نص متحرك

♥†♥انا هو الراعي الصالح و الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف يو 10 : 11 ♥†♥ فيقيم الخراف عن يمينه و الجداء عن اليسار مت32:25 ♥†♥ فلما خرج يسوع راى جمعا كثيرا فتحنن عليهم اذ كانوا كخراف لا راعي لها فابتدا يعلمهم كثيرا مر 34:6 ♥†♥ و اما الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف يو 2:10 ♥†♥

الجمعة، 29 يناير 2021

القديسة مريم العذراء وحياة الخدمة

                      

                                               للاب القمص أفرايم الأنبا بيشوى

 القديسة مريم خادمة الخلاص..

+ القديسة مريم  العذراء هى مثال وقدوة لنا في حياتها وفضائلها وخدمتها للبشرية، فهي التي تطلع الآب من السماء فلم يجد من يشبهها، فأرسل أبنه الوحيد، أتي وتجسد منها. ففى ملء الزمان ولدت لنا العذراء مخلص العالم { ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امراة مولودا تحت الناموس. ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني.} (غل 4:4-5) ولهذا تلقبها الكنيسة بألقاب كثيرة فهى القديسة مريم أم الخلاص، وأم النور ووالدة الاله ، وتابوت العهد الجديد والدائمة البتولية والسماء الثانية والكرمة الحقيقة وغير ذلك من الألقاب ذات المعاني الروحية.  أن الكتاب المقدّس يبدأ في سفر التكوين بخلق السموات والأرض وخلق الإنسان وسقوطه ثم يبشرنا بوعد الله لخلاصنا بنسل المرأة التى هى مريم العذراء { واضع عداوة بينك وبين المراة وبين نسلك ونسلها هو يسحق راسك وانت تسحقين عقبه} (تك  3 :  15). وتشير كثيرا من الرموز والنبؤات فى الكتاب المقدس الى القديسة مريم  فيتكلم أشعياء النبى عن ميلاد الرب يسوع المسيح منها قائلا { وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ} (أش 14:7). حتي يصل بنا الي سفر الرؤيا فيشير الي العذراء بانها المرأة  الملتحفة بالشمس { وَظَهَرَتْ آيَةٌ عَظِيمَةٌ فِي السَّمَاءِ: امْرَأَةٌ مُتَسَرْبِلَةٌ بِالشَّمْسِ، وَالْقَمَرُ تَحْتَ رِجْلَيْهَا، وَعَلَى رَأْسِهَا إِكْلِيلٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ كَوْكَباً}(رؤ12 :1). فإن كان ابوينا ادم وحواء قد سقطا بالخطية ودخل الموت إلى العالم فإن العذراء مريم هي حواء الثانية والجديدة التي تجاوبت مع نعمة الله فى محبة وبذل وتسليم كامل ووجد الله الآب فى القديسة مريم، الانسانة التي يتجسد منها الأبن الكلمة ويحل عليها الروح القدوس وتجاوبت مع نعمة الله لتحقيق وعد الله بخلاصنا بابنها يسوع المسيح مخلص العالم.

+ لقد خدمت العذراء خلاص البشرية جمعاء اذ قبلت أن تكون أم ربنا يسوع المسيح عندما بشرها الملاك { فَقَالَ لَهَا الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. وهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هَذَا يَكُونُ عَظِيماً، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ».فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: «كَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟» فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَهُ: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذَلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ. وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضاً حُبْلَى بِابْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا،وَهَذَا هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ الْمَدْعُوَّةِ عَاقِراً،لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ». فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ». فَمَضَى مِنْ عِنْدِهَا الْمَلاَكُ.}( لو 1:30-38). وبقبول العذراء مريم أن تكون ام الله حملت في احشائها رب المجد يسوع المسيح, وأهدت البشرية الخلاص الثمين و خدمت البشرية كحواء الجديدة التي انجبت بالإيمان بالمسيح أبناء وبنات كثيرين للملكوت وخدمت جنسنا بميلاد المُخلص منها.

القديسة مريم فى الهيكل وفى بيت يوسف..

+ لقد تربت القديسة مريم على محبة الله ومحبة الخدمة منذ نعومة أظافرها فهي التي ولدت من القديسة حنة ويواقيم البار الذين داوموا على الصلاة حتى رزقهما الله بالقديسة مريم بعد الكبر، وقد نذراها وقدماها للهيكل فى عمر ثلاث سنوات كما صموئيل النبى، وأقامت فهى الهيكل حتى بلوغها تخدم مع العذارى والأرامل وتساعد في تنظيف واعداد وخدمة بيت الله، فى وقت كان يحج الى الهيكل فى المناسبات الهامة كعيد الفصح وعيد الحصاد والمظال ما يزيد عن المليون شخص، ولقد وجدت فى الأرامل كحنة النبية مربية فاضلة وربما أهتم بها زكريا الكاهن أبو يوحنا المعمدان كانت تمت بقرابة زوجته اليصابات، فمن هؤلاء وغيرهم تعلمت البذل والصلاة ومحبة الصمت وحفظت ووعت الصلوات فى الهيكل متفكرة بها فى قلبها.

وعندما وصلت سن البلوغ كان اباها وامها قد أنتقلنا من هذا العالم فتشاور الكهنة ان يودعوها عند من يتعهدها بالرعاية ويهتم بشئونها واختاروا يوسف النجار وكان رجلا بارا وقد ذهبت معه الى الناصرة وهناك خدمته بامانة واخلاص كربة بيت أمينة فيما لله فى الصلاة والعمل حتى جاء اليها رئيس الملائكة غبريال المبشر يبشرها بالتجسد الالهي واذ كان يوسف رجلا بارا وقد رأى أنها حبلي فاراد ان يتخلى عنها سرا وتحملت العذراء ذلك فى تسلم الامر لله فدافع عنا الرب وأعلن ليوسف خبر ميلاد مخلص العالم من أحشائها { أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هَكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ، قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا، وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارّاً، وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا، أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرّاً. وَلَكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هَذِهِ الأُمُورِ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: «يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ، لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَسَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ} (مت 18:1-21). كانت العذراء وستبقى مثالا فى العفة والطهارة والتأمل فى عمل الله ودفاعه عن المظلومين، وعلينا أن نتعلم من أمنا العذراء كيف نحتمل فى صمت وصلاة والرب يدافع عنا ونحن صامتون.

القديسة مريم مع اليصابات..

عندما أعلن الملاك للقديسة مريم أن الله افتقد نسيبتها أليصابات، وهى حبلى أسرعت فى محبة لتكون فى خدمة اليصابات قاطعة نحو 160كم من الناصرة حتى غربي القدس وهنا نرى لقاء من أعظم اللقاءات التي سجلها الكتاب المقدس بين القديسات. ونرى كيف انه بسلام امنا العذراء ركض يوحنا الجنين فرحا فى بطن أمه وأمتلات اليصابات بالروح القدس معلنه تحقيق النبؤات وهى تبشر بامومة العذراء للرب يسوع { فَقَامَتْ مَرْيَمُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَذَهَبَتْ بِسُرْعَةٍ إِلَى الْجِبَالِ إِلَى مَدِينَةِ يَهُوذَا، وَدَخَلَتْ بَيْتَ زَكَرِيَّا وَسَلَّمَتْ عَلَى أَلِيصَابَاتَ. فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا،وَامْتَلَأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: «مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي هَذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلاَمِكِ فِي أُذُنَيَّ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي. فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ»} (لو 39:1-45). لقد اتخذت اليصابات المكان المتواضع أمام تلك التي ستصبح أماً للرب وقد جاءت العذراء لتخدم وتبذل ووجدت الإكرام والاحترام من القديسة أليصابات وليت هذا التعليم يتغلغل بعمق في قلوبنا. فمتى  كان روح الله عاملاً في نفوسنا فإن الحسد والخصام يختفى ونقدم بعضنا بعض فى الكرامة وتنساب المحبة بلا عائق بين الأحباء وكذلك التواضع الذي هو ثمرة المحبة ومعهما يستعلن الإيمان الذي يتخطى المصاعب ويثق فى وعود الله الأمينة والصادقة.   لقد كانت ثمرة البذل والخدمة فى هذا اللقاء التاريخي هو تسبحة الله العميقة التى سبحت الله بها أمنا العذراء مريم { فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللَّهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي،لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ،وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ. أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ. أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ. عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً، كَمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا. لإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ». فَمَكَثَتْ مَرْيَمُ عِنْدَهَا نَحْوَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا.} (لو 46:1-56). لقد قدمت العذراء مريم التسبيح والشكر لله  مبتهجة بخلاصه العجيب فى تواضع قلب لتحقق الرجاء العظيم بخلاص الله الذى نظر الى أتضاعها و كرمها بأن تكون أم ربنا ومخلصنا يسوع المسيح. العذراء تنسب كل شيء إلى الله، وتتخذ مكاناً باعتبارها أمة الرب فاستحقت ان تطوبها جميع الاجيال. ولهؤلاء المتضعين يكرز بالإنجيل دائماً ويرفعهم الله والجياع يملأهم بالخيرات. وهذا ما أعلنه السيد المسيح  فى العظة على الجبل. لقد استمرت مريم ثلاثة أشهر مع نسيبتها العجوز ثم عادت إلى بيتها ولا شك أنهما كانتا مشجعتين لبعضهما في الإيمان والفرح بالرب. وانتهت الزيارة وعادت مريم إلى بيتها لتواصل طريقها بكل تواضع لتتميم مقاصد الله.

 

 ميلاد السيد المسيح والأم الخادمة ..

لقد تنبأ ميخا النبي عن ميلاد المسيح في بيت لحم: { أما أنت يا بيت لحم افراتة وانت صغيرة ان تكوني بين الوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا على اسرائيل و مخارجه منذ القديم منذ ايام الازل} (مي  5 :  2) وعندما أمر أوغسطس قيصر بالتعداد العام فى ارجاء الامبراطورية وكان الوقت يقترب لميلاد القدوس، جاء يوسف ومريم العذراء الي بيت لحم لكون يوسف من بيت داود وعشيرته وهنا نرى تواضع الرب يسوع المسيح وخطة الله لتتميم النبؤات فيوسف كان عليه أن يأخذ مريم امرأته إلى بيت لحم، ويحرك الله الإمبراطور ليدفع إمبراطوريته للاكتتاب فيصعد يوسف إلى بيت لحم. أن الله يمسك بزمام الحكم في يديه والمؤمن يعرف ذلك وهو يستريح بسلام إزاء كل أعمال الناس، وإزاء كل ما يراه من قرارات وصراعات تجري من حوله ولدت العذراء مريم الرب يسوع في مذود اذ لم يكن لهما موضع في البيت. إنها المحبة الإلهية التي تجعل الابن الكلمة يلد في مذود  ويصلب ويقدم لنا مثالا في بذل الذات عن حياة العالم، فليس بغريب ان تسير العذراء مريم على ذات الدرب وتعلمنا ان نخدم الله  والآخرين من كل القلب ونتعب من أجل ان نريح الغير، وبكل خشوع وتعبد في حضرة إلهنا نتأمل فى الميلاد العجيب ثم نتبين من تقدمه مريم الأم فى الهيكل ظروف يوسف ومريم المادية البسيطة من الحادثة العرضية عندما قربوا ذبيحتهم عند تقديم يسوع للهيكل بتقديم فرخي يمام . فنقرأ في اللاويين بخصوص تطهير المرأة عند ولادتها: { وإن لم تنل يدها كفاية لشاة تاخذ يمامتين أو فرخي حمام الواحد محرقة والآخر ذبيحة خطية فيكفر عنها الكاهن فتطهر} (لا 18: 8). لم يكن ليوسف ومريم أن  يحضرا شاة . فأي أم لا تريد أن تحيط طفلها بكل وسائل الراحة والترف طالما تستطيع أن تفعل ذلك؟ ولكن كل شيء يتحدد بحكمة إلهية، إذ نرى ليس فقط ظروف ولادة ربنا بل أيضا كل حياته في هذا العالم الذي لم يجد فيه أين يسند رأسه.  لقد عاش المخلص في الجليل بالناصرة يمارس أعماله اليومية، ويختلي بالآب في الصلاة  وتحتمل العذراء مريم  كل ذلك التعب والضيق بصبر وشكر وهي ترى الابن الكلمة ينمو بين جنبات بيتها في سر لا يحتمله إلا في صبر القديسين وإيمانهم.

العذراء خادمة الطفولة  ...

كانت العذراء الأم والخادمة والمحبوبة والمحبة للرب يسوع تحمل الطفل يسوع يرضع من لبنها وتقدمه إلى الهيكل فى طاعة للناموس وتختن الصبى وتقدمه إلى الهيكل قدسا للرب وهي تدرك عظمة المولود منها فى صمت متفكرة فى قلبها بكلمات الرعاة و سمعان الشيخ وحنة النبية، فلم تندهش كثيراً عندما رأت المجوس يخرون ساجدين له وفتحوا كنوزهم وقدموا له هداياهم ذهباً ولباناً ومراً، لقد كانت العذراء مريم فرحة لكونها الإناء المختار لولادته، ولكن كان عليها أن تتعلم أنه بحكم هذا الارتباط والاندماج بمسيح الله أنه لابد أن يلاقيها الاضطهاد من إبليس وقواته ولهذا قام هيرودس مزمعا ان يقتل المولود الملك وتحت الحماية الإلهية والإرشاد جاء الرب مع مريم ويوسف إلى مصر وكانت مريم العذراء هي السحابة الخفيفة التي تحمل الرب إلى بلادنا وتتنقل به من مدينة إلى أخرى ومن قرية لأخرى وتتبارك ارضنا بقدوم الزائر الإلهي العجيب حتى تعود بعد رحلة استمرت ثلاثة سنوات ونصف الى الاراضى المقدسة لتسكن فى الناصرة وتحرص مع يوسف النجار على زيارة الهيكل في القدس في الأعياد الكبرى.

 لقد أختار الرب يسوع يوسف النجار الرجل البار ليكون راعي للعذراء كامرأة له أمام الناس ودون أن يعرفها، ليحميها من الرجم أذا وجدها اليهود حبلي بدون زواج، ولكي يرافقها وفي الميلاد فى بيت لحم وفي الهروب لأرض مصر ويتعهد الطفل وأمه حتى يكبر الصبي  فى حياتهما فى الناصرة وانقضت اثنتا عشرة سنة، ولم يذكر طيلة هذه الفترة غير شيئين أولهما: {وكان الصبي ينمو ويتقوى بالروح ممتلئاً حكمة وكانت نعمة الله عليه}. كما كانت الأسرة تواظب على الحضور للمجمع كل سبت وحضور الاعياد الكبرى فى الهيكل باورشليم {وكان أبواه يذهبان كل سنة إلى أورشليم في عيد الفصح. وبعدما أكملوا الأيام بقي عند رجوعهما الصبي يسوع في أورشليم، ويوسف وأمه لم يعلما}. ومن السجلات اليهودية نعلم أن عمر الثانية عشر بين الشباب اليهودي يعتبر السن الكافي للنضج وتحمل المسئولية الفردية أمام الله والالتزام بالشريعة فالصبي الذي يبلغ هذا العمر يعتبر ابناً للشريعة ويطالب أيضاً بمتطلبات الناموس. كان "الصبي يسوع" يتمم إرادة أبيه فقد كان يجب ألا يتعطل عن عمله. وفي نهاية المدة  {وجداه في الهيكل جالساً في وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه وأجوبته}. فقالت له القديسة مريم بقلب أم متأثرة {يا بني لماذا فعلت بنا هكذا؟ هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين}. أما إجابة يسوع لأمه فكانت إعلاناً عن إدراكه لتلك العلاقة الفريدة بينه وبين الآب القدوس بالإضافة إلى إعلانه أنه قد جاء ليفعل إرادة أبيه. قالت مريم ليسوع عن يوسف أنه "أبوك"، وكانت إجابته {ينبغي أن أكون فيما لأبي} كانت إرادة الآب السماوي هى هم الطفل الإلهي. وان كان قد رجع معهما الناصرة وكان خاضعا لهما إلى ان غادر يوسف البار العالم وكان يسوع على ما يظن ابن ستة عشر سنة. وبقى مع العذراء حتى بدء خدمته فى عمر الثلاثين يتعهدها بالرعاية وتتأمل فى أعماله وخدمته وتفرح بوجوده معها وترافقه كام أمينة وابن بار بأمه يتعهدها بالرعاية حتى على الصليب.

خدمة القديسة مريم من عرس قانا حتى الصليب..

العذراء الأم تفرح معنا فى أفرحنا وتشاركنا أحزاننا همومنا وتصلى من أجلنا نراها فى عرس قانا مع ربها وابنها الوحيد وتلاميذه وعندما فرغت الخمر كرمز لغياب البهجة تدخلت القديسة مريم وقالت للخدام { مهما قال لكم فافعلوه} ورغم أن السيد الرب أعلن أن ساعته لم تأتى بعد، لكنه صنع المعجزة وقال للخدام املأوا الاجران ماء ثم باركها وقالوا وحولها الى خمر كرمز للفرح بوجود الرب يسوع المسيح  بيننا هو سبب فرحنا وسر قوتنا ومازالت القديسة مريم تطلب من الرب ان يهب السلام والفرح لنا وتوصينا أن نطيعه ونصنع كل حين ما يرضيه. لقد رافقت العذراء مريم من النسوة القديسات السيد المسيح فى خدمته ورأت معجزاته وكان لها الإيمان بالوهيته وتبعته حتى الصليب  حيث جاز فى  نفسها سيف الآلم وهى تشاهد الاهانات والمحاكمة الظالمة لابنها وربها وهى تتأمل وداعته وصبره وأتضاعه وخدمة وبذله ونرى أهتمام المخلص بامه القديسة مريم  { وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ، أُمُّهُ، وَأُخْتُ أُمِّهِ مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا، وَمَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ، وَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفاً، قَالَ لِأُمِّهِ: «يَا امْرَأَةُ، هُوَذَا ابْنُكِ». ثُمَّ قَالَ لِلتِّلْمِيذِ: «هُوَذَا أُمُّكَ». وَمِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ أَخَذَهَا التِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ.} (يو25:19-27). وإن كان سيف الألم و ساعات الظلمة قد كانت قاسية على قلب الأم فقد عبرت سريعا وتبعتها أفراح القيامة التى أكتملت برؤية الرب القائم من الأموات ووجدنا العذراء تواظب على الصلاة مع الرسل وخدمة العذارى فى بيت يوحنا الحبيب حتى انتقالها الي السماء. لقد أعطت العذراء حياتها بطولها وعرضها لخدمة الله وتم فيها أكثر من الجميع قول الرب: { فان من اراد ان يخلص نفسه يهلكها ومن يهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها} (مر  8 :  35). فطوبى لي يا عذراء يا أم الله والأم الروحية جميع القديسين.

العذراء وشفاعتها في المؤمنين...

العذراء هى أم يسوع المسيح ربنا وتلقبها الكنيسة بوالدة الإله وتعطيها كرامة تفوق الملائكة ورؤساء الملائكة وهى التى قال عنها الرب يسوع المسيح ليوحنا { هوذا أمك} فهي أم للرسل بمكانتها العالية وفضائلها وأمومتها للأبن الكلمة المتجسد فهى ايضا بحق أم لنا وبقربها لابنها وربها تشفع فينا و تخدمنا وكم من المعجزات تحدث مع المؤمنين بطلباتها وشفاعتها والذى لا يؤمن بشفاعة القديسين يخسر أصدقاء له فى السماء يصلوا عنا كأعضاء  فى الجسد الواحد الذي للكنيسة، جسد المسيح السري الذي رأسه المسيح رب المجد. ولهذا تتمسك الكنيسة بالتقليد الكنسي والنصوص التي حفظتها الكنيسة كميراث روحي عن آباء العصور الأولى بإكرام القديسين الذين انتقلوا سواء بالتسبيح أو تذكار أعيادهم أو بطلب صلواتهم وتوطيد للعلاقة  الحية والعميقة الكائنة بالفعل بين أعضاء الجسد الواحد لحساب الرأس الواحد الذى هو المسيح الرب. فهذه العلاقات مع القديسين لا تكون على حساب علاقتنا بالله بل تزيد إيماننا وارتباطنا بالله لأن أي عمل ينمي أعضاء الجسد الواحد معاً انما يزيد من محبة وخلاص الأعضاء وخدمتهم جميعا لحساب المسيح رأس الكنيسة ومخلصها. لذلك فكل حب وكل كرامة نقدمه لأشخاص القديسين الذين سبقونا إنمـا يبهج قلب السيد المسيح و يمنحنا ثقة ورجاء حينما نشخص دائما الى نفس النصيب الذي صاروا إليه لأننا نحن ايضا صرنا أعضاء فى جسد واحد والكنيسة المنتصرة تصلي من أجلنا لنكمل جهادنا ونصل اليهم ونحن نطلب صلواتهم فى وحدانية القلب والإيمان والمحبة ويستجيب الله لصلوات قديسيه ويتمجد فيهم وبهم. أمين.

اشفعي فينا يا عذراء ...

+ أيها القديسة مريم الشفيعة الأمينة لجنس البشر، أشفعي فى ضعفنا واطلبى من ابنك الحبيب ان يرحمنا ويغفر خطايانا و يقبل صلواتنا ويزيل أحزاننا ويفرج كروبنا ويريح قلوبنا ويحول حزننا الى فرح قلب ويشفى أمراض نفوسنا وأجسادنا وأرواحنا.

+ يا قديسة مريم يا امنا الحنونة اطلبى من أجل الأسر المفككة والتي تعاني من المشكلات والتى غاب عنها السلام وضعفت بينها  المحبة أو انعدم الفرح وانقطع الرجاء فأنت أمنا ومثقلة بهمنا، فاطلبى من الرب ليعيد البسمة للشفاه ويعطي للبائسين الرجاء ويملأ القلوب والبيوت بالمحبة والسلام والفرح والرجاء.

+ يا أمنا الطاهرة ذات القلب الرحيم، يا من ولدتي على أرض فلسطين وتنقلتى في ربوعها وشرفتي أرضنا مصر بزيارتها. يا عذراء الشرق، ان شرقنا الاوسط بل والعالم يعاني ويلات الوباء والحروب والكراهية والعنصرية والتعصب فهل تصمتي وتسكتى أم تصلى عنا وترفعي صلواتنا الضعيفة مع آنات قلبك الشفوق لربنا ومخلصنا ؟. أننا واثقين فى طلباتك  وصلواتك ونثق في محبة الله لنا واستجابته لشفاعتك عن كنيستنا وشعبنا وبلادنا وشرقنا وعالمنا، أمين.

الأربعاء، 20 يناير 2021

عرس قانا الجليل و الفرح بالرب

 

للأب القمص أفرايم الانبا بيشوى

عريس النفوس الحقيقى ...

أتى الرب يسوع ليحول حياتنا إلى فرح، ويعيدنا إلى حالة الفردوس الأولى أي لحالة الفرح، بعد أن فقدنا هذا الفرح بسبب الخطية. لقد حول ماء التطهير الذي كان اليهود يستخدمونه في التطهير الى خمر مفرح والمعنى الروحي أن كل من يحاول أن يطهر نفسه يحول له المسيح حياته إلى فرح. ومن يهمل فإن الله يبقى أميناً معه وقد يسمح له ببعض بالضيقات والتجارب أو الاحتياج لكي يطلب الناس الله ويتوبوا فمن يحبه الرب يؤدبه (عب5:12،6). السيد المسيح يسعى وراء كل نفس لتعرفه، وتكتشف محبته والمحبة تتحول إلى فرح. وهذا ما نراه في ثمار الروح القدس، محبة وفرح وسلام ..الخ، فالمحبة التي يسكبها الروح القدس فينا تتحول إلى فرح داخلنا ونستعيد الحالة الفردوسية الأولى، بعد أن حولتنا محبة العالم للقلق والهم والاضطراب. لهذا يقول القديس أغسطينوس ( أي عجب إن كان قد جاء السيد المسيح الى عرسٍ قانا الجليل، بل وقد جاء إلى هذا العالم لعرسٍ؟ حقًا إن كان يأتي إلى عرس فإنه لابد أن يجد هنا عروسًا. ولهذا يقول القديس بولس الرسول؟ {لأني خطبتكم لرجلٍ واحدٍ لأقدم عذراء عفيفة للمسيح} (2 كو 11: 3).  أن المسيح هو عريس النفس البشرية الذى اقتناها بدمه وأعطاها الروح القدس كعربونٍ. حررها من قيود الشيطان؛ مات من أجل خطاياها، وقام لأجل تبريرها (رو 4: 25). من يقدم لعروسه مثل هذه الأمور!) .

+ حضور السيد المسيح لعرس قانا الجليل كنبع للفرح و عريس حقيقى للنفس البشرية يريد ان يرتبط بنا على مستوى الروح والحق. لقد حضر السيد المسيح عرس قانا الجليل  مع تلاميذه والقديسة مريم العذراء ليبارك عرس قانا الجليل ويعلن لنا نفسه أنه فرحنا الدائم ويريد لنا ان نفرح معه وبه . كما قدم القديس يوحنا المعمدان الرب يسوع  بكونه العريس الروحي الحقيقي  للنفس البشرية وللكنيسة{ من له العروس فهو العريس وأما صديق العريس الذي يقف ويسمعه فيفرح فرحا من اجل صوت العريس اذا فرحي هذا قد كمل } (يو 3 : 29)  ان فرح  الخادم  الامين لله هو ان يدعو كل أحد ليقترب من الله ويحبه ويحيا معه فى إيمان واثق وتوبة حقيقية وأتحاد روحى وان يحيا  القريب والبعيد فى محبة لمن أحبهم وأن يختفي ويتوارى الخادم ويظهر الله فى حياة كل أحد .

 + أكد السيد المسيح له المجد على انه هو عريس نفوسنا الذى جاء ليرفعنا  بالمحبة لنكون فى أتحاد روحى به { اتقدرون ان تجعلوا بني العرس يصومون ما دام العريس معهم ولكن ستأتي ايام حين يرفع العريس عنهم فحينئذ يصومون في تلك الأيام }(لو 5 : 34،35). نعم اننا مدعوين للعرس السماوي لا على مستوى جسدي كما يظن غير الفاهمين قداسة الله وعظمة محبته ولكن على مستوى الروح والفرح والمحبة الإلهية. هذه العلاقة الفريدة بين النفس البشرية والله  والتى أعلنها لنا الكتاب المقدس  حتى فى العهد القديم { واخطبك لنفسى الى الابد واخطبك لنفسي بالعدل والحق والاحسان والمراحم}  (هو 2 : 19) . {اخطبك لنفسي بالامانة فتعرفين الرب} (هو 2 : 20). نعم يغار الله على شعبه ويعاتبه على بعده عنه {لان شعبي عمل شرين تركوني أنا ينبوع المياه الحية لينقروا لأنفسهم ابارا آبارا مشققة لا تضبط ماء }(ار  2 :  13). لقد كلم الله الآباء بالأنبياء قديما بطرق متعددة وأنواع شتى ، ليعلن للبشر محبته  وسعيه لخلاصنا لأنه خالقنا ويهمه سعادتنا وكأب حقيقى يفرح بمحبة أبنائه ، أما نحن فكثيرا ما نهتم بالعطية وننسى المعطى ونأخذ من الله الهبات لكى ما ننفقها بعيدا عنه على الشهوات، وهذا ما فعله الابن الضال فلقد طالب بنصيبه فى الميراث لكى ما يبدده في الكورة البعيدة مع أصدقاء السوء وعندما بدد معيشته تخلوا عنه وتركوه بعد ان غلبهُ الشيطان  وسلبه غناه وتعرى من ثياب البنوة والمجد، ولكن الله كأب صالح  عندما رجع الابن إليه استقبله فرحا وعوضه ما فقده . وهكذا جاء إلينا السيد المسيح  ليعلن لنا محبته وخلاصه واقترابه منا وبذل دمه الثمين لخلاصنا {الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته} (اف 1 : 7)  . لهذا يدعونا الإنجيل ان نحيا فى مجد البنوة لله { لأنكم قد اشتريتم بثمن فمجدوا الله في اجسادكم وفي ارواحكم التي هي لله }(1كو  6 :  20).

فرح الله بتوبتنا ورجوعنا إليه  ..

+  رفع الله من شأن المؤمنين به ليصيروا أبناء وبنات لله بالتبنى { وأما كل الذين قبلوه فاعطاهم سلطانا ان يصيروا اولاد الله اي المؤمنون باسمه. الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله}(يو 12:1-13) . لاننا ابناء وبنات لله فان الله يحبنا ويريد ان يهبنا حياة الفرح والسرور والسلام والشبع . يريد ان نفرح بخلاصه العجيب لنا ففى ميلاد المخلص بشر الملائكة الرعاة قائلين { لا تخافوا فها انا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. انه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب. وهذه لكم العلامة تجدون طفلا مقمطا مضجعا في مذود. وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين. المجد لله في الاعالي وعلى الارض السلام وبالناس المسرة} (لو 10:2-14). وفى العماد رأينا صوت الآب من السماء يعلن مسرته بالابن{ وصوت من السماوات قائلا هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت} (مت 3 : 17). نعم صرنا موضع مسرة الآب فى أبنه الذى نقلنا من عالم الظلمة الى ملكوت النور فى محبته {أنظروا اية محبة اعطانا الاب حتى ندعى اولاد الله من أجل هذا لا يعرفنا العالم لانه لا يعرفه} (1يو 3 : 1) .

+ ان الله القدوس محب النفوس يطلب منا ان نكون قديسين كما ان أبانا السماوى قدوس وكامل وهذا يحتاج منا إلى حرص وتدقيق وان نسلك لا كجهلاء بل كحكماء  ويحتاج منا ذلك ان نسلك في النور كأبناء النور لان لنا أعداء محاربين والشيطان يسعى إلى هلاكنا وسقوطنا حتى بعد ان أخذنا مجد البنوة بالمعمودية ونور المعرفة الحقيقية فإننا قد نخطئ عن جهل أو سهو او نسيان او حتى عن طيش وإصرار على البعد فإن الله وضع لنا التوبة والاعتراف والرجوع الى الله بابا للرجاء والقيام من جديد وهذا ما أكد عليه المخلص الصالح {اقول لكم انه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين بارا لا يحتاجون الى توبة} (لو 15 : 7). وهكذا يأمر الله فى كل زمان الناس ان يتوبوا {فالله الان يامر جميع الناس في كل مكان ان يتوبوا متغاضيا عن ازمنة الجهل} (أع  17 : 30). لان الله رحوم { لكنك ترحم الجميع لانك قادر على كل شيء وتتغاضى عن خطايا الناس لكي يتوبوا} (حك 11 : 24) ولهذا يدعونا للرجوع والفرح بالخلاص { لأعطيهم جمالا عوضا عن الرماد ودهن فرح عوضا عن النوح ورداء تسبيح عوضا عن الروح اليائسة فيدعون اشجار البر غرس الرب للتمجيد }(اش 61 : 3).

موقف المسيحية من الخمر...

لقد علمنا السيد المسيح أنه ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان بل ما يخرج من الفم من شرور ومن القلب من خطايا ذاك الذي ينجس الإنسان { ألا تفهمون بعد ان كل ما يدخل الفم يمضي الى الجوف ويندفع الى المخرج. وأما ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر وذاك ينجس الانسان. لان من القلب تخرج أفكار شريرة قتل زنى فسق سرقة شهادة زور تجديف. هذه هي التي تنجس الإنسان وأما الأكل بأيد غير مغسولة فلا ينجس الإنسان.} (مت 17:15-20). المادة والخمر فى ذاتها ليس حرام أو نجاسة لكن عندما تسيطر على الإنسان و يدمنها أو يسكر بها فهذا هو المحرم، بل من الاشياء التى تمنع من دخول الملكوت. والكتاب المقدس يمنع السكر ونحن نستعمل في الأسرار المقدسة خمر غير مسكرة. وكما يقول الكتاب { كل الاشياء تحل لي لكن ليس كل الاشياء توافق كل الاشياء تحل لي لكن لا يتسلط علي شيء.} ( 1كو 12:6) أن كل الأشياء تحل لي لكن ليس كل الأشياء توافق أو تبني، فلا يجب ان نستعبد لشئ ويتحول الي أدمان لدينا. والعهد الجديد يشير لقضية هامة وهي إن كان أكلي طعام ما يعثر أخي فلن آكله. أي إن كانت قضية شرب الخمر حتى وإن كانت ليست بدافع السُكْرْ ستكون سبب عثرة للآخرين فلا يجب شرب الخمر مطلقاً.

المسيح يشاركنا أفراحنا... لم يتأخر السيد المسيح عن الذهاب والمجاملة فى عرس قانا الجليل بل هو سبب فرحنا ومباركاً افراحنا ومشاركا فيها متى كانت مقدسة. المشاركة فى الفرح أو الاحزان هي اروع صور المحبة، وخاصة تلك التى يُبذل فيها تعب، وقد كرم الرب الزواج الذى جعله من أسرار الكنيسة. وهنا تظهر محبة العذراء وأمومتها، فى إحساسها باحتياج من حولها دون أن يطلبوا. فيبدو أن عدد الذين حضروا إلى العُرس كان أكثر جدا مما كان متوقعا، ففرغت الخمر المعدّة، وهي عصير العنب، المختمر طبيعيا، دون تقطير أو إضافة كحول، وأسرعت العذراء، بحب، تطلب من المسيح إنقاذ أهل العُرس من هذا الحرج. ولم يكن فى تدبير الرب يسوع المسيح بدء معجزاته وبشارته في ذلك الوقت لكنه صنع المعجزة اكراما للقديسة مريم واستجاب لشفاعتها. ويظهر إيمان العذراء فى أن المسيح يقبل شفاعتها، فى طلبها من الخدام أن يعملوا كل ما يأمرهم به. وقد قالت القديسة مريم للخدام { مهما قال لكم فافعلوه }(يو  2 :  5) وهي توصينا ايضا ان نفعل وصايا الله لتحل بركته ومحبته فى قلوبنا ويثبت فرحه فينا.

 أول معجزات الرب يسوع ...

 كان فى البيت ستة أجران، أى أحواض كبيرة، يملأونها ماءً ليغتسلوا به فى التطهيرات اليهودية حسب الناموس، وكل جرن يسع حوالى 80 لترا. وقال المسيح للخدام أن يملأوها بالماء تماما، ثم أمر أن يقدموا لرئيس الحفل. فلما ذاق الماء المتحول إلى خمر، شعر أنه من النوع الجيد، فعاتب العريس لتقديمه الخمر الجيدة فى النهاية، والأقل جودة فى البداية، ولم يكن يعلم أن الخمر الثانية قد تحولت من الماء. وشعر الخدام، بل وكل الذين فى الحفل بعد ذلك، أنهم أمام معجزة عظيمة، فهى معجزة خلق، إذ خلق المسيح من الماء مادة جديدة لم تكن موجودة. هذه أول معجزات المسيح، وتعتبرها الكنيسة أحد الأعياد السيدية الصغيرة. فلنسأل الرب ان يبارك حياتنا ويفرحنا بعمل روحه القدوس لاسيما حياة كل اسرة لتكون نواة مقدسة كنيسة الله التى اقتناها بدمه الكريم.

الاستعداد  للاتحاد بالعريس السماوي ...

+ ابوته الله لنا ومغفرته لخطايانا وسعيه لخلاصنا ورعايته الدائمة وسعيه للشركة والاتحاد بنا يجب ان تقابل منا بالوفاء والإخلاص له، والإيمان به وبخلاصه، نحن مدعوين للعرس السمائى والاتحاد بالعريس فهل نقبل الدعوة ونتحد  بالعريس السماوي من خلال الرجوع إليه والمحبة والصلاة القلبية والتناول أم نهمل الدعوة ونتهاون عن أمر خلاصنا ونستهين بمحبة من أحبنا وبهذا التهاون واللامبالاة نهلك ونخسر ابديتنا {فكم عقابا اشر تظنون انه يحسب مستحقا من داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قدس به دنسا وازدرى بروح النعمة} (عب 10 : 29).  علينا أذن ان نحرص على قبول دعوة العريس السمائي ونقترب إليه تائبين عن خطايانا ، واثقين من قبوله لنا بل من حرصه على خلاصنا وسعيه للحلول فينا والأتحاد بنا. يجب ان  نسعى إلى محبة عريس نفوسنا  بنفس راغبة  ونعد أنفسنا للعرس السماوى والاتحاد من الان بالعريس . ان الله القدوس يريد نفوس طاهرة تحبه وتنفتح على معرفته الحقيقية ، الله يريد منا القلب والمحبة ويقول لنا { يا ابني اعطني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي}  (ام  23 :  26). ويريد الله ان نرجع اليه ونخلص فى محبته بطهارة وبر ، وهو يريد ان يهبنا الفرح الدائم والكامل والشبع والارتواء { لانه كما يتزوج الشاب عذراء يتزوجك بنوك وكفرح العريس بالعروس يفرح بك الهك}  (اش  62 :  5).

إيماننا بالله وخلاصة وملكوته .. إن الإيمان هو الثقة بالله وتصديق مواعيده ، الإيمان هو صلة بالله وحياة معه  كما سار رجال الله القديسين مع الله {مخافة الرب أول ومحبته والإيمان أول الاتصال به} (سير  25 :  16) الإنسان البار بالإيمان يحيا مع الله ويطيعه ويصدق مواعيده .وان كان الإيمان يقوم على عقائد محددة أعلناها لنا الإنجيل المقدس وسارت عليها الكنيسة عبر تاريخها كما سلمه لها الاباء القديسين لكن الإيمان يحتاج منا لحياة وفقاُ لمعتقداتنا السليمة والتى صنعت القديسين. نعم نؤمن بالله وابوته ، فهل نحيا كابناء وبنات له ، نؤمن بخلاصة ونعترف بفدائه  ونشهد لها بسلوكنا وأقوالنا وأفكارنا ؟ . نحن نؤمن بروحه القدوس  فهل ننقاد لقيادته ونتعلم منه؟ وهل  نتحرك بهدايته ونشاركه معنا فى كل عمل صالح ؟. نؤمن بالكنيسة المقدسة فهل نحن فيها أعضاء مقدسة ؟ . نؤمن بقيامة الأموات فهل نعد أنفسنا لقيامة الصديقين والابرار ؟.  نؤمن بحياة الدهر الآتى ، فهل نعد أنفسنا للحياة الدائمة مع الله ؟ .

ورثة الملكوت السماوى ...  

لاننا ابناء وبنات لله فنحن ورثة ملكوت السماوات الذي شبهه الرب الدخول اليه بالعرس الروحى الذى نفرح فيه بالمجد والحياة الملائكية {حينئذ يشبه ملكوت السماوات عشر عذارى أخذن مصابيحهن وخرجن للقاء العريس} (مت 25 : 1) الملكوت السماوى يا أحبائي ليس أكلا وشرب {لان ليس ملكوت الله اكلا وشربا بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس}(رو 14 : 17). الحياة فى السماء هى حياة ملائكية نفرح فيها بالمحبة الإلهية ونسبح الله شاكرين لنعمته ونمتد فى المعرفة وننمو فى المحبة ونفرح بالنصرة والتتويج  كما أكد على هذا رب المجد { لانهم متى قاموا من الاموات لا يزوجون ولا يزوجون بل يكونون كملائكة في السماوات} (مر 12 : 25).

أنت يارب فرحي  الدائم ...

 + الهى  يا من خطبت نفوسنا لتكون فى أتحاد روحى دائم بك ومعك ، انت ينبوع حبي ومصدر فرحتى وسعادتى وسرورى ، انت العريس الحقيقي والدائم والوفى لكل نفس تعرفك وتحبك . نعم يارب أريد ان أحيا معك حياة الفرح والامتلاء والسلام والتسبيح .

+ تدعونا يارب للحياة السعيدة والمطلوبة والمباركة ولكن نحن نبتعد عنك يا واهب السعادة والفرح والمحبة  ولانك حباُ فانت مستمر فى السعى الى خلاصنا وإعلان دعوتك لنا للدخول الى الحياة الملائكية السعيدة ولو حتى ان اتينا فى الهزيع الأخير. يا قابل توبة الخطاة أقبل توبة شعبك الصارخين لك ليلاً ونهاراُ ، الراجعين اليك بكل قلوبهم، لتلبسهم رداء البر وثياب الخلاص، فيفرح بك شعبك .

+ أعطى يارب لكنيستك مجد بهاء اتحادها بك وأقتنينا لك يالله لأننا لا نعرف أخر سواك. اسمك القدوس هو قد دعى علينا. لتكون كنيستك ونفوسنا كعروس مزينة لعريسها، لا يشوبها عيب ولا دنس بل أغسلنا من خطايانا بدمك الثمين وكن لنفوسنا طهراً وخلاصنا وقداسةً لنستحق ان نوجد بلا لوم أمامك فى اليوم الأخير ، أمين.

الأحد، 17 يناير 2021

تأملات في عيد الظهور الإلهي -2 بركات المعمودية وثمارها الروحية


للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى

عيد الظهور الإلهي وثماره في حياتنا...
1- المعمودية موت وقيامة مع المسيح ..  في عيد الغطاس تأسس سر المعمودية بعماد مخلصنا الصالح ودعوة لنا لضرورة المعمودية التي هي  موت ودفن الإنسان العتيق وشهواته وقيامة معه في جدة الحياة والجهاد الروحي تسنده نعمة الروح القدس ولذلك يقول الكتاب المقدس { أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضا في جدة الحياة.} (رو 6: 35). في المعمودية نموت عن الخطية مع المسيح ويولد وينمو فينا الإنسان داخلي لنقوم خليقة جديدة في المسيح وعلينا ان نهتم بتغذية أرواحنا يوما فيوم وكما يقول السيد المسيح { فأجابه يسوع قائلا مكتوب ان ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة من الله }(لو  4 :  4). المعمودية لا تلغي حريتنا لنصنع الخير أو الشر ولكن بالمعمودية يحررنا المسيح من الطبيعة الخاطئة ولا يجوز أن نعود لعبودية إبليس والخطية مرة أخرى. كما يقول القديس بولس الرسول { مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضا معه} (كو 2: 12).  والدفن لا يتم برش التراب على الميت، بل بوضع المتوفى تحت التراب. وحيث أن المعمودية دفن، فلابد أن يغمر المعمد تحت الماء، لكي يموت الإنسان العتيق ويحيا الإنسان الجديد. ولذلك ندفن في المعمودية بالتغطيس. ونخرج من رحم الكنيسة من جديد وكلمة معمودية أي صبغة  baptism  أي أن إنسانًا يدخل في الماء ويخرج مصطبغ بلون جديد. مثل قماشة تأخذ صبغة معينة من هذا يتأكد لنا أن المعمودية لابد أن تتم بالتغطيس وليس بمجرد الرش. كمعمودية المسيح: { فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء}(مت 3: 16). وفى تعميد خصي الحبشي تعمد بالتغطيس وصعد من الماء {فأمر أن تقف المركبة فنزلا كلاهما إلى الماء فيلبس والخصي وعمده ولما صعد من الماء خطف روح الرب فيلبس }(أع 8: 39). تتم المعمودية بالتغطيس ثلاث دفعات في الماء كمثال الثالوث، يتضح ذلك من قول رب المجد يسوع لتلاميذه {وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس} (مت 28: 19). ولان المعمودية ولادة روحية، فيولد الإنسان مرة واحدة فلا تعاد معمودية المؤمن لأن المعمودية موت مع المسيح وقيامة معه فلا تحدث سوى مرة واحدة للمسيح. كما نقول في قانون الإيمان "ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا". الذي اعتمد مرة لا يمكن أن يعاد معموديته حتى لو ضعف وأخطأ أو حتى أنكر المسيح، فعندما يتوب لا تعاد معموديته، بل يكتفى بالتوبة والاعتراف والتناول.

2- المعمودية ولادة وخليقة جديدة ... في المعمودية يحل الروح القدس على ماء المعمودية ويقدسها ويعطيها القدرة الولادة  لذلك قال الرب يولد من الماء والروح. ونلاحظ أن الأب الكاهن يسكب الميرون على الماء على شكل الصليب  ليحل الروح القدس على الماء لكي يهبه القدرة على الولادة ويسكب الكاهن الميرون علي شكل صليب لكي يأخذ الروح القدس مما للمسيح ويعطينا. ويخبرنا بطريقة الخبرة وليس الإخبار أي المعرفة. المعمودية تجعل المعمد خليقة جديدة في المسيح { إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. فالأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديدًا}(2كو5: 17). الذي يحدث في المعمودية هو إقامة من الموت. نموت مع المسيح ونقوم معه. ويفقد الشيطان سلطانه على النفس المؤمنة وتخرج من مملكة الشيطان وتدخل في مملكة الله. ولذلك يجحد المعتمد قبل التغطيس الشيطان أو يكفر بكل أفكاره واعماله النجسة، وعند جحد الشيطان ينظر الإنسان إلى الغرب. لان الغرب إشارة للظلمة والهلاك والموت كما ان الاتجاه الي الشرق  والاعتراف والإقرار بالايمان المسيحي يدخلنا إلى النور والخلاص والحياة. ويولد الإنسان الجديد الذي يتجدد حسب صورة خالقه بلا خطية. المعمودية تجديد وولادة من الماء والروح لذلك يلبس المعمد الملابس البيضاء وفوقها الزنار الأحمر. لكي نعلن أن النقاء الذي أخذه الطفل المولود من الماء والروح هو بفعل دم المسيح ويلبس الثوب الأبيض وفوقه الزنار الأحمر نقول حبيبي أبيض وأحمر كما قالت عروس النشيد على المسيح. فيكون على  صورة المسيح الكامل في نقائه وفاعلية الفداء. والزنار يربط من فوق الكتف الأيمن إلى تحت الإبط الأيسر. لماذا؟ لأن المسيح ردنا من التدبير الشمالي والبعد عنه وجعلنا قريبين منه فهذه قيمة دم المسيح أو الخلاص الذي تممه السيد المسيح.

ثالثا المفاعيل الروحية لسر المعمودية

 المعمودية تهب المعمدين مفاعيل روحية كثيرة يتمتع بها المعمد الذي  يعيش في عهد مع الله لنكون أبناء وبنات لله ونحيا كما يحق لإنجيل المسيح.

1: غفران الخطايا والخلاص والتبرير ...هذا ما وضحه معلمنا بطرس الرسول بقوله: { توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا..} (اع 2: 38). بالمعمودية تغفر الخطية الموروثة من آدم وتسمى بالخطية الجدية أو الأصلية، كما يقول الكتاب { بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت} (رو 5: 12). بالتوبة و الإيمان والمعمودية تغفر الخطايا التي ارتكبها الشخص الكبير قبل أن يقبل سر المعمودية. بالإيمان والمعمودية نحصل على الخلاص {من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن}(مر 16:16). {خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس} ( تي 5:3). {الذي مثاله يخلصنا نحن الآن أي المعمودية لا إزالة وسخ الجسد بل سؤال ضمير صالح من الله}(1بط 21:3). فالمعمودية تهب المعمد الخلاص من عقوبة الخطية ومن قوتها حتى لا نستعبد للخطية والموت الأبدي بل ينال قوة روحية تمكنه من حياة النصرة والغلبة في المسيح يسوع. ونتبرر بالنعمة لنصير أهلا الحياة الأبدية { خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا حتى إذا تبررنا بنعمته نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية} (تي 3: 57). والتبرير معناه إعطاء البراءة للمذنب ليس لأنه لم يخطئ، بل لأنه قد افتدى بدم المسيح.

 2- المعمودية والبنوة والاستنارة .. بالمعمودية نولد من فوق كأبناء الله بالتبني {لأنكم جميعا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح.} ( غل 26:3). إن المعمودية تعتبر ميلادا جديدا من الله، إذن فهي تعطي بنوة جديدة أي يصبح المعتمد ابنا لله. ويشرق علينا نور الإيمان وننمو في معرفة ربنا يسوع المسيح وحقائق الإيمان المسيحي وسرّ التجسّد والفداء ونحيا أسرار الكنيسة ونجاهد برجاء منتظرين المجيء الثاني وقيامة الأموات وحياة الدهر الآتي.

والمعمودية تهبنا استنارة روحية وتنقلنا إلى مملكة المسيح فى النور وهي موت مع المسيح وقيامة معه كأبناء النور { ولكن تذكروا الأيام السالفة التي فيها بعدما أنٌرتم صبرتم على مجاهدة آلام كثيرة} (عب 3:10). هكذا المولود أعمي عندما أغتسل في بركة سلوام أتي بصير واستنار عقله ووبخ اليهود على عدم إيمانهم بمن فتح عينيه. المعمودية تهب استنارة بالروح المسيح وينير إنساننا الداخلي و ننال مغفرة للخطايا ويحل المسيح فينا { لأن الذى قال أن يشرق نور من ظلمة، هو الذى أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح} (2كو6:4). المعمودية تعطي استنارة وحكمة وتمييز فيكون لنا الإيمان العامل بالمحبة ونعرف مجد ميراثنا فيه { مستنيرة عيون أذهانكم لتعلموا هو رجاء دعوته وماهو مجد ميراثه في القديسين وما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين، حسب عمل شدة قوته} ( أفس 18:1-19). فالمعمودية هي سرُّ إنارة المؤمن، ومن هنا فهي تُسمَّى سرَّ الاستنارة.

3- المعمودية و التقديس والتطهير ..

نتقدس بالرشم بالميرون لنكون هيكلاً لله { كما أحب المسيح أيضا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها لكي يقدسها مطهرا إياها بغسل الماء بالكلمة لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن أو أي شيء من مثل ذلك بل تكون مقدسة وبلا عيب}(أف 5: 2527). التقديس يعني إعطاء الصحة الروحية السليمة، القداسة في أصل الكلمة اليوناني هي الصحة السليمة الخالية من الأمراض. وليس معنى القداسة أنها العصمة من الخطية، فالإنسان يظل معرض للسقوط في الخطية طيلة أيام حياته على الأرض. تمام كالشخص السليم صحيا، يكون معرضا للإصابة بالأمراض. ولكنه يسعى للشفاء ليستعيد صحته. فما ينطبق على الجسد ينطبق أيضا على الروح. فلنطلب دائما من الله ان يعطينا البصيرة الروحية لنحيا كابناء وبنات مقدسين ومكرسين حياتنا لله لنعرفه ونعبده بالروح والحق ونتدرج في معرفة الله حسب نمونا الروحي ومقدرتنا على المعرفة والحبّ { إِذْ لَمْ تَأْخُذُوا رُوحَ الْعُبُودِيَّةِ أَيْضاً لِلْخَوْفِ بَلْ أَخَذْتُمْ رُوحَ التَّبَنِّي الَّذِي بِهِ نَصْرُخُ: «يَا أَبَا الآبُ!»}(رو 8 : 15). { فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَداً فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضاً وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ. إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضاً مَعَهُ }(رو 8 : 17).  نطلب كأبناء فنأخذ ونسأل فيعطى لنا ونقرع ويفتح لنا. ونصلي ليجدد الروح القدس طبيعتنا و يهبنا حياة مقدسة غير فاسدة تستطيع أن تقاوم الشر والخطية. ويقصد بالتطهير التنظيف من أدران الخطيئة وفسادها الداخلي. ويكتسي المعمد ببر المسيح فيغطيه بثوب خلاصة ورداء بره، كما يقول النبي {فرحا أفرح بالرب، تبتهج نفسي بإلهي، لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص، كساني رداء البر} (أش 61: 10)

4- نوال الحياة الأبدية:

المعمودية تؤهل الإنسان للدخول إلى الحياة الأبدية، كما قال الرب يسوع المسيح { إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله}(يو5: 5) {خلضنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح ومخلصنا حتى إذا تبررنا بنعمته نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية} (تى 5:3-7)) {ولدنا ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الأموات لميراث لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل محفوظ في السماوات لأجلكم}( 1بط 3:1-4). فيا لعظم هذه البركات التي يحصل عليها الإنسان عندما يتقبل سر المعمودية ونعمة الحياة الجديدة في المسيح يسوع ويسلك كما يحق لإنجيل ربنا يسوع المسيح.  أما أن تهاون المؤمن ورجع للخطية فعليه بالتوبة والرجوع الي الله . ليستعيد بركات المعمودية وامتداد عملها الخلاصي فينا وما علينا إلا أن نتوب بدموع ونتبع مثال الابن الضال في عودته إلى أحضان أبيه ويقدم توبة لله معترفا بخطاياه شاعرا  بعد أستحقاقه ويأخذ الخاطئ التائب من الأب الكاهن العلاج والحل من الخطايا ويتناول من الأسرار المقدسة ويحيا فى تقوى ومخافة ومحبة الله مجددا عهود معموديته ليجد القبول وينال الغفران وتفرح به السماء وملائكة الله ويؤهل للحياة الأبدية.

 

في عيد الظهور الإلهي نرفع الصلاة

+ أيها الآب القدوس السمائي الذي أعلن لنا عن ذاته وأبوته وبره نرفع صلاتنا لتجعلنا أهلاً لنعمة البنوة والسير في طريق القداسة لنكون قديسين في كل سيرة ونسعى إلى الكمال المسيحي. ونحن نثق في محبتك ولا نتكل علي ذواتنا بل علي نعمتك الغنية ومحبتك الأبدية وصلاحك يا من خلقتنا لأعمال صالحة أعددتها لنسلك فيها.

+ يا يسوع المسيح الهنا، شمس البر و واهب الاستنارة. يا من أعلنت لنا سر الثالوث القدوس وتجسدت وعشت بيننا لتعلمنا المحبة والطريق وتهبنا حياة أفضل لنسلك في النور والحق وتكون لنا الحياة. نشكرك يا حامل خطايا العالم ونطلب من صلاحك أن تغفر خطايانا وتمحو آثامنا وتقودنا في طريق البر و كقائد نصرتنا بك ومعك نرث الحياة الأبدية مع كافة قديسيك.

+ يا روح الله العامل في الكنيسة وأسرارها، الغني فى طبيعته، واهب النعمة والمواهب وثمار الروح، دعنا ننقاد بحكمتك وننمو في النعمة وفي معرفة مشيئة الله الصالحة ونثمر ثمار الروح ورائحة المسيح الذكية منا تفوح، ونكون بحق أبناء لله الآب ونعيش بالتقوى في العالم الحاضر، أمين.

  

السبت، 16 يناير 2021

تأملات في عيد الظهور الإلهي -1

للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى

عيد الظهور الإلهي

+ لقد اشتهى الانبياء مجي الله متجسدا لخلاص البشرية { ليتك تشق السماوات وتنزل من حضرتك تتزلزل الجبال} (اش 64 : 1). وها السموات تنشق في عيد الظهور الإلهي والرب يسوع المسيح الإبن الكلمة المتجسد يعتمد من يوحنا المعمدان والآب القدوس يعلن سروره بالابن ويحل الروح القدس علي السيد المسيح في نهر الأردن معلنا تكريس الإبن الوحيد ذاته من أجلنا ليقدسنا فيه من خلال عماده في نهر الأردن ويرسم لنا طريق الخلاص ومغفرة الخطايا { وللوقت وهو صاعد من الماء راى السماوات قد انشقت والروح مثل حمامة نازلا عليه } (مر1 :10). في هذا العيد انفتحت فيه السماء على على الارض لتعلن رضا الآب القدوس ومسرته بالبشرية المتمثلة فى الابن الكلمة المتجسد ومن خلاله رضاه علي المؤمنين باسمه{ وصوت من السماوات قائلا هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت }(مت 3 :17). ولقد سمى العيد بعيد الغطاس لان السيد المسيح فيه غطس فى ماء الاردن معتمدا من يوحنا وهو القدوس الذى بلا خطية ولهذا رفض يوحنا المعمدان اولا بلباقة ان يعمده { ولكن يوحنا منعه قائلا انا محتاج ان اعتمد منك وانت تاتي الي} (مت3:14). لقد أكمل السيد المسيح فى تواضع ووداعة كل بر واتى ليعتمد معمودية التوبة نائبا عن البشرية الخاطئة وممثل لها ولكي يرسم لنا طريق الخلاص كحامل لخطايا العالم، لهذا قال الرب ليوحنا المعمدان { اسمح الان لانه هكذا يليق بنا ان نكمل كل بر حينئذ سمح له } (مت3:1).

+ عاش يوحنا المعمدان ناسكا عابدا لله فى صحراء اليهودية حتى بدأ رسالته فيها ليعمد ويدعو الى التوبة وغايته القصوى اعلان مجئ ابن الله الذى سيعمد بالروح القدس ويحمل خطايا العالم { وَفِي الْغَدِ نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ، فَقَالَ: «هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ! هَذَا هُوَ الَّذِي قُلْتُ عَنْهُ: يَأْتِي بَعْدِي، رَجُلٌ صَارَ قُدَّامِي، لأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي. وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ. لَكِنْ لِيُظْهَرَ لإِسْرَائِيلَ لِذَلِكَ جِئْتُ أُعَمِّدُ بِالْمَاءِ» وَشَهِدَ يُوحَنَّا قَائِلاً: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الرُّوحَ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ مِنَ السَّمَاءِ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ. وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ، لَكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي لأُعَمِّدَ بِالْمَاءِ، ذَاكَ قَالَ لِي: الَّذِي تَرَى الرُّوحَ نَازِلاً وَمُسْتَقِرّاً عَلَيْهِ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هَذَا هُوَ ابْنُ اللَّهِ»} (يو 29:1-34).

عيد الانوار...

+ فى عيد الظهور الإلهي استعلن لنا النور الحقيقي الذى ينير لكل انسان يقبل للنور ويؤمن به ويسير فيه { فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس. والنور يضيء في الظلمة والظلمة لم تدركه. كان انسان مرسل من الله اسمه يوحنا. هذا جاء للشهادة ليشهد للنور لكي يؤمن الكل بواسطته. لم يكن هو النور بل ليشهد للنور. كان النور الحقيقي الذي ينير كل انسان اتيا الى العالم. كان في العالم وكون العالم به ولم يعرفه العالم}( يو 4:4-10). ان الظلمة المقصودة هنا،هي ظلمة الخطية بالسقوط وظلمة العقل بالجهل وعدم معرفة الله التى تقود للهلاك { قد هلك شعبي من عدم المعرفة }(هو 4 : 6) ألم يقل الكتاب { لانكم كنتم قبلا ظلمة واما الان فنور في الرب اسلكوا كاولاد نور }(اف 5 : 8). ولهذا نرى السيد المسيح يرد على مقاوميه عند ما فتح عيني المولود اعمي عندما قاوموا عمله الخلاصي واغلقوا عقولهم واعينهم وادعوا المعرفة { فقال يسوع لدينونة اتيت انا الى هذا العالم حتى يبصر الذين لا يبصرون ويعمى الذين يبصرون. فسمع هذا الذين كانوا معه من الفريسيين وقالوا له العلنا نحن ايضا عميان. قال لهم يسوع لو كنتم عميانا لما كانت لكم خطية ولكن الان تقولون اننا نبصر فخطيتكم باقية} (يو39:9-41). لقد استنارت قلوب المؤمنين فى عيد الانوار باستعلان الثالوث القدوس الاله الواحد فالاب من السماء يعلن مسرته بالابن الكلمة المتجسد والابن يعتمد فى نهر الاردن والروح القدس مثل حمامة مستقرا عليه. وهذا ما علمه الرب يسوع المسيح لتلاميذه وبشروا به فى كل مكان وأمنا به ونعيشه بالروح والحق كخبرة إيمانيه يوميه وبه نثق اننا نخلص { فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الاب والابن والروح القدس. وعلموهم ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به وها انا معكم كل الايام الى انقضاء الدهر امين} (مت 19:28-20) وهؤلاء الثلاثة هم واحد { فان الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الاب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد } (1يو 5 : 7). إن بنوة المسيح يسوع لله الآب هي بنوة روحية أزليه أبدية كولادة النور من النور{ ايها الاب اريد ان هؤلاء الذين اعطيتني يكونون معي حيث اكون انا لينظروا مجدي الذي اعطيتني لانك احببتني قبل انشاء العالم} ( يو 17 : 24). وقد اعلنت هذه البنوة الازلية من قبل الملاك { فاجاب الملاك وقال لها الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك ايضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله} (لو 1 : 35). واعلنا السيد المسيح فى طفولته فى الهيكل{ الم تعلما انه ينبغي ان اكون فيما لابي } (لو 2 : 49). واعلنا السيد المسيح بوضوح فى بشارته { انا والاب واحد } (يو 10 : 30). اما انه المسيح قد لقب ايضا "ابن الانسان" فلانه تجسد وتأنس فى ملء الزمان من القديسة مريم البتول { والكلمة صار جسدا وحل بيننا وراينا مجده مجدا كما لوحيد من الاب مملوءا نعمة وحقا} (يو 1 : 14). لقد تجسد الابن الكلمة وصار مسيح للعالم كله ولكل انسان ليحتضن البشرية بالمحبة والتواضع ويعلن لها محبة ومعرفة الآب وغفرانه ويقودها للخلاص والحياة الابدية { عرفتهم اسمك وساعرفهم ليكون فيهم الحب الذي احببتني به واكون انا فيهم} (يو 17 : 26). ولهذا اوصى السيد تلاميذه باعلان بشري الخلاص للخلقة كلها{ وقال لهم اذهبوا الى العالم اجمع واكرزوا بالانجيل للخليقة كلها. من امن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن}( مر15:16-16).

لماذا أعتمد السيد المسيح ؟

+ أعتمد السيد المسيح من يوحنا المعمدان  كممثلا ونائب عنا وأكمل السيد المسيح فى تواضع ووداعة كل بر واتى ليعتمد معمودية التوبة نائبا عن البشرية الخاطئة ولكي يرسم لنا طريق الخلاص كحامل لخطايا العالم. كان الشعب يذهبون ليعتمدوا بمعمودية التوبة لغفران الخطايا في نهر الأردن، وذهب معهم السيد المسيح في اتضاع عجيب، ضمن جموع التائبين الذين يغتسلون بالماء من خطاياهم، مع أنه لم يفعل أية خطية. هنا ونشير إلى حقيقة أن الغفران بذبائح العهد القديم أو بمعمودية يوحنا غفرانًا ينتظر ذبيحة صليب السيد لمسيح وفاعليتها، إذ لم ينتقل البشر من الموت إلى الحياة، ومن الجحيم إلى  الفروس إلا بعد إتمام الفداء على الصليب. ذهب مخلص العالم البار القدوس الذي بلا خطية وحده، ليُحسب في نظر الناس مع الخطاة والتائبين الذين يغتسلون من خطاياهم، مثلما قيل عنه {وأحصى مع أثمة} (إش53: 12). لقد حمل الرب يسوع المسيح خطايانا، وقبل ذلك بكل اتضاع لكي نحمل نحن الخطاة صورة بره وقداسته وكماله.

+ ويجيب القديس يوحنا ذهبي الفم عن لماذا أعتمد السيد المسيح ويقول " كان يوحنا يعمد اليهود لمغفرة الخطايا، فلماذا نال يسوع المعمودية؟ وما هي المعمودية التي نالها؟ من الأكيد أن المسيح لم يكن بحاجة الى معمودية يوحنا، فهو "الذي لم يصنع خطيئة ولم يوجد في فمه مكر" (1 بطرس 2: 22). ويسوع تحدّث عن نفسه فقال: "مَن منكم يثبت عليَّ خطيئة؟" (يوحنا 8: 46). فاذا كان المسيح أتى الى يوحنا لا لطلب غفران الخطايا، فلماذا طلب ان يعتمد إذًا؟ هذا العماد شرحه سفر الأعمال بهذا القول: "ان يوحنا عمّد بمعمودية التوبة مخاطبًا الشعب بأن يؤمنوا بالذي يأتي بعده أي بيسوع المسيح" (اعمال 19: 4). إذاً كان من الضروري ان يبشَّر بالمسيح من بيت الى بيت، وأن تتمّ الدعوة لقضيته في كل مكان ومنطقة، وأن يجري التعليم في المجامع بأن يسوع هو ابن الله مخلّص العالم. لقد استفاد يوحنا من زحف الجموع من كل المدن والقرى، وقال كلمته: "هذا حَمَلُ الله"، "الذي يأتي بعدي كان قبلي وهو أقوى مني". وجاء التثبيت من العلاء بصوت الآب وشهادة الروح القدس الذي ظهر بهيئة حمامة. فالآب أراد أن يعلن هو نفسه عن ابنه للبشر. وهذا ما عبَّر عنه يوحنا المعمدان بقوله: "الذي أرسلني لأعمّد قال لي...الذي ترى الروح نازلاً عليه هو..". أما السبب الثاني لمعمودية يسوع فقد أشار اليه يسوع نفسه، وذلك عندما قال ليوحنا "...يجب أن نكمل كل برّ" (مرقس 13: 14). ما هو البر؟ هو تتميم كل وصايا الله. بهذا المعنى قال لوقا البشير عن زكريا وأليصابات: "كانا كلاهما بارّين أمام الله سالكين في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم" (لوقا 1: 6). وبما ان كل إنسان يلتزم بتكميل كل بر، لهذا جاء المسيح وأكمله. فالمسيح أطاع النبي يوحنا وأطاع شريعة الختان وتقدمة الذبائح، وحفظ شريعة السبت والأعياد اليهودية... وهذه كلها برّ".

+ أكمل السيد المسيح كل بر عن طريق تتميم الناموس لان الناموس يظهر الخطية ولكن لا يبرر منها فمعمودية التوبة ترمز لمحاولة التبرير من مخالفات الناموس. فالمسيح من خطوات اكمال الناموس في جسده تعمد لكي وأكمل كل بر. وأعلن قبوله لمهمته الخلاصية أي موته فالمعمودية هي موت مع المسيح، فالمسيح بمعموديته يعلن أنه يقبل هذا الموت وأنه سيقوم بعد موته لان المعمودية فيها موت وقيامة، وأنه يطيع حتى الموت موت الصليب. المعمودية هي مثال لسر موته وقيامته. المعمودية هي اعلان حب. باتحادنا مع المسيح فنحيا بحياته فيستخدم اعضاءنا كالات بر، فنعمل اعمال بر.

+ أعتمد السيد المسيح لكي يرسم لنا طريق الخلاص والولادة الجديدة من الماء والروح القدس لهذا قال لنيقوديموس{ الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ» قَالَ لَهُ نِيقُودِيمُوسُ: «كَيْفَ يُمْكِنُ الإِنْسَانَ أَنْ يُولَدَ وَهُوَ شَيْخٌ؟ أَلَعَلَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ بَطْنَ أُمِّهِ ثَانِيَةً وَيُولَدَ؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوح} (يو 3:3-6). لقد رسم لنا الرب يسوع بعماده طريق المصالحة والتي بدات بتجسده لتتم المصالحة على عود الصليب ثم بالقيامة. ونلاحظ أنه في آدم فقد الانسان علاقته بالله وحدثت فاصل بينه وبين الله ولكن قبول السيد المسيح للروح القدس فى معموديته لحسابنا وهو آدم الثانى وحل الروح القدس عليه كما يحل علي ماء المعمودية وتصير المعمودية لنا موت وقيامه معه

+ كان الكهنة قديما في سن الثلاثين وهي  بدء عملهم الكهنوتي يغتسلون بماء علي مثال معمودية التوبة { وتقدم هارون وبنيه الي باب خيمة الاجتماع وتغسلهم بماء}(عد 4:29) ومعمودية السيد كانت اعلان لبدء خدمة المسيح الكهنوتيه فهو رئيس كهنة الخيرات العتيدة، الذي جاء وقدم نفسه ذبيحه عنا. كما يوجد في الفكر اليهودي نوع أخر من الأغتسال يتم قبل الزفاف فتذهب العروس الي المعمودية التي تسمى ميكفا لمياه جارية وتتعمد وتعتبر حياتها القديمة انتهت وتبدأ حياه جديدة مع عريسها. والكنيسة لابد ان تتعمد وتبدأ حياة  جديده مع عريسها المسيح. ولهذا المسيح أيضا بنزوله الي المعمودية اعد المعمودية لعروسه الكنيسة بانه اعد ينبوع مياه لتتخلص من حياتها القديمة وتعتبر حياتها القديمة انتهت وتبدأ حياه جديدة مع المسيح.  .

+ اعتمد السيد المسيح أيضا لكي يقدس الماء ويفتح أبواب السماء لقد قدس الماء بعماده ليعد لنا التقديس والتبني بالنعمة، لقد طهر ماء المعمودية باصطباغه في نهر الأردن، واعد لنا الروح القدس لتطهيرنا وتبريرنا باعتمادنا باسمه القدوس .فماء المعمودية قبل عماد رب المجد يسوع لم يكن له الفاعلية في تجديد النفس، لذلك نسمع يوحنا المعمدان يقول {أنا أعمدكم بماء التوبة لكن  يأتي بعدي من هو أقوي مني الذي لست مستحقاً أن انحني واحل سيور حذائه هو يعمدكم بالروح القدس ونار}. أما بعد عمليه عماد الرب صار للماء قوته وفاعليته النارية لذلك يقول القديس غريغوريوس النزينزي ) كما أن في أحشاء الأم قوه لمنح الحياة الجسدية، هكذا ماء المعمودية قد نال قوه لمنح الحياة الروحية).

+  لقد علم السيد المسيح بضرورة المعمودية للخلاص{ مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ }(مر 16 : 16).  وكما صام عنا هكذا أعتمد كممثل لنا ومارس المعمودية بذاته من يوحنا المعمدان الذى جاء ليعد الطريق أمام الرب ويعلن مجئ ابن الله الذى سيعمد بالروح القدس { وَفِي الْغَدِ نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ، فَقَالَ: «هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ! هَذَا هُوَ الَّذِي قُلْتُ عَنْهُ: يَأْتِي بَعْدِي، رَجُلٌ صَارَ قُدَّامِي، لأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي. وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ. لَكِنْ لِيُظْهَرَ لإِسْرَائِيلَ لِذَلِكَ جِئْتُ أُعَمِّدُ بِالْمَاءِ» وَشَهِدَ يُوحَنَّا قَائِلاً: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الرُّوحَ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ مِنَ السَّمَاءِ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ. وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ، لَكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي لأُعَمِّدَ بِالْمَاءِ، ذَاكَ قَالَ لِي: الَّذِي تَرَى الرُّوحَ نَازِلاً وَمُسْتَقِرّاً عَلَيْهِ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هَذَا هُوَ ابْنُ اللَّهِ»} (يو 29:1-34). ولضرورة المعمودية للخلاص رأينا الرب يسوع المسيح يوصى تلاميذه القديسين قائلاً { اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس} (مت28: 18و19). بل أن السيد المسيح قال لنيقوديموس { الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللَّهِ. قَالَ لَهُ نِيقُودِيمُوسُ: «كَيْفَ يُمْكِنُ الإِنْسَانَ أَنْ يُولَدَ وَهُوَ شَيْخٌ؟ أَلَعَلَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ بَطْنَ أُمِّهِ ثَانِيَةً وَيُولَدَ؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللَّهِ. اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ} (يو 3:3-6). سر المعمودية المقدسة هو المدخل للأسرار المقدسة وأولها. ولهذا منذ العصر الرسولي ومع حلول الروح القدس علي الرسل القديسين راينا القديس بطرس يعظ الداخلين للإيمان أن يتوبوا ويعتمدوا ليقبلوا عطية الروح القدس قالأ { توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا الروح القدس. فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس} (أع2: 3843). كما قام فيلبس بتعميد الرجل الحبشي بعد أن بشره بالمسيح، فقد طلب الخصي بنفسه أن يعتمد إذ قال لفيلبس: {هوذا ماء فماذا يمنع أن أعتمد .. فنزلا كلاهما إلى الماء فيلبس والخصي فعمده.}(أع8: 36و38).

+ في عيد الظهر الإلهي نصلى لله القدير أن يظهر لنا مجد لاهوته وقلوبنا وأذهاننا وأرواحنا ينير، ونعرف الحق والحق يحررنا فلا نحيا في ظلمة الخطية والموت بل ننتقل من عالم الظلمة ونستنير بالايمان ونسلك كابناء النور في الإيمان العامل بالمحبة ونصنع ثمار تليق بالتوبة .

+ نصلي ونجدد مواعيد سر عمادنا ونبتعد عن شهوات العالم ونجحد إبليس وأفكاره وأعماله وحيلة الرديئة والمضلة ونعترف بإيماننا بالله الآب ضابط الكل وأبنه الوحيد ربنا يسوع المسيح وبالروح القدس وبمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا وبالكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية وننظر قيامة الأموات وحياة الدهر الأتي، أمين