للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
مجالات الخدمة ....
فى رسائل القديس بولس إلى أهل رومية والأولى إلى أهل كورنثوس يشير معلِّمنا بولس إلى تعدُّد المواهب في الكنيسة كما يتعدَّد أعضاء الجسد الواحد (رو 12: 4-8، 1كو 12: 12-27)، ويقول إن: «أنواع مواهب موجودة، ولكن الروح واحد. وأنواع خِدَم موجودة، ولكن الرب واحد. وأنواع أعمال موجودة، ولكن الله واحد، الذي يعمل الكل في الكل. ولكنه لكل واحد يُعطَى إظهار الروح للمنفعة} (1كو 12: 4-7). فالله هو العامل بروحه في كل خدمة وعمل مهما تعدَّدت المجالات. كما أن كثيرين مــن الخدام أثـَّروا في حياة الكنيسة وأَثـْروها وتتسع مجالات الخدمة التي يمكن للمسيحي أن يخدم من خلالها الله والمخدومين فى كل مكان ونشير فيما يلي إلى أهمها...
1 - البيت والاسرة والعائلة ....
يأتي البيت والأسرة والعائلة فى دائرة الاهتمام الأولى للخدام من ناحية خدمة الآخر. والرب في إرساليته لتلاميذه بعد قيامته وجَّههم أن يبدأوا بشهادتهم له في أورشليم واليهودية (أع 1: 8)، وهي ما يُقابل على المستوى الفردي المؤمن وبيته وعائلته. ومعلِّمنا بولس الرسول يُشدِّد على خدمة المسيحي لبيته: { وإن كان أحد لا يعتني بخاصته، ولا سيما أهل بيته، فقد أنكر الإيمان، وهو شرٌّ من غير المؤمن} (1تي 5: 8)، لأن نجاح الخادم في خدمة بيته يُساند خدمته خارج البيت. ومن الشروط المطلوبة في الأكليروس بتوليين أو متزوجين فلابد للخادم أن يكون { قد دبَّر بيته حسناً} (1تي 3: 4)، فهذه شهادة أنه مؤهَّل لخدمة الكنيسة المتسعة. وبنفس القدر فإن عدم الاهتمام بالأهل بما يؤدِّي إلى تباعدهم عن الإيمان هو عثرة للخدمة ومؤشر سلبي عن عدم جدوى خدمة المسيحي في العالم. الأب والأُم هم رأس الأسرة الذين يقود مسيرة الخلاص في البيت، وهم النموذج والمثل في المشاركة في أعباء الأسرة بكل اتضاع. وقد يكون خادم الخلاص في الأسرة هو الابن أو الابنة الذي يُبشـِّر بحياته الإيمانية والتزامه الإنجيلي باقي أفراد الأسرة.
2 - العمل والسكن والدراسة...
مجالات العمل والسكن والدراسة ساحات مفتوحة لخدمة الآخرين والتأثير فيهم مسيحياً بالمعاملة الطيبة والصداقة مع الزملاء ومساعدتهم ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم، ومحبة الجيران وخدمتهم والوقوف إلى جانبهم في الشدائد، وإظهار المودة والتعاون مع زملاء الدراسة، خاصة غير المؤمنين من كل هذه الفئات، فهذه بشارة متاحة للجميع ومضمونة التأثير وفي هذا المجال، فإن كل مؤمن فى عمله وفى مختلف الوظائف كالطبيب والمعلِّم والإخصائي الاجتماعي والتاجر والسائق وكل مؤمن فى عمله هو صورة لإيمانه ومسيحه يري الناس أعماله الصالحة فيمجدوا الله والعكس صحيح متي كان سلوكنا غير حكيم. أن السيد المسيح خدم الخلاص من خلال التعليم والشفاء والعمل الاجتماعي لاسيما خدمة المساكين والفقراء، التحنُّن على الخطاة والبعيدين وتفهم حاجاتهم العميقة والعمل علي أشباعها.
3 - القدوة....
تقديم القدوة هو بشارة بغير كلام، يراها البعض إنجيلاً خامساً إلى جانب الأناجيل الأربعة. والقـدوة تـدعم الخدمة وتثبت صـدق دعوة الخادم، ومـن هنا كان تشديد معلِّمنا بـولس على تلاميذه أن يكونوا قدوة في السلوك المسيحي إذا أرادوا لخدمتهم أن تثمر بغِنَى، فكتب لتيموثاوس أن: { كُــن قدوة للمؤمنين في الكلام، في التصرُّف، في المحبة، في الـروح، في الإيمان، في الطهارة} (1تي 4: 12)، ولتيطس: { مُقدِّماً نفسك في كل شيء قدوة للأعمال الحسنة.} (تي 2: 7). أن سلوكنا المسيحي يؤثـِّر ويُغيِّر إلى الأفضل دون أن ندري فيمَن حولنا، وهذه مسئولية علينا أن نعيها، لكي نتحفَّظ من مُشاكلة أبناء هذا الدهر، فيكون دور الخادم كنور في العالم يهدي الغير للطريق الصحيح وكملح للأرض يعطي مذاقة روحية للمجتمع الذى يعيش فيه وتفوح منه رائحة المسيح الذكية أينما حل.
4 - خدمة المحتاجين....
خدمة المحتاجين محبوبة ومؤثـِّرة ومتصلة اتصالاً وثيقاً بالإنجيل، ذلك أن المسيح اعتبر نفسه ضمن إخوته الصغار الجوعى والعطاش والعرايا المحتاجين إلى الكساء والدفء، والغرباء المحتاجين إلى المأوى والمساعدة، والمرضى لاسيما ذوي العلل المستعصية والمحتاجين إلى العلاج والزيارة والمواساة، والسجناء والمحتاجين إلى التحرر من قيود الشر وإبليس؛ ويؤكِّد السيد المسيح أن خدمة هؤلاء هي خدمة مباشرة له هو، وأن هذه الخدمة ولاسيما متى تمَّت في الخفاء ستُعلن وتنال المكأفاة في اليوم الأخير (مت 25: 31-40). ومعلِّمنا بولس يدعو المحتاجين الفقراء ”القديسين“ { لان اهل مكدونية واخائية استحسنوا ان يصنعوا توزيعا لفقراء القديسين الذين في اورشليم} (رو 15 : 26) ،{ واما من جهة الجمع لاجل القديسين فكما اوصيت كنائس غلاطية هكذا افعلوا انتم ايضا }(1كو 16 : 1). وحتى النُّسَّاك المتجردون كانوا يصنعون السلال ويبيعونها كي يُنفقوا على الفقراء إخوة المسيح. ويُطالبنا الكتاب أن نُعطي بسخاء (رو 12: 8)، وبسرور (2كو 9: 7)، وأن يكون عطاؤنا في الخفاء (مت 6: 1-4). ويُضاف إلى قائمة ”المحتاجين“ الأيتام المحرومون من الأمومة والأُبوة، والمحاصرون بالهموم، والحزانى، والمسـنُّون الذين يعيشون في بيوت خاصة بعيداً عن ذويهم، وذوو الاحتياجات الخاصة، والمحرومون من بعض الحواس كالمكفوفين والصُّم والبُكم، والمرضى النفسيون، والمطلوب أن يتقدَّم محبو المسيح إلى الكنيسة ومؤسساتها للإسهام فى هذه الخدمة النبيلة من أجل خلاص أخوتهم ونوال المكأفاة فى الحياة الأبدية.
5 - العمل الفردي...
الخدمة الفردية هي الخدمة الموجَّهة لفرد بعينه مِمَّن جاءوا في الحالات السابقة سواء كان جار أو صديق أو زميل أو حتي عابر سبيل محتاج يضعه الرب فى طريقنا. ونحن في هذا نتمثـَّل بالرب الذي تعامل كثيراً مع الأفراد، فقد اختار تلاميذه واحداً واحداً، وكانت له مع نيقوديموس (يو 3)، والمرأة السامرية (يو 4)، ومريض بيت حسدا (يو 5: 1-14)، والمرأة التي أُمسكت في ذات الفعل (يو 8: 1-11)، وقائد المئة (مت 8: 5-10)، والمرأة الكنعانيـة (مت 15: 21-28، مر 7: 24-30)، والمرأة الخاطئـة (لو 7: 36-50)، وزكَّا (لو 19: 1-10)، وغيرهم؛ تعامل معهم الرب يسوع فى حوارات ومعاملات أدَّت إلى خلاصهم. فالعمل الفردي ممكن لكل مؤمن ويتنوَّع حسب إمكانياته الروحية والشخصية. وعلى كل منا أن يطلب من الرب مع بداية كل يوم قائلاً: «هأنذا أرسلني» (إش 6: 8) لأداء مهمة اليوم.
6- خدمة التعليم والكرازة...
أنها خدمة أصحاب المواهب الخاصة الذين
تتلمذوا للإنجيل والذين تدعوهم الكنيسة للوعظ والتعليم في اجتماعاتها، وهي خدمة
الأعداد الكبيرة أو القليلة، حيث تُلقى البذار، والروح يُهيئ القلوب كي تُثمر فيها
الكلمة. وقد عرفت الكنيسة قديما وحديثا العديد من المعلِّمين والوعَّاظ من الإكليروس
والعلمانيين. وفي أيام بولس الرسول، فإن أكيلا وبريسكلا امرأته الخيَّامَيْن هما
اللذان شرحا لأبلُّوس {الفصيح المقتدر في الكتب طريق الرب بأكثر تدقيق} (أع 18: 24-26). ومن أجل
هذا علينا أن نصلي في كل وقت في الروح كما يقول القديس بولس لاجل الجميع ولاجل
الخدام والكارزين { مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي
الرُّوحِ، وَسَاهِرِينَ لِهَذَا بِعَيْنِهِ بِكُلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ،
لأَجْلِ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ،. وَلأَجْلِي، لِكَيْ يُعْطَى لِي كَلاَمٌ عِنْدَ
افْتِتَاحِ فَمِي، لأُعْلِمَ جِهَاراًبِسِرِّ الإِنْجِيلِ،. الَّذِي لأَجْلِهِ
أَنَا سَفِيرٌ فِي سَلاَسِلَ، لِكَيْ أُجَاهِرَ فِيهِ كَمَا يَجِبُ أَنْ
أَتَكَلَّمَ.} ( أف 18:6-20). وفي أيامنا هذه، فإن كثيراً من المبشِّرين بالمسيح
هم مؤمنون وَهَبَتْهُم نعمة الله غيرة قوية وحياة منيرة ومعرفة بكلمة الله ومحبة
للمتغرِّبين وهدايتهم إلى طريق الخلاص، هناك مجالات متعددة للخدمة داخل مصر
وخارجها تحتاج للخدمة والأفتقاد والرعاية والكرازة وكم من الأسر والقرى بل وبلاد
خارج مصر تحتاج لخدمة وأفتقاد بروح المسيح الموديع المتضع المحب لخلاص ونجاة كل
أحد كما قال الرب { حينئذ قال لتلاميذه الحصاد كثير ولكن الفعلة قليلون. فاطلبوا
من رب الحصاد ان يرسل فعلة الى حصاده }(مت 37:9-38).
نصلي لرب الكرم
+ أيها الرب الهنا، انت هو الكرام الحقيقي والراعي الصالح الذى يتعهد الكرمة بالخصب والنماء لتأتي بثمر كثير ويدوم ثمرها، أنت قائد الكنيسة عبر تاريخها الطويل وأنت الذى يرسل فعلة صالحين يأتمنهم علي الكرمة ليتعهدوها ويعملوا معك، فاعطي الحكمة للرعاة والرعية واعطنا نعمة الحكمة والأفراز وارسل فعله صالحين لحصادك الكثير.
+ ايها المسيح الهنا الصالح الذى بذل ذاته عنا خلاصاً، لقد أقتنيتنا لك بالدم الذكي الثمين، لكي تقدم شعباً مبرراً لله أبيك، فنحن نقدر عملك العظيم الذى قدمته من أجل خلاص كل إنسان وكل الإنسان روحاً ونفساً وجسداً، علمنا أن تكون نفوسنا ونفوس أخوتنا غالية علينا نسعى الي خلاصها ونتعهدها بالرعاية ووسائط الخلاص، وأن لا نتحرك أو نخدم بميول بشرية خاطئة بل يقودنا جميعاً روحك القدوس.
+ يا روح الله القدوس، ينبوع النعم الإلهية، الغني في العطاء والحكيم في التوزيع والعامل فى الأسرار والمؤمنين واهب الثمار الروحية والمواهب الإلهية، أعطنا يا الله أن ننقاد بك ونعمل ما يرضيك ليتمجد اسمك القدوس فى كنيستك من الآن وإلى الأبد آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق