للأب القمص أفرايم الانبا بيشوى
+ تؤمن الكنائس الارثوذكسية والكاثوليكة بأن مريم العذراء دائمة البتولية فهى لم تعرف رجلا قط كل أيام حياتها بمعنى العلاقة الزوجية والجسدية بين الأزواج، فقد كانت مريم عذراء قبل الحبل بيسوع المسيح وأثناء الحبل بيسوع وظلت عذراء بعد ولادة يسوع المسيح حتى آخر يوم فى حياتها على الأرض. فهى "الدائمة البتولية" aeparthenos، كما أعلن المجمع المسكوني الخامس المنعقد في القسطنطينية في العام 553م. لهذا لقب أباء الكنيسة القديسة مريم بالعذراء والدائمة البتولية. وقد يتساءل البعض عما إذا كان قد وجد بين القديسة مريم والقديس يوسف علاقة جسدية، بعد إتمام الخطوبة قبل التجسد الالهي، نجد العذراء بنفسها أجابت للملاك {كيف يكون لي هذا وأنا لا أعرف رجلا}(لو1: 34). وبقيت أمنا مريم عذراء بعد ولادتها فمثلما دخل السيد المسيح على التلاميذ بعد قيامتة وكانت الأبواب مغلقة ولم يخترق حاجز، هكذا تمت ولادة السيد المسيح المعجزية من مريم وبقيت عذراء فهو ميلاد معجزى، وهذا ما اشارت اليه نبؤة حزقيال النبى ووصفها بأنها الباب الشرقى { ثُمَّ أَرْجَعَنِي إِلَى طَرِيقِ بَابِ الْمَقْدِسِ الْخَارِجِيِّ الْمُتَّجِهِ لِلْمَشْرِقِ وَهُوَ مُغْلَقٌ. فَقَالَ لِيَ الرَّبُّ: «هَذَا الْبَابُ يَكُونُ مُغْلَقاً, لاَ يُفْتَحُ وَلاَ يَدْخُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ, لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ دَخَلَ مِنْهُ فَيَكُونُ مُغْلَقاً.}(حز44: 1). وبتولية مريم العذراء تحدث عنها آباء الكنيسة منذ القرن الثانى وحتى الخامس الميلادى، ومنهم القديس أغناطيوس الأنطاكى وجيروم وإيرناؤس وإكليمندس السكندرى وأبيفاتيوس والعلامة أوريجانوس وكثيرون غيرهم.
+ أخوة يسوع ... هاجم القديس جيروم عام 382م كتاب هيلفيدس الذى قال فيه أن يوسف ومريم قد تمما زواجهما بعد ميلاد يسوع، وأن مريم قد أنجبت أبناء آخرين، وأشار إليهم الإنجيل بعبارة "أخوة يسوع"، وقد تبنى ذات فكرة هيلفيدس كل من جوفنيانوس وبونيسيوس أسقف بيوغسلافيا، مستخدمين نفس التعبير "أخوة الرب" (مت 13: 55-56)، (مر 6: 33). وقد دافع القديس جيروم عن بتولية العذراء ضد هلفيديوس وقال: لو أفسد ميلاده بتوليتها، لما حسب مولودا من عذراء، وتكون شهادة الكنيسة الجامعة بأنه ولد من العذراء مريم باطلة (حاشاً!)
ويرى القديس جيروم أن تعبير "إخوة" أستخدم في الكتاب المقدس في الحالات التالية:
1- أخوة حسب الدم. فهم إخوة بالطبيعة كعيسو ويعقوب, بطرس واندراوس.
2- أخوة بسبب وحدة الجنسية: أى إخوة حسب الجنس فكل اليهود دعوا اخوة لبعضهم كما فى سفر التثنية اذ يقول الكتاب "اذا بيع لك اخوك العبرانى او اختك العبرانية وخدمك 6 سنوات تطلقه فى السنة السابعة (تثنية 15: 12). وكما يقول بولس الرسول " كنت اود لو اكون انا نفسى محروما من المسيح لاجل اخوتى وانسبائى حسب الجسد الذين هم اسرائيليون " (رو 9: 4).
3- إخوة بالمحبة والصداقة: توجد آيات كثيرة توضح أن المؤمنيين جميعهم اخوة منها:
أ- هوذا مااحسن ومااحلى ان يجتمع الاخوة معا (مز 133: 1). ب- قال السيد المسيح لمريم المجدلية فى فجر القيامة " اذهبى لاخوتى وقولى لهم (يو 20: 17)، قارن مع (مت 28: 5).
4- أخوة بسبب القرابة الشديدة. مثل ما قاله ابراهيم للوط ارجوك الا تكون هناك مخاصمة بينى وبينك وبين رعايتى ورعايتك لاننا نحن اخوان (تك 13: 8) ولما سمع ابراهيم ان اخاه قد سبى جر رجاله المتمرنين (تك 14: 14)، وأيضا لابان دعى يعقوب أخية وهو خالة (تك 29: 15).
وإستخدام تعبير "إخوة الرب" مطابق للحالة الأخيرة، وذلك كما دعي إبراهيم ابن أخيه لوط "أخاه" وهو عمة (تك 13: 8)، فمن المعروف لدى اليهود أن أبناء العم والخال والعمة والخالة يدعون أخوة، لأنهم غالبا ما يعيشون في العائلة الكبيرة تحت سقف واحد. وإلى يومنا هذا لازالت الكلمة مستخدمة في بعض قرى صعيد مصر، فيحسبونه عيبا أن يدعو الإنسان ابن عمه أو خاله أو عمته أو خالته بلقب غير "أخي". وفي اللغة الآرامية تستخدم نفس الكلمة "أخ" لتعبر عن كل هذه القرابات. وهكذا بحسب نظريه القديس جيروم يكون "أخوة يسوع" هم أولاد القديسة مريم زوجة كلوبا، أخت القديسة مريم العذراء (يو 19: 25).
+ يقول القدّيس أمبروسيوس سنة 392: "ليكن لنا ثقة بكلام الملاك ليس أمر غير ممكن لدى الله ولنثق بكلام النبي أشعياء الذي يؤكد أن العذراء تحبل وتلد لا بمعنى منفصل بل بمعنى متصل أي أنها عذراء ليس فقط في الحبل بل في الولادة أيضاً أن الذين يريدون أن يحكموا في الأمور كلها حكماً يستند إلى الحكمة البشرية عليهم أن يشرحوا لنا كيف خرج المسيح يوم قيامته من قبره المغلق وكيف دخل على التلاميذ والأبواب مغلقة، فإذا قبلوا هذه الخوارق وصدقوها فليؤمنوا أيضاً بما تعلمه الكنيسة بشأن ولادة مريم لأبنها الإله ومن حدث السير على المياه الذي فعله المسيح ومن حدث التجلي. الأباء يضعون هذه الأحداث أمام أعينهم في شرح كيفية الحفاظ على البكورية بعد الولادة.
+ يقول القديس اغسطينوس: " كما ولدت مريم ذاك الذى هو رأسكم، هكذا ولدتكم الكنيسة، لأن الكنيسة هى أيضا أم (ولود) وعذراء، أم فى أحشاء حبنا، وعذراء فى ايمانها غير المنثلم، هى أم لأمم كثيرة الذين يمثلون جسدا واحدا، وذلك على مثال العذراء مريم أم الكثيرين وفى نفس الوقت هى أم للواحد ". القديسة مريم عذراء حسب الجسد والروح، أما الكنيسة فيمكن دعوتها عذراء إذ لا تنحرف قط عن الأيمان بل تبقى أمينة على تعاليم السيد المسيح إلى النهاية.
+ والقديس البابا بطرس بطريرك الإسكندرية الشهيد عام 311م. لقب العذراء مريم ب"إيبارثينوس "أى دائمة البتولية للقديسة مريم قائلاً: يسوع المسيح قد ولد حسب الجسد من مريم سيدتنا القديسة المعظمة والدة الاله "ثيؤتوكوس" الدائمة البتولية. وأكد أنه: ليس من أحد أفكاره صادقة نحو مريم يدعى بأن لها طفل غير يسوع. وأعلن إنحيازه بكل وضوح إلى النظرية المنسوبة فيما بعد لإبيفانيوس أن إخوة الرب هم أولاد للقديس يوسف من زوجة سابقة، ويعود فيقول إن يعقوب المذكور في رسائل بولس الرسول هو أخو الرب ليس لأنه كان قريباً له ولا لأنه كان يعيش معه ولا حتى من جهة أخلاقه ويقول أوريجانوس: إنه بالتقليد يقول بعض الناس بحسب إنجيل بطرس وبحسب إنجيل يعقوب أن إخوة الرب كانوا أولاداً ليوسف من زوجة سابقة كان قد تزوجها قبل -أن يخطب- مريم العذراء. وواضح أنهم كانوا يرغبون في حفظ كرامة بتولية العذارء الدائمة. وأنا أظن أن هذا من التعقل لأن يسوع كان باكورة الطهارة والبتولية بين الناس هكذا أيضاً مريم بين النساء لأنه غير لائق أن تُنسب بداية البتولية لأي امرأة سواها. والكتاب المقدس دعا مريم إمرأة يوسف لكى لا يشتبة فى أمر حبلها أم بعد الولادة فكان إسمها أم الصبى.
+ وقال القدّيس أثناسيوس الكبير سنة (296-373): "لقد أخذ (الرب) جسداً إنسانياً حقيقياً من مريم الدائمه البتولية". "إنّ الكلمة هو نفسه قد ولد بالجسد من مريم والدة الإله" (عظات ضدّ آريوس 3: 14، 29، 33؛ 4: 32).
+ ويقول القدّيس إغريغوريوس أسقف نيصص سنة (330-395): "إنّ ابن الله قد اتّخذ لنفسه جسدًا من العذراء، لذلك حقّ للعذراء أن تُدعى والدة الإله" (في البتوليّة، 13). "يا لَلْمعجزة الرائعة: العذراء تصير أمًّا وتبقى عذراء. لا البتوليّة حالت دون الولادة ولا الولادة أزالت البتوليّة. ولقد كان من الملائم أنّ الذي صبار إنسانًا لينقذ البشريّة من الفساد يستهلّ عمله بتلك التي ولدته فيحفظها من الفساد". ثمّ يتابع قائلاً: "هذا ما سبق موسى فرآه في النار التي ألهبت العلّيقة دون أن تحرقها. فكما أنّ العلّيقة كانت ملتهبة لم تحترق كذلك ولدت البتول النور دون أن يعتريها الفساد".
+ هناك برهان لاهوتي يستند إليه إيرونيموس وأمبروسيوس وأوريجانيس، لتأكيد بتوليّة مريم العذراء بعد ولادة يسوع. فيقولون: هل يُعقَل أنّ التي حملت في أحشائها ابن الله، الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس، دون مباشرة رجل بل بقدرة الروح القدس، أن تراودها، بعد ذلك الاختبار الديني الفريد، إرادة العيش كسائر النساء ورغبة إنجاب أولاد آخرين؟ إنّ الله قد امتلك كل كيان مريم العذراء، فلا بدّ أن تكون قد كرّست لله ذاتها بكلّ قوى جسدها ونفسها وروحها. إنّ الذين يختبرون الله في اختبارات روحيّة خاصّة فيظهر لهم المسيح كما ظهر لبولس الرسول أو النسّاك الذين يختبرون الاتّحاد بالله بعمقٍ، لا يعودون يشعرون بأيّ رغبة في الزواج، بل يسلكون طريق البتوليّة. فكم بالحريّ يمكننا تأكيد بتوليّة مريم العذراء بعد ولادتها يسوع وعلى أثر هذا الاتّحاد العميق بالله وهذا الاختبار الفريد في تاريخ البشر لقدرة الله تملأها وتبذر في أحشائها الحياة البشريّة. ولهذا أقر مجمع القسطنطينية الثاني سنة 553م: أن العذراء " دائمة البتولية"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق