الرسل القديسين واعدادهم وخدمتهم ..
+ تعيد كنيستنا القبطية بذكرى استشهاد القديسين بطرس وبولس، وذلك فى يوم 12 من شهر يوليو الموافق 5 أبيب من كل عام. بعدما قضوا حياتهم فى الكرازة ببشارة الملكوت واستشهدا فى روما بأمر من الامبراطور نيرون سنه 64م كقادة للمسيحيين. لقد إختارهم الرب يسوع المسيح وقال لهم { ليس انتم اخترتموني بل انا اخترتكم واقمتكم لتذهبوا وتاتوا بثمر ويدوم ثمركم لكي يعطيكم الاب كل ما طلبتم باسمي} (يو15 : 16). لقد تبع التلاميذ الرب يسوع وتعلموا منه وتتلمذوا على يديه وصحح لهم مفاهيمهم نحو الخدمة والتلمذة والايمان والملكوت. تبعوه فى حياته وراؤه بعد قيامته وامرهم قائلا { اذهبوا الى العالم اجمع واكرزوا بالانجيل للخليقة كلها} (مر 16 : 15). وحتى بعد صعوده السماء حل الروح القدس عليهم ليهبهم القوة والحكمة واللغات اللازمة للكرازة فى انحاء العالم. وبحلول الروح القدس عليهم اعطاهم المحبة والإحتمال والصبر، والكلمة المناسبة ليبشروا العالم اجمع. {أذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم }( مت 19:28). كما اختار سبعين رسولا وتلمذهم ليمثلوا الكرازة للامم وارسلهم اثنين اثنين الى المدن ذات الثقافة اليونانية كركيزة للكرازة ثم جالوا بعد حلول الروح القدس ليبشروا فى العالم وفى حوالي نصف قرن كانت البشارة وصلت الى كل انحاء المعمورة المعروفة فى ذلك الوقت من الهند حتى اسبانيا بفضل هؤلاء الرسل القديسين.
+ كان التلاميذ الاثني عشر على مثال رؤساء أسباط الشعب فى العهد القديم، فكأن المسيح يُعِّدْ شعبا جديدا برئاسة جديدة، ففى المسيح يصير كل شيء جديدا. كان المسيح يعمل بهم وفيهم ليعد شعباً وكنيسة جديدة. أعطى المخلص لرسله القديسين سلطان روحي وقوة روحية لهدم مملكة الشر. وعاشوا معه ليتتلمذوا على يديه، ويسمعوه ويرافقوه فيعرفوا فكره، وينقلوه لمن هم بعدهم وهذا ما نسميه التقليد الرسولي. اي إستلام الفكر بطريقة عملية معاشه وتسليمه من جيل إلى جيل. ولقد إختار السيد تلاميذه من وسط الناس البسطاء ليؤكد أن فضل قوتهم هو لله وليس منهم. لقد وهبهم السيد إمكانياته ليعملوا لا بإسمائهم بل بإسمه ولحساب مملكته بكونه العامل فيهم. والعجيب انه إختار من ضمن التلاميذ يهوذا الذى خانه. لذلك على كل خادم أو راعى أن يحذر لئلا يسقط {اذا من يظن انه قائم فلينظر ان لا يسقط }(1كو 10 : 12). ونلاحظ انه ستبقى الحنطة مع الزوان. ويهوذا كان فى حالة جيدة وقت أن إختاره المسيح ولكنه هلك لمحبته لذاته وشهواته ويأسه بسبب خيانته لمخلصه الصالح.
+ كان التلاميذ خليط من الشخصيات فمنهم العشار جابي الضرائب. وعلى النقيض منهم الغيور الوطني المتحمس ومنهم الصيادين البسطاء مثل بطرس واندراوس ويعقوب ويوحنا. ويوحنا المملوء حباً وعاطفة وتوما الشكاك وكلهم جمعهم المسيح ليقدسهم ويغير طبيعتهم فيصيروا نوراً للعالم. إختارهم المسيح من الناس العاديين الخطاة ليترفقوا بإخوتهم. وظهر التغيير في طبيعتهم بعمل الروح القدس فمثلاً فى يوحنا الذى كان مملوءاً غيرة وحماساً، يطلب نزول نار من السماء لتحرق رافضى المسيح، تغيير الى يوحنا المملوء حباً عجيباً للمسيح، بغيرة وحماس ولكن من نوع آخر. وقد غير الرب أسماء البعض مثل سمعان جعله بطرس، وبطرس معناها صخرة .
+ كانت كرازة الرسل هي التوبة والايمان باقتراب ملكوت السموات وهى نفس كرازة السيد الرب بنفسه. فالسيد قد جاء ليؤسس ملكوته الروحي فى القلوب التائبة. فالقلب التائب يستطيع أن يملك الرب يسوع عليه. لذلك كانت رسالة المعمدان ثم رسالة رب المجد نفسه هي توبوا. واعطى الرب التلاميذ ان يصنعوا الاشفية والايات ويخرجوا الشياطين كامكانيات جبارة للخدمة، تسندهم وتفتح الطريق أمامهم. وبهذا يعلنوا محبة الله للبشر التي تريد لهم الشفاء والحياة، وتريد لهم الحرية من سلطان الشيطان ليملك الرب بنفسه عليهم.
+ كانت وصية الرب لهم "مجانا أخذتم مجانا اعطوا" حتى لا يصبح جمع الأموال هدفاً لهم فيهتموا بالأغنياء ويتركوا الفقراء. ولكن نلاحظ أنه قبل أن يطلب ان يخدموا فقد أعطاهم الإمكانيات الجبارة. وارسلهم للخدمة كتدريب فى وجوده معهم بالجسد. وعلى الخادم ان لا يرتبك بالمقتنيات ليرضى من جنده، فالله سيرسل للخدام ما يكفيهم وقال لنا اطلبوا ملكوت السموات وبره وكل هذه تعطى لكم وتزداد. الله يريد منا الإتكال الكامل عليه وأن لا نجدوا فى المال ضماناً للغد بل نتكل على الله وحده. علم الرب تلاميذه ان يهبوا السلام والبركة لكل بيت يدخلوه. وإن كان أهل البيت مستحقين لهذه البركة ستكون لهم، وإن لم يكونوا مستحقين ورفضوا الرسل فحتى غبار أرجل الرسل ينفضونه كشهادة وشاهد عليهم. بهذا تبدأ كنيستنا صلواتها، بأن يطلب الكاهن البركة والسلام للشعب بقوله "السلام لجميعكم " وهذا ليس مثل السلام العادى بين الأشخاص العاديين وإلاّ ما معنى قول السيد يرجع سلامكم إليكم، إذاً هو بركة تمنح من الله. كما اخبر الرب الرسل مقدماً بالآلام التي ستواجههم فرسالة التلاميذ هي نشر السلام، ولكن العالم الشرير سيواجههم بشره. والسيد يسبق ويخبرهم حتى إذا ما رأوا تحقيق ذلك لا يفزعوا ولا يفاجئوا، بل يطمئنوا ويزداد إيمانهم، فمن يعرف المستقبل هو قادر أن يحميهم.
القديسين بطرس وبولس الرسولين ...
سمعان بطرس كان باكورة التلاميذ، من بيت صيدا وكان صيادا للسمك فى بحيرة طبريه، اختاره الرب ثاني يوم عماده مع إندراوس اخيه وكانا صيادين فقال لهم هلم ورائي فاجعلكما صيادي الناس فتركا كل شئ وتبعاه. حياة القديس بطرس الرسول شاهداً حياً ومستمراً على نعمة الله المغيرة والقادرة على صنع المعجزات وتغيير رجل عادى من عامة الشعب بلا مؤهلات دراسية او منصب مرموق، له أخطائه وتهوره واندفاعه وطيبة قلبه، عندما سلم حياته للتلمذة على يد النجار الأعظم، حوله الى رسول ورابح للنفوس لملكوت الله السماوي. انه شهادة حيه لعمل النعمة التى أنتشلته من الضعف والإنكار والحزن فى لحظات الضعف ليرده المخلص الذى طلب من الأب السماوي لكي لا يفنى إيمانه. لقد أختبر القديس بطرس قوة الرجاء الغافرة للخطايا من أجل هذا كتب يقول لنا {مبارك الله ابو ربنا يسوع المسيح الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الاموات. لميراث لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل محفوظ في السماوات لاجلكم. انتم الذين بقوة الله محروسون بايمان لخلاص مستعد ان يعلن في الزمان الاخير.} (ابط 3:1-5). نعم انه رسول الرجاء للخطاة والأمل لمن تعثروا فى الطريق، والإيمان لمن ضعف وأنكر مخلصه، انه الرسول الداعي للقداسة لمن عاشوا فى وحل الخطية، والمبشر بالإيمان والثقة بالله لكل نفس بشرية تعرضت للفشل والإحباط مرارا كثيرة .
كان القديس بطرس ذا إيمان حار وغيرة قوية ولما سأل الرب التلاميذ. ماذا يقول الناس عنه. أجابوا : " إيليا أو إرميا أو أحد الأنبياء " فقال بطرس " أنت هو المسيح ابن الله " وبعد ان نال نعمة الروح المعزي جال في العالم يبشر بيسوع المصلوب ورد كثيرين إلى الإيمان وقد أجرى الله على يديه آيات كثيرة وكتب رسالتين إلى جميع المؤمنين. ولما دخل رومية وجد هناك القديس بولس الرسول، وبكرازتهما آمن أكثر أهل رومية فقبض عليه نيرون الملك وأمر بصلبه. فطلب ان يصلبوه منكسا وأسلم روحه بيد الرب .
+ القديس بولس الرسول ولد بطرسوس قبل ميلاد المخلص بسنتين ، وهو من جنس يهودي من سبط بنيامين ، فريسي ابن فريسي وكان عالما خبيرا بشريعة التوراة شديد الغيرة عليها مضطهدا المسيحيين. ولما رجموا إسطفانوس كان يحرس ثياب الراجمين . وأخذ رسائل من قيافا إلى اليهود في دمشق للقبض على المسيحيين . وبينما هو في طريقه إلى دمشق أشرق عليه نور من السماء فسقط على الأرض وسمع صوتا قائلا له : " شاول شاول لماذا تضطهدني (أع 9 : 4 ) فقال " من أنت يا سيد " . فقال الرب " أنا يسوع الذي أنت تضطهده . صعب عليك ان ترفس مناخس " ثم أمره ان يذهب إلى حنانيا بدمشق وهذا عمده وللحال فتحت عيناه وامتلأ من نعمة الروح القدس المعزي ، وجاهر بالإيمان وجال في العالم كرسول للجهاد الروحي والبشارة بملكوت الله وبشر بالمصلوب وناله كثير من الحبس والقيود وذكر بعضها في كتاب أعمال الرسل وفي رسائله ثم دخل رومية ونادي بالإيمان فأمن على يديه جمهور كثير . وكتب لهم الرسالة إلى أهل رومية وهي أولي الرسائل الأربع عشرة التي له. وأخيرا قبض عليه نيرون وعذبه كثيرا وأمر بقطع رأسه. وبينما هو ذاهب مع السياف التقت به شابه من أقرباء نيرون الملك كانت قد آمنت على يديه فسارت معه وهي باكية إلى حيث ينفذ الحكم . فعزاها ثم طلب منها القناع ولف به وجهه وأمرها بالرجوع وقطع السياف رقبته وتركه. فقابلت الشابة السياف أثناء عودته إلى الملك وسألته عن بولس فأجابها : " أنه ملقي حيث تركته . ورأسه ملفوف بقناعك " فقالت له : " كذبت لقد عبر هو وبطرس وعليهما ثياب ملكية وعلي رأسيهما تاجان وناولني القناع . وها هو " وأرته إياه ولمن كان معه فتعجبوا من ذلك وأمنوا بالسيد المسيح . وقد اجري الله على يدي بطرس وبولس آيات عظيمة حتى ان ظل بطرس كان يشفي المرضى (أع 5 : 15 ) ومناديل ومآزر بولس تبريْ الكثيرين فتزول عنهم الأمراض وتخرج الأرواح الشريرة (أع 19 : 12) .
+ اننا نكرم ابائنا الرسل القديسين لاكرامهم لله فى حياتهم وحملهم شعلة الايمان المستقيم لنا بعرقهم وجهادهم ودمائهم، فاننا ننفذ وصيه الكتاب {فاني اكرم الذين يكرمونني والذين يحتقرونني يصغرون} (1صم 2 : 30) واذ نذكرهم ونكرمهم فاننا ننظر الى نهاية سيرتهم ونتمثل بايمانهم {اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله انظروا الى نهاية سيرتهم فتمثلوا بايمانهم }(عب 13 : 7). بركة ابائنا الرسل القديسين وخاصة القديسين بطرس وبولس فلتكن معكم، أمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق