للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
الكنيسة القبطية والتقويم القبطي ...
+ ونحن نستقبل السنة الجديدة من تقويم الشهداء الابرار،
نذكر بالتقدير والفخر حياة وجهاد ابائنا وامهاتنا الشهداء القديسين على مر
العصور و نطلب صلواتهم عنا. هؤلاء الشهداء الذين جاهدوا الجهاد الحسن وأكملت السعى
و حفظوا الإيمان بدمائهم، وننظر الي نهاية سيرتهم ونتمثل بإيمانهم. نرجو لجميعكم
سنة مقدسة ومملوءة بركة وسلام فى الرب. مصلين معاً لكي يرفع الله الوباء وروح
المرض ويحل بسلامه فى قلوبنا وبيوتنا وكنيستنا وبلادنا ومنطقتنا وينظر الله بعين
الرأفة والرحمة الي العالم الذي أحبه وبذل أبنه الوحيد من أجل خلاصه {لأَنَّهُ
هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ
يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ
}(يو 3 : 16). ونصلي من أجل نمو الإيمان و استعلان خلاص الله ومحبته لكل أحد.
+ إن التقويم القبطي هو التقويم الفرعونى القديم
يرجع لعام 4525 قبل الميلاد، نسبة للحكيم "تحوت" الذى تمكن من وضع
التقويم النجمي بعد دراسات دقيقة لحركة الأفلاك وارتباطها بجريان النيل، وقد وجد
أن مياه الفيضان تصل إلي هليوبوليس، مركز العلوم الفلكية، في نفس اليوم الذي تظهر
فيه نجمة الشعرى اليمانية، فى سماء مصر بعد فيضان النيل وأن هذه الرحلة السنوية
تستغرق 365 يوما وربع يوم، فقسم السنة إلى اثني عشر شهرا كل منها ثلاثون يوما، ثم
أضاف خمسة أيام في نهاية السنة وأطلق عليها اسم "الشهر الصغير" وكان
مخصصا للاحتفالات بعد الفراغ من الحصاد. واستمر المصريين يستعملون هذا التقويم حتى
بعد إيمان مصر كلها بالمسيحية نظراً لارتباط السنة بالمواسم الزراعية المختلفة حتى
جاء الإمبراطور دقلديانوس في العصر المسيحي واستشهد في عصره ما يزيد عن مليون مصرى
مسيحى؛ فاتخذ أقباط مصر بداية عهده الموافق 284 ميلادية بداية لتقويم سنة الشهداء
1 قبطية ومن هنا ارتبط النيروز بعيد الشهداء. حيث كان الأقباط في راس السنة يخرجوا
لزيارة الأماكن التي دفنوا فيها أجساد شهدائهم ويذكرهم.
+ الاضطهاد الروماني على المسيحيين واسبابه...
لقد حمل الإيمان بالمسيح يحمل مفاهيم جديدة أثارت عليهم
الحكام الرومان فقد كانت الديانات الوثنية العبادة عبارة عن ترديد لبعض
الصلوات والتعاليم وتقديم المأكل والمشرب للآلهة عكس ما وجد الناس في المسيحية من
تعاليم وقيم روحية وأخلاقية سامية تستقر في داخل الإنسان وفكره وروحه والعبادة فيه
ترجمة عملية للإيمان وتحل محبة الله محل الخوف واسترضاء الاله. ولم يعد هناك غرباء
أو أجانب ولم يعد الأجنبي يدنس الهيكل أو القربان لمجرد حضوره، ولم يعد الكهنوت
وراثيا وضمت المسيحية الكثير من عامة الشعب ومختلف الفئات والطبقات كديانة عالمية
حسب قول السيد المسيح { اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها }
(مر 16: 15). وعلمت المسيحية بفصل الدين عن الدولة { أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله
لله} (مت 22: 21). وبعد أن عبد الناس الأوثان أو قدسوا الامبراطور نادت بعبادة الإله
الواحد وتحمس الكثيرين للروحانية وتخلوا عن الاشتراك فى الولائم الوثنية والمجون
والخلاعة ولم يعد الواجب الأسمى أن يعطي الإنسان وقته وحياته وقواه للدولة في
السياسة والحرب فلقد شعر الإنسان أن عليه التزامات أخري من نحو خلاص نفسه ومن نحو
الله. كل ذلك أثار هياج الوثنيين والاباطرة، كما اغاظتهم شجاعة المسيحيين وإيمانهم
ووداعتهم وصبرهم واحتمالهم وفرحهم بالاستشهاد، فكانوا يقبلون الموت في فرح و هدوء
ووداعة أذهل مضطهديهم، كما أن إيمانهم بالحياة الأبدية جعلهم يقبلون الاستشهاد
بفرح لقد أمنوا بأن هذا العالم وقتي بالقياس إلي الحياة الأبدية وأننا غرباء
ونزلاء على الأرض نبتغي وطناً أفضل كما أن ضيقات وأحزان هذه الحياة تتحول إلي مجد
عظيم في السماء { فاني احسب ان آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد ان
يستعلن فينا} (رو 8 : 18). كان الحكام بقوة السلاح يطلبوا من المسيحيين التبخير
للأوثان وإنكار الإيمان بالمسيح فيرفضوا ويفضلوا الموت عن إنكار مسيحهم أو التبخير
للأوثان وعانوا و عذبوا ولم يقبلوا النجاة وشهدوا لايمانهم.
+ نظر الأباطرة والحكام والعامة للمسيحية كانها ديانة معادية
للدولة، رغم صلواتهم ومحبتهم لكل أحد. وبدأ الاضطهاد فى السنة العاشرة حكم نيرون
فى 64م. واستمر حتى انتهاء حكم دقلديانوس فى بداية القرن الرابع. وكان الاضطهاد
الذي أثاره نيرون هو أول الاضطهادات القوية التي كرستها الإمبراطورية الرومانية،
وأرتبط باستشهاد عمودين عظيمين في الكنيسة هما الرسولان بطرس وبولس سنة 68م. لقد
تسبب نيرون فى حريق روما الذى لم ينجو منه سوى أربعة أقسام من الأربعة عشر قسما في
روما والتهمت السنة النار أعرق الآثار والمباني ولم ينجو منها الناس والبهائم.
وحتى يبعد الشبهة عن نفسه الصقها بالمسيحيين، وسرعان ما بدأ في سفك الدماء
واستخدام أبشع الوسائل لذلك، صلب البعض إمعانا في السخرية بالعقوبة التي تحملها
السيد المسيح، وألقي البعض للحيوانات المفترسة في مسارح الألعاب الرياضية، وبلغت
المأساة قمتها عندما أشعل النار في المسيحيين بعد دهنهم بالقار وسمرهم في أعمدة
ليضيئوا كالمشاعل لتسلية الجماهير في الحدائق الإمبراطورية بينما نيرون في عربته
الخاصة يلهو. ولكن كل الاضطهادات التي شنتها الدولة الرومانية على المسيحيين
ابتداء من نيرون تتضاءل أمام شد وعنف ووحشية الاضطهادات التي بدأها دقلديانوس
ونالت مصر النصيب الأكبر منها ولهذا السبب اتخذت الكنيسة القبطية بداية حكمه وهي
سنة 284 م بداية لتقويمها المعروف باسم تاريخ الشهداء. في سنة 303 م أصدر منشورا
بهدم الكنائس وحرق الكتب المقدسة وطرد كل أصحاب المناصب العالية وحرمهم من حقوقهم
المدنية وأصدر في مارس عام 303م منشورين متلاحقين بسجن رؤساء الكنائس وتعذيبهم
بقصد إجبارهم على ترك الإيمان. وإرغام جميع المسيحيين في المدن والقرى في أنحاء
الإمبراطورية بالتبخير و التضحية للآلهة. وأخيرا وفي محاولة يائسة لمحو المسيحية
وبعث الوثنية أصدر مكسيميانوس دازا منشورا في خريف عام 308 يقضي بسرعة إعادة بناء
مذابح الأوثان وأن يقدم الجميع الرجال والنساء والأطفال الذبائح مع الالتزام بتذوق
التقدمات وأن يقف الحراس أمام الحمامات ليدنسوا بالذبائح كل من يدخل للاغتسال، وقد
استمر العمل بهذا لمدة سنتين حتى أنه لم يكن أمام المسيحيين في ذلك الوقت إلا أن
يموتوا شهداء أو يموتوا جوعا أو يجحدوا الإيمان وتعتبر اضطهادات دقلديانوس وأعوانه
آخر مقاومة يائسة للوثنية الرومانية ضد المسيحية، وعلي الجانب الآخر تجلت بطولات
المسيحيين و ثباتهم في الإيمان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق