للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
ما هي الحياة
الأبدية ...
+
الإنسان يطمح أن تمتد حياته في صحة وخير ولكن مهما طالت الحياة فستنتهي لهذا يرجو
الحياة الأبدية التي وعد بها الله المؤمنين به. الأبدية السعيدة مع الله كهدف وضعه
الله في قلوبنا { صَنَعَ الْكُلَّ حَسَنًا فِي وَقْتِهِ، وَأَيْضًا جَعَلَ
الأَبَدِيَّةَ فِي قَلْبِهِمِ، الَّتِي بِلاَهَا لاَ يُدْرِكُ الإِنْسَانُ
الْعَمَلَ الَّذِي يَعْمَلُهُ اللهُ مِنَ الْبِدَايَةِ إِلَى النِّهَايَةِ. } (جا
٣: ١١). أن نحيا في السماء كملائكة الله للأبد بعد الأنتقال من هذا العالم فى محبة
وفرح وسلام وتسبيح تلك هي الحياة الأبدية التي وعد بها الله محبيه هذا ما
أكد عليه السيد المسيح في حديثه مع الصدوقيين الذين لا يؤمنون بالقيامة { فاجاب
يسوع وقال لهم أليس لهذا تضلون اذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله. لانهم متى قاموا
من الاموات لا يزوجون ولا يزوجون بل يكونون كملائكة في السماوات. وأما من جهة
الاموات انهم يقومون أفما قرأتم في كتاب موسى في أمر العليقة كيف كلمه الله قائلا
انا اله ابراهيم واله اسحق واله يعقوب. ليس هو اله اموات بل اله احياء فانتم اذا
تضلون كثيرا.} (مر 24:12-27). لقد وثق القديسين في وعود الله وأمنوا بكلامه {
اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ
أَبَدِيَّةٌ.} (يو٦: ٤٧). ولم يبحثوا كيف وبأية وسيلة تتحقق مواعيد الله { وَهذِهِ
هِيَ الشَّهَادَةُ: أَنَّ اللهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهذِهِ
الْحَيَاةُ هِيَ فِي ابْنِهِ. مَنْ لَهُ الابْنُ فَلَهُ الْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ
لَهُ ابْنُ اللهِ فَلَيْسَتْ لَهُ الْحَيَاةُ. } (١ يو ٥: ١١، ١٢).
+ ظلت فكرة
القيامة العامة والحياة الأبدية تشغل أفكار الكثيرين، فهي حياة لم يختبرها أحد من
قبل ليروي لنا عنها أو يصفها. وعندما صعد القديس بولس الرسول للسماء ورآها،
لم يجد من الأمور الأرضية ومفردات اللغات البشرية ما يعينه على وصفها فقال: {
وَسَمِعَ كَلِمَاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا، وَلاَ يَسُوغُ لإِنْسَانٍ أَنْ
يَتَكَلَّمَ بِهَا} ( 2كو4:12) وقال عنها { مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ
تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ} ( 1كو 9:2). الحياة
الأبدية أروع من أن يعبر عنها فقال عنها الرب يسوع المسيح { وَهذِهِ هِيَ
الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ
وَحْدَكَ وَيسوع المسيح الَّذِي أَرْسَلْتَهُ} ( يو 3:17). وعندما سئل الرب عن
موعد مجئ ملكوته أجابهم { ولما سأله الفريسيون متى ياتي ملكوت الله اجابهم و قال
لا يأتي ملكوت الله بمراقبة. ولا يقولون هوذا ههنا او هوذا هناك لان ها ملكوت الله
داخلكم.} (لو 20:17-21). فعلينا أّن نحيا ونتذوق الملكوت من الان بالإيمان ونعد
أنفسنا لها غير أنه قد يشكك البعض في الأبدية كما قال الكتاب { أَنَّهُ سَيَأْتِي
فِي آخِرِ الأَيَّامِ قَوْمٌ مُسْتَهْزِئُونَ، سَالِكِينَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ
أَنْفُسِهِمْ، وَقَائِلِينَ: أَيْنَ هُوَ مَوْعِدُ مَجِيئِهِ؟ لأَنَّهُ مِنْ حِينَ
رَقَدَ الآبَاءُ كُلُّ شَيْءٍ بَاق هكَذَا مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ} ( 2بط
3:3-4).
+ يوم
الدينونة يفصل المسيح الديان بين الأبرار والأشرار ويعطي كل واحد حسب أعماله وبقدر
ما تكون سيفرح المؤمنين ستكون صرخة الرعب للأشرار. فسيفصل الله بين الفريقين
في لحظة، دون أن يكون هناك مجالًا للتأجيل أو المرافعة أو الترجي أو الاستئناف {
وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ
الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ.
وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ
كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ الْجِدَاءِ. فَيُقِيمُ الْخِرَافَ عَنْ
يَمِينِهِ وَالْجِدَاءَ عَنِ الْيَسَارِ. ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ
يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ
لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ
فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيباً فَآوَيْتُمُونِي.عُرْيَاناً فَكَسَوْتُمُونِي.
مَرِيضاً فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوساً فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. فَيُجِيبُهُ
الأَبْرَارُ حِينَئِذٍ: يَارَبُّ مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعاً فَأَطْعَمْنَاكَ أَوْ
عَطْشَاناً فَسَقَيْنَاكَ؟. وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيباً فَآوَيْنَاكَ أَوْ
عُرْيَاناً فَكَسَوْنَاكَ؟.وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضاً أَوْ مَحْبُوساً
فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟. فَيُجِيبُ الْمَلِكُ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا
أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هَؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ فَبِي
فَعَلْتُمْ.«ثُمَّ يَقُولُ أَيْضاً لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي
يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لِإِبْلِيسَ
وَمَلاَئِكَتِهِ.لأَنِّي جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِي. عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِي.
كُنْتُ غَرِيباً فَلَمْ تَأْوُونِي. عُرْيَاناً فَلَمْ تَكْسُونِي. مَرِيضاً
وَمَحْبُوساً فَلَمْ تَزُورُونِي. حِينَئِذٍ يُجِيبُونَهُ هُمْ أَيْضاً: يَارَبُّ
مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعاً أَوْ عَطْشَاناً أَوْ غَرِيباً أَوْ عُرْيَاناً أَوْ
مَرِيضاً أَوْ مَحْبُوساً وَلَمْ نَخْدِمْكَ؟. فَيُجِيبُهُمْ: الْحَقَّ أَقُولُ
لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هَؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ فَبِي
لَمْ تَفْعَلُوا. فَيَمْضِي هَؤُلاَءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَالأَبْرَارُ إِلَى
حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ»} ( مت 31:25-41). ولما كان يتوجب على الجميع المثول قدام
كرسي المسيح وتتم الدينونة في لحظة في طرف عين ويعرف كل إنسان مصيره
ودرجته بمجرد النظر في وجه المسيح مثل مرآة يظهر من خلالها كل شيء، ولن يستطيع
إنسان ما أن يتملَص من العقوبة. فعلينا أن نقدم توبة صادقة عن خطايانا وزلاتنا {
فالله الان يامر جميع الناس في كل مكان ان يتوبوا متغاضيا عن ازمنة الجهل (اع 17 :
30). وعلينا ان نصنع ثمار تليق بالتوبة { فاصنعوا اثمارا تليق بالتوبة (مت 3
: 8). ونستعد بالتوبة والإيمان والسهر الروحي للقاء عريس نفوسنا .
حياة
الإيمان و اختبار الأبدية
+ أن الوعد
بالحياة الأبدية يجب أن نصدقه ونحياة بالإيمان فى وعود الله الصادقة. وحتى عندما
كان القديسين يروا أن الأمور قد تعقدت للغاية بالنسبة لفكرهم البشري، لم يتأثروا
أو يضطربوا، بل احتملوا في سمو ودليلهم على رجاء الحياة الأبدية هو قدرة الذي وعد،
لهذا تقووا في الرجاء { لِنَتَمَسَّكْ بِإِقْرَارِ الرَّجَاءِ رَاسِخًا، لأَنَّ
الَّذِي وَعَدَ هُوَ أَمِينٌ.} (عبر ١٠: ٢٣). علينا نحن أيضاً أن نثق في غنى طرق
الله وحكمته حتى إن بدات المواقف في حياتنا مناقضة لوعود الله وأن كان العالم يركض
الي فيض الخلاعة والدنس فالبار بالإيمان يحيا { لأنه كما كانوا في الأيام التي قبل
الطوفان يأكلون ويشربون ويتزوجون ويزوجون إلى اليوم الذي دخل فيه نوح الفلك ولم
يعلموا حتى جاء الطوفان واخذ الجميع كذلك يكون ايضا مجيء ابن الانسان} (مت
24 :38- 39). الله قادر أن يحقق وعوده وعهوده { وَهذَا هُوَ الْوَعْدُ
الَّذِي وَعَدَنَا هُوَ بِهِ: الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.} (١ يو ٢: ٢٥). إن البار
بالإيمان يحيا ناظرا الي ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الآب { وَنَحْنُ غَيْرُ
نَاظِرِينَ إِلَى الأَشْيَاءِ الَّتِي تُرَى، بَلْ إِلَى الَّتِي لاَ تُرَى.
لأَنَّ الَّتِي تُرَى وَقْتِيَّةٌ، وَأَمَّا الَّتِي لاَ تُرَى فَأَبَدِيَّةٌ.} (٢
كو ٤: ١٨). فإن زادت تجاربك في هذه الحياة فاصبر وأثبت في الإيمان واشكر
الله ولا تتعثر، واعلم أن عناية الله لانهائية، ولا يمكن تفسيرها، وأنها حتمًا
ستبلغ بك إلى الهدف اللائق في هذه الحياة الحاضرة و العتيدة. نقول لمن فقد صبره
وهو يقرأ عن الحياة العتيدة، مشتهيًا أن يرى تحقيق الأمور، أن الحياة الحقيقية
والحقائق الدائمة تنتظرنا في المستقبل. فإن الحياة هنا وأمورها مجرد طريق، أما
مسكننا في الدهر الآتي. أمور الحياة تشبه فصول العام المتغيرة، أما الحياة الأخرى
فكالصخور ثابتة وأتيه وتتحقق. هناك أكاليل وجُعالة أبدية وهناك المكافأة، أما هنا
فنحن في غربة وتجارب وضيقات ستنتهي بالصبر والجهاد لنوال إكليل البر كما يقول
الرسول { قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ
الإِيمَانَ، وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ لِي
فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ، وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ
لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أَيْضًا.} (٢ تيم ٤: ٧، ٨). لهذا بحسب
وعده ننتظر السماوات الجديدة التي يسكن فيها البر { وَلكِنَّنَا بِحَسَبِ وَعْدِهِ
نَنْتَظِرُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً، وَأَرْضًا جَدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا
الْبِرُّ. لِذلِكَ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِذْ أَنْتُمْ مُنْتَظِرُونَ
هذِهِ، اجْتَهِدُوا لِتُوجَدُوا عِنْدَهُ بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ عَيْبٍ، فِي
سَلاَمٍ.} (٢ بط ٣: ١٣، ١٤).
+ ثقوا في
وعود الله الأمينة فان عجلة الزمن تدور، والأبدية قادمة هذا وعد أكيد ، والأبدية
لن تنتهي!. إنها دائرة حب أبدي، فيها نلتقي بالله وبكل الطغمات السماوية و
القديسين الذين سبقونا. فلنترقَّب برجاء هذا اليوم، حيث نتحرر من متاعب الزمان
وتقلباته. وندخل السبت الحقيقي والفرح الدائم الذي لا ينتهي. ونختبر الراحة
في صورة لم يسبق لها مثيل. كما أن أجسادنا ونفوسنا تشارك أرواحنا أمجاد الأبدية
التي لم تخطر علي قلب بشر ، أمين.