفْ بَلْ تَكَلَّمْ وَلاَ تَسْكُتْ.لأَنِّي أَنَا مَعَكَ وَلاَ يَقَعُ بِكَ
أَحَدٌ لِيُؤْذِيَكَ لأَنَّ لِي شَعْباً كَثِيراً فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ». فَأَقَامَ
سَنَةً وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ يُعَلِّمُ بَيْنَهُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ.} ( اع
9:18-11). لقد سمع الصوت الإلهي يؤكد له: "لا تخف". لا يخف من ثورة
اليهود ومقاومتهم وتجاديفهم، خاصة بعد أن إيمان كريسبس رئيس المجمع قد آثارهم. ولا
يخف من الأممين حيث اتسموا بالغنى والتجارة مع عدم المبالاة بالحياة السلوكية.
لهذا يشير إليهم في رسالته الأولى أنه كان بينهم في ضعف وخوف ورعدة (1 كو 2: 3).
أراد الرب أن يؤكد له حضرته الإلهية معه، فلا يخشى الأغنياء والمتعلمين والعظماء.
يسأله ألا يسكت، فإن ربنا نفسه يتكلم على لسانه، وروحه القدوس يعمل في أذان وقلوب
سامعيه. لقد أكد ربنا يسوع معيته "أنا معك"، فلا يليق به أن يخاف أو
يضطرب، ولا أن ييأس. لم يعده بأنه لا يتعرض له أحد، إنما لا يقدر أحد يؤذيه. ليفعل
الأشرار المقاومون ما يريدون، لكن لن تصيب الرسول أذية، ولن تتوقف خدمته، إذ هي
خدمة السيد المسيح الذي يطلب له شعبًا كثير فى المدينة ليؤمن به. اهتم الرب بنفسه
بكورنثوس لأنها مُلتقى ثلاثة مراكز رئيسية في ذلك الحين: روما والإسكندرية وأفسس،
فانتشار الكرازة فيها حتمًا يكون له أثره على القادمين من هذه البلاد، خاصة وان
أكبر عدد من اليهود قد تجمع في كورنثوس بعد طردهم من روما بأمر كلوديوس (أع 8:
2-3).
+ قام اليهود بنفس واحدة على بولس، وأتوا ببولس إلى كرسي الولاية. قائلين أن بولس يستميل الناس أن يعبدوا اللَّه بخلاف
القانون الروماني، فهم كيهود يتعبدون بدين شرعي يعترف به القانون وإذ كان بولس
مزمعًا أن يفتح فاه، قال غاليون لليهود: لو كان ظلمًا أو خبثا رديًا أيها اليهود
لكنت بالحق قد احتملتكم لقد جاء اليهود معًا بيدٍ واحدةٍ يقدمون بولس كمفسدٍ
لشريعتهم، دون أن يعطوا الوالي الجديد الفرصة لدراسة الموقف وتقديم بولس للمحاكمة.
لم يستطيعوا أن يقدموا دليلاً على أنه عاق إنسانًا عن عبادة الله أو الآلهة، لكن
في نظرهم أنه طالب بالعبادة بطريقة مخالفة للناموس الموسوي. لقد أعطي الرومان
كمال الحرية لليهود أن يتعبدوا لله حسب شريعتهم، لكن هل يحسبون ذلك جريمة إن عبد
أحد الله بغير طريقتهم؟ هل يلزمون الناس قهرًا بعبادة الله حسب طقوسهم وعاداتهم؟
هذا ما لم يكن ممكنًا للوالي أن يقبله أو حتى يناقشه مع اليهود. ولم غاليون لم
يقبل القضية من أولها، واعتبر الإجراءات التي استخدمها اليهود، مهما كان عددهم،
باطلة، بجانب أن موضوع القضية باطل.أدرك غاليون الوالي أن الرسول بولس لم يرتكب
أية جريمة يعاقب عليها القانون، وفي ذهنه أن ما ينادي به الرسول هو شكل جديد
لتفسير الشريعة اليهودية، مشكلته تمثل خلافات دينية داخلية بين اليهود لا يود أن
يشغل ذهنه بها. فالمشكلة في ذهن الوالي لا تتعدى اختلاف في الرأي بخصوص كلمات،
ربما يقصد تفسير كل منهما للنبوات بطريقة مغايرة، وأيضا بخصوص أسماء، إذ لم يقبل
اليهود يسوع أن يدعى المسيا كما ينادى الرسول بولس، وأيضا بخصوص شرائع الناموس مثل
طقوس التطهيرات والختان ولا يود أن يكون حكَمًا في هذه الأمور، فإنها ليست من
اختصاصه، ولا في دائرة عمله كوالٍ روماني.{ فطردهم من الكرسي} (أع 16:18). فأخذ
جميع اليونانيين سوستانيس رئيس المجمع، وضربوه قدّام الكرسي، ولم يهم غاليون شيء
من ذلك.لقد جاء سوستانيس رئيس المجمع اليهودي كقائدً للشعب الثائر ضد القديس بولس،
فقد قام اليونانيون الذين هم يهود دخلاء بضرب هذا الرئيس لأنه إذ سمع ما قاله
الوالي انسحب للحال، فحسبوا هذا خزلان لهم وإهانة لموقفهم. ولم يتدخل الوالي
بالرغم من اعتداء الجماهير على سوستانيس، ربما لأنه لاحظ عدم اضطرابه، فتركه كنوع
من تنفيس الجماهير عن غضبها، ولكن في حدود معينة.
+ العودة
إلى إنطاكية... قرر القديس بولس أن يرحل من
كورنثوس متجهًا نحو أورشليم أخذ معه أكيلا وبريسكلا اللذين قررا ترك كورنثوس. وقد
تكونت صداقة حميمة بينهم، فسألوه أن يذهبا معه. فأقبل القديس بولس إلى أفسس
وتركهما هناك، وأمّا هو، فدخل المجمع وحاج اليهود فلم يضيع الرسول الفرصة للحديث
والحوار في المجمع لحساب السيد المسيح، مع أنه كان متعجلاً للذهاب إلى أورشليم،
ورفض أن يتأخر في أفسس ليحضر العيد في أورشليم لكي يلتقي بالكثيرين من أحبائه
ومواطنيه القادمين للعيد. وبعد زيارته لاورشليم ذهب الي قيصرية، وسلّم على
الكنيسة، ثم انحدر إلى إنطاكية حيث قضى فيها بعض الوقت مع أصدقائه القدامى حينما
أرسل من هناك مع برنابا لخدمة الأمم (أع 13: 1). فقد كانت إنطاكية مركزاً لخدمته حيث يجدد هناك نشاطه،
ويراجع حساباته، ويتعزى مع الخدام القدامى، ويقدم شكرًا على عمل نعمة الله معه مع
كل رحلة تبشيرية يقوم بها مبتدأ من إنطاكية وعائدا إليها.
اليك يا الله السماء نرفع الدعاء
+ اليك يا الله الآب القدوس نرفع الدعاء من
أجل العالم الذى بعد عنك وقد تفشت فيه النزعات المادية والأستهلاكية والشهوات
والفلسفات الالحادية وأدعي البعض أنهم الهه وتركوا عبادتك منشغلين بجهلهم ونزواتهم
وعلمهم ولم يعلموا أننا بك نحيا ونتحرك ونوجد، أنت خالقنا وراعينا واليك مرجعنا.
+ يا الله مخلص العالم، الذى بذل ذاته عنا
خلاصاً. أنت المحبة المتجسدة والباذلة وتريد أن الكل يخلصون والي معرفة الحق
يقبلون وأذ يجهلك العالم بفلسفاته وأفكاره فنصلي اليك لتعلن لنا قوة خلاصك لنرجع
اليك بالتوبة والإيمان العامل بالمحبة.
+ يا روح الله الذي يخلق ويجدد وجه الأرض، أعمل فينا بنعمتك وهبنا حكمة من لدنك لنعيش إيماننا المسيحي ونتكلم عن سبب الرجاء الذى فيها بوداعة وخوف. وأرسل لنا كارزين علي مثال القديس بولس الرسول يردوا الكثيرين الي حظيرة الإيمان ويتمجد أسمك القدوس أيها الآب والأبن والروح القدس، الاله الواحد، أمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق