الأب القمص أفرايم
الانبا بيشوى
شجاعة
ابراهيم وعزة نفسه.. ابونا إبراهيم من الشجعان فى وقت الخطر الذين
تظهر جراءتهم فى وقت الشحاجة والشدة. هو الصديق الصدوق والرجل عزيز وعفيف النفس
الذى لا ينتظر أجر بشرى على تقديمه العون لمن هم فى خطر. هو شامخ عزيز النفس وليس
قصبة تهزها الريح. يكفي انه اطاع الله وذهب فى رحلة نحو المجهول {خرج وهو لا يعلم
إلى أين يأتي} إلا أنه كان بالإيمان على يقين أن الله يعد له الأفضل، أعطي ظهره للوطن
والصحاب والأرض، ومن غير تردد عبر الصحراء والقفار من غير لفتة هنا وهناك حتى يصل
إلى الأرض التي وعد بها، مهما طال به الطريق، أو امتد به الزمن لهذا اخذ النصيب
الافضل انه آمن بمن قال { وكل من ترك بيوتا او اخوة او اخوات او ابا او اما او
امراة او اولادا او حقولا من اجل اسمي ياخذ مئة ضعف ويرث الحياة الابدية} (مت 19 :
29) إن رحلة إبراهيم العظيمة لا يمكن أن يقوم بها قبل اربعة الاف سنة إلا مغامر
جسور، وقد وقف أبو المؤمنين بذلك على أعلى ربوة في جسارة الإيمان وهو يتطلع إلى
الأرض التي رحل إليها، والمدينة التي ما يزال المؤمنين يسعون إليها { وهم لم
ينالوا المواعيد بل من بعيد نظروها وصدقوها وحيوها وأقروا بأنهم غرباء ونزلاء في
الأرض، فإن الذين يقولون مثل هذا يظهرون أنهم يطلبون وطناً فلو
ذكروا ذلك الذي خرجوا منه لكان لهم فرصة للرجوع} (عب 13:11-15).
+
فى شجاعة عندما سمع ابراهيم ان لوط ابن اخاه قد سبى فى معركة كسر لعومر لملوك
الشمال مع مناطق الجنوب اخذ غلامانه الثلثمائة
والثمانية عشر وحول الهزيمة الى نصر واسترد لوط ومن معه واملاكهم {فَلَمَّا سَمِعَ أَبْرَامُ أَنَّ أَخَاهُ سُبِيَ جَرَّ غِلْمَانَهُ الْمُتَمَرِّنِينَ
وِلْدَانَ بَيْتِهِ ثَلاَثَ مِئَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَتَبِعَهُمْ إِلَى دَانَ. وَانْقَسَمَ عَلَيْهِمْ لَيْلاً هُوَ وَعَبِيدُهُ فَكَسَّرَهُمْ وَتَبِعَهُمْ إِلَى حُوبَةَ الَّتِي عَنْ شَمَالِ
دِمَشْقَ.
وَاسْتَرْجَعَ كُلَّ الأَمْلاَكِ وَاسْتَرْجَعَ لُوطاً أَخَاهُ أَيْضاً وَأَمْلاَكَهُ وَالنِّسَاءَ أَيْضاً وَالشَّعْبَ}(
تك 14:14-16)
وقد
اظهر ابراهيم عفة النفس مع لوط ومع
ملك سدوم، وبكل المعايير المعروفة في ذلك التاريخ كان من حق إبراهيم أن يأخذ ما
يريد أو ما يشاء، ففي النزاع بين ورعاة مواشي لوط ورعاة مواشي إبراهيم كان من حقه
وهو العم الأكبر للوط وهو قائد الرحلة أن يختار المكان المناسب ولكنه اختار السماحة
والتعفف، وترك للوط أفضل مراعي وأبهج المروج، في سبيل الحب، والإخاء، والسلام،
والإيثار لابن أخيه. وكان مثلاً رائعاً في
طرح الماديات للإبقاء على القرابة والعشرة {حدَثَتْ مُخَاصَمَةٌ بَيْنَ رُعَاةِ
مَوَاشِي أَبْرَامَ وَرُعَاةِ مَوَاشِي لُوطٍ. وَكَانَ الْكَنْعَانِيُّونَ
وَالْفِرِزِّيُّونَ حِينَئِذٍ سَاكِنِينَ فِي الأَرْضِ. فَقَالَ
أَبْرَامُ لِلُوطٍ: «لاَ تَكُنْ مُخَاصَمَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَبَيْنَ رُعَاتِي
وَرُعَاتِكَ لأَنَّنَا نَحْنُ أَخَوَانِ.
أَلَيْسَتْ كُلُّ الأَرْضِ أَمَامَكَ؟ اعْتَزِلْ عَنِّي. إِنْ ذَهَبْتَ شِمَالاً فَأَنَا يَمِيناً وَإِنْ يَمِيناً فَأَنَا شِمَالاً». فَرَفَعَ لُوطٌ عَيْنَيْهِ
وَرَأَى كُلَّ دَائِرَةِ الأُرْدُنِّ
أَنَّ جَمِيعَهَا سَقْيٌ قَبْلَمَا أَخْرَبَ الرَّبُّ سَدُومَ وَعَمُورَةَ كَجَنَّةِ
الرَّبِّ كَأَرْضِ مِصْرَ.
حِينَمَا تَجِيءُ إِلَى صُوغَرَ. فَاخْتَارَ لُوطٌ لِنَفْسِهِ كُلَّ دَائِرَةِ الأُرْدُنِّ وَارْتَحَلَ لُوطٌ شَرْقاً. فَاعْتَزَلَ
الْوَاحِدُ عَنِ الْآخَرِ} ( تك 7:13-11). ان شيطان النصيب الأكبر
يهزم الكثيرين وقد اغرت الارض الجيدة الخضراء التى اختارها
لوط لكنها كانت سبب لهلاك زوجته وضياع أملاكة وكانت
نفسه تتعذب بفساد الاشرار الساكن بينهم حتى احرقت سدوم وعموره حيث
سكن وخرج منها خالي الوفاض وفقد زوجته التى خرجت من سدوم ولكن سدوم كانت فى قلبها
وكانت فى يد الملاك ولكنها لم تنجو من الهلاك لان قلبها لم يكن مع الله بل مع
شهوات العالم وغناه فتحولت لعمود ملح { فَأَمْطَرَ الرَّبُّ عَلَى سَدُومَ
وَعَمُورَةَ كِبْرِيتاً وَنَاراً مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ. وَقَلَبَ
تِلْكَ الْمُدُنَ وَكُلَّ الدَّائِرَةِ وَجَمِيعَ سُكَّانِ الْمُدُنِ وَنَبَاتَ
الأَرْضِ. وَنَظَرَتِ امْرَأَتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَصَارَتْ عَمُودَ مِلْحٍ!} ( تك
24:17-26). من اجل ذلك يحذرنا الرب من الرجوع بعد التوبة والإيمان الى العالم
بشهواته { فقال له يسوع ليس احد يضع يده على المحراث وينظر الى الوراء يصلح لملكوت
الله} (لو 9 : 62).
فى
عفة نفس رفض ابونا ابراهيم بعد الرجوع من المعركة مع ملوك الشمال واسترداد لوط وكل
املاك من معه من الجنوبيين من اسرى والغنائم عندما التقى مع ملك سدوم، رفض كمنتصر
في الحرب أن ياخذ شئ ولا حتى خيط أو شراك نعل، فى عزة نفس الامر الذى وقع فيه غيرة
وازدادت شهيتهم للحرب والغزو والغنائم والسلب بل وشجعوا الغير عليه { وَقَالَ مَلِكُ سَدُومَ لأَبْرَامَ:
«أَعْطِنِي النُّفُوسَ وَأَمَّا الأَمْلاَكَ فَخُذْهَا لِنَفْسِكَ». فَقَالَ أَبْرَامُ لِمَلِكِ سَدُومَ:
«رَفَعْتُ يَدِي إِلَى الرَّبِّ الإِلَهِ الْعَلِيِّ
مَالِكِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ
ولاَ آخُذَنَّ لاَ خَيْطاً وَلاَ شِرَاكَ نَعْلٍ وَلاَ مِنْ كُلِّ مَا هُوَ
لَكَ فَلاَ تَقُولُ: أَنَا أَغْنَيْتُ أَبْرَامَ}
( تك 21:14-23). وهنا ضرب مثل رائع وعجيب لغنى النفس المترفعة المتعففة. فالله
وحده هو الذي يغني البشر، وهو الذي يغني إبراهيم وهو لديه كنز عظيم فابراهيم لا
يرغب أن يكون مديناً لأحد بشئ بل بالمحبة. وبالمحبة
والكرم يخدم الغير، لهذا أعطاه الله كل شيء بغنى للتمتع. من اجل هذا ظهر الله
لابراهيم بعد ذلك قائلا{ بَعْدَ هَذِهِ الأُمُورِ صَارَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى أَبْرَامَ
فِي الرُّؤْيَا: «لاَ تَخَفْ يَا أَبْرَامُ.
أَنَا تُرْسٌ لَكَ. أَجْرُكَ كَثِيرٌ جِدّاً»}(
تك 1:15). اننا نحتاج كأبناء إبراهيم من المؤمنين ان نتعلم كيف يكون التعفف السمح
وعفة النفس الذي يمد بجذوره إلى نهر الله الواسع العظيم الفياض دون الاتجاء إلى
الناس أو انتظار عطائهم قل هذا العطاء أم كثر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق