الأب القمص أفرايم الانبا بيشوى
عاش
ابراهيم حياة الإيمان العملي والواثق بالله عن خبرة وتجربة ولهذا كان مطيعا له
طاعة تفوق محبته حتى لابنه. واظهر المحبة والتعفف والكرم والشجاعة كنتيجة لإيمانه
بالله وثقته به وحواره معه لهذا بعد رجوعه واسترداده للوط ومن معه ربما اعتراه
الخوف من هجوم قبائل الشمال عليه لهذا ظهر له الرب وطمانه وباركه { بعد
هذه الامور صار كلام الرب الى ابرام في الرؤيا قائلا لا تخف يا ابرام انا ترس لك
اجرك كثير جدا. فقال ابرام ايها السيد الرب ماذا تعطيني وانا ماض عقيما ومالك بيتي
هو اليعازر الدمشقي. وقال ابرام ايضا انك لم تعطني نسلا وهوذا ابن
بيتي وارث لي. فاذا كلام الرب اليه قائلا لا يرثك هذا بل الذي يخرج من احشائك هو
يرثك. ثم اخرجه الى خارج وقال انظر الى السماء وعد النجوم ان استطعت ان تعدها وقال
له هكذا يكون نسلك. فامن بالرب فحسبه له برا } (تك 1:15-6). لقد انتظر ابراهيم فى
صبر حوالى الربع قرن ليأتي ابن المواعيد اسحق. وان كانت ساره قد تسرعت واعطته هاجر
المصرية جاريتها زوجة له ليأتي منها اسماعيل { واما ساراي امراة ابرام
فلم تلد له وكانت لها جارية مصرية اسمها هاجر. فقالت ساراي لابرام هوذا الرب
قد امسكني عن الولادة ادخل على جاريتي لعلي ارزق منها بنين فسمع ابرام لقول ساراي.
فاخذت ساراي امراة ابرام هاجر المصرية جاريتها من بعد عشر سنين لاقامة ابرام في
ارض كنعان واعطتها لابرام رجلها زوجة له. فدخل على هاجر فحبلت ولما رات انها حبلت
صغرت مولاتها في عينيها. فقالت ساراي لابرام ظلمي عليك انا دفعت جاريتي الى حضنك
فلما رات انها حبلت صغرت في عينيها}( تك 1:16-5). فى زواج ابراهيم بهاجر راينا
المشورة البشرية ونتائجها وان كان الله قد سمع لابراهيم من جهة اسماعيل وباركة.
كما نظر لمذلة هاجر التي غارت منها سارة واذلتها بعد ولادة اسماعيل رغم ان ذلك كان
الزواج كان بتدبير منها. ومع هذا نرى صدق كلام الكتاب مع اسماعيل ونسله ايضا ثم
جاء اسحق ابن الموعد بعد ان شاخ ابراهيم وساره فالله صادق وامين وغير المستطاع لدى
الناس مستطاع لدى الله. ربع قرن أنتظر ابراهيم تحقيق وعد الله بالنسل وعندما كبر
اسحق كانت الامتحان الصعب لابراهيم
واسحق معا ان يقدم ابراهيم ابنه وحيده الذى يحبه محرقة وذبيحة لله فاطاع فى ثقة ان
الله قادر ان يقيمه من الاموات { وحدث بعد هذه الامور ان الله امتحن ابراهيم
فقال له يا ابراهيم فقال هانذا.
فقال خذ ابنك وحيدك الذي تحبه اسحق واذهب الى ارض الموريا واصعده
هناك محرقة على احد الجبال الذي اقول لك. فبكر ابراهيم صباحا وشد على حماره
واخذ اثنين من غلمانه معه واسحق ابنه وشقق حطبا لمحرقة وقام وذهب الى الموضع
الذي قال له الله. وفي اليوم الثالث رفع ابراهيم عينيه وابصر الموضع من بعيد.} (تك
1:22-4). لقد كانت الثلاثة ايام هي رحلة ابينا ابراهيم من الخليل الى
اورشليم ليقدم اسحق على جبل الموريا كخبرة
تقديم السيد المسيح على الصليب لفداء البشرية والتي ندخل بها من خلال الصليب الي
معرفة المسيح المقام وخضوع اسحق يقدم لنا الفهم لطاعة المسيح للآب حتى الموت على
الصليب وإعادة اسحق حيا كمن قام من الأموات بعد أن صار فى حكم المائت فى نظر
والده ثلاثة أيام، يعطينا فكرة عن قيام المسيح من الأموات فى اليوم الثالث. وطاعة
ابراهيم تقدم لنا المثل عن المحبة الكاملة لله والتي تفوق محبة الابناء والارض
والاهل فى تجرد حتى من الابن المحبوب. فمحبتنا يجب ان تكون لله اولا وقبل كل شئ
واذ نحب الله بصدق فلن يدعنا معوزين لشئ.
الله
قد يمتحن المؤمن ليس لانه لا يعرفنا بل ليثقل شخصيتنا ويعلن هذا الايمان ويكفأنا
عليه. كان اختبارا قاسي لإبراهيم ان
يقدم ابنه ذبيحة لله { لكي تكون تزكية إيمانه، وهى أثمن من الذهب الفاني مع أنه
يمتحن بالنار توجد للمدح والكرامة والمجد }(1 بط 1: 7). فهل ننجح فى الاختبار أمام
الله والناس ام نسقط ونقوم؟. فليكن لنا محبة لله والمحبة لا تسقط ابداً {
بالأيمان قدم إبراهيم أسحق وهو مجرب، قدم الذى قبل المواعيد وحيده، الذى قيل له
بإسحق يدعى لك نسل. إذ حسب أن الله قادر على الإقامة من الأموات} (عب 11: 17 –
19). لقد سمع الله لابراهيم واراه كبش يقدمه محرقة عوضا عن اسحق ابنه وربما هناك
راي مجي السيد المسيح
وتقديمه كذبيحة عن خلاص العالم كله كما قال السيد المسيح عن ابراهيم { ابوكم
ابراهيم تهلل بان يرى يومي فراى وفرح. فقال له اليهود ليس لك خمسون سنة بعد افرايت ابراهيم.
قال لهم يسوع الحق الحق اقول لكم قبل ان يكون ابراهيم انا كائن}( يو 56:8-58). لقد نجح
إبراهيم في هذه هذا الامتحان الذى مر به فوق
جبل المريا. وفى كل حياته فلقد أخذه
الله أولا إلى الغربة البعيدة ليعزله عن الوطن والأهل والأصحاب والأحباء
والحياة الوثنية القديمة. ونجح إبراهيم في الامتحان الذي سقط فيه لوط أمام المال،
ولا يظن أحد أن كثرة المال تعلم صاحبها القناعة، بل على العكس قد تزيده ظمأ، كمن
يشرب من مياه البحر المالح ليرتوى فيزداد عطشا. نجح ابراهيم وهو يعشر المال أمام
ملكي صادق، ونجح هو يرفض عرض ملك سدوم، وهو يرفض أن يختار النصيب الاكبر
وترك الاختيار
للوط. ومن المؤكد أنه لو لم تلح عليه سارة لما أخذ هاجر جاريته زوجة له. ولظل
ينتظر تحقيق الوعد الإلهي لقد قدم ابن المواعيد ذبيحة على جبل المريا كذروة
التسليم لارادة الله والطاعة له. واجاب فى ثقة عن السؤال أيهما أحب إليه الله أم
اسحق ابنه؟ وهل يطيع الله أم نداء قلبه البشري في أعماق محبته لابنه. كان الله لا
يريد من إبراهيم ذبيحة بشرية، لكنه كان يريد أن يرينا على مر الاجيال كيف يقدم
الانسان أغلى ما يمكن أن يكون عنده من اجل محبته وصداقته لله. أن اسحق ليس هو
الذبيحة الحقيقية على جبل المريا وليس
إبراهيم هو الأب الذي يقدم ابنه، بل أن هناك شيئا أكبر ظهر أمام عيني
إبراهيم سيأتي بعد ألفي عام، شيئا سيمسك فيه الآب السماوي بابنه على
هضبة الجلجثة، ويقدمه الابن الوحيد حملا بلا عيب الذى قدمه ليس عوضا عن
اسحق فقط بل عن خلاص العالم كله. وكما استسلم اسحق استسلامه الوديع لسكين أبيه،
استسلم الابن الوحيد لصليب الجلجثة تعبيرا
عن محبة الله الآب لنا وطاعة الابن ومحبته لخلاص العالم { لانه هكذا احب الله
العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية
}(يو 3 : 16) وهذا هو المعنى الذي قصده الرب يسوع المسيح وهو يتكلم إلى
اليهود قائلا: {أبوكم إبراهيم تهلل إذ
رأى يومي وفرح} كان يوم المريا رمزاً إلى
يوم المسيح، وكان كبش الفداء المذبوح رمزاً إلى صليب الجلجثة.
تهلل ابراهيم لمن يأتي من نسله بالجسد ليفدى ويبارك كل قبائل الارض. وهكذا رأى
إبراهيم بالنبوة مسيح الجلجثة
فوق جبل المريا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق