للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
+ التواضع أساس الحياة الروحية السليمة ... التواضع هو الأساس الذي تبني عليه سائر الفضائل وهو الذى يحفظ المؤمن ثابتا لا يتزعزع ولا يسقط. وكلما تعمق الأساس كلما ازداد البناء صلابة ورسوخ. الأشجار المثقلة بالثمار تنحني الى أسفل والانسان المثمر يحيا متواضع ووديع. الله الوديع المتواضع يسكن قلوب المتواضعين { لانه هكذا قال العلي المرتفع ساكن الأبد القدوس اسمه في الموضع المرتفع المقدس اسكن ومع المنسحق والمتواضع الروح لاحيي روح المتواضعين ولاحيي قلب المنسحقين} (اش 57 :15). ومدح السيد المسيح تواضع العشار وأعلن قبوله لتوبته دون الفريسي المتكبر (لو9:18-14). والقديس بولس كان يخدم بتواضع قلب ودموع فى الصلاة لذلك نجحت خدمته { وَمِنْ مِيلِيتُسَ أَرْسَلَ إِلَى أَفَسُسَ وَاسْتَدْعَى قُسُوسَ الْكَنِيسَةِ. فَلَمَّا جَاءُوا إِلَيْهِ قَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ دَخَلْتُ أَسِيَّا كَيْفَ كُنْتُ مَعَكُمْ كُلَّ الزَّمَانِ أَخْدِمُ الرَّبَّ بِكُلِّ تَوَاضُعٍ وَدُمُوعٍ كَثِيرَةٍ وَبِتَجَارِبَ أَصَابَتْنِي بِمَكَايِدِ الْيَهُودِ. كَيْفَ لَمْ أُؤَخِّرْ شَيْئاً مِنَ الْفَوَائِدِ إِلاَّ وَأَخْبَرْتُكُمْ وَعَلَّمْتُكُمْ بِهِ جَهْراً وَفِي كُلِّ بَيْتٍ شَاهِداً لِلْيَهُودِ وَالْيُونَانِيِّينَ بِالتَّوْبَةِ إِلَى اللهِ وَالإِيمَانِ الَّذِي بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ.} ( أع 17:20-21). يصف الرّسول بولس نفسه كعبد للرّب يخدمه تمامًا كما يفعل العبد مع سيّده ويخدم رعيته بتواضع ودموع وصلاة مقوياً إيمانهم وطالبا منهم التوبة وهو يتعرض للمخاطر لكنّه لم ينسحب من خدمته ولم يتقاعس، بل استمر مجاهدًا حتى الساعة الأخيرة. وفي تواضع القديس بولس عاش حياة التسليم وقبول التّجارب بفرح في خدمة سيده { وَالآنَ هَا أَنَا أَذْهَبُ إِلَى أُورُشَلِيمَ مُقَيَّدًا بِالرُّوحِ لاَ أَعْلَمُ مَاذَا يُصَادِفُنِي هُنَاكَ. غَيْرَ أَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ يَشْهَدُ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ قَائِلاً: إِنَّ وُثُقاً وَشَدَائِدَ تَنْتَظِرُنِي. وَلَكِنَّنِي لَسْتُ أَحْتَسِبُ لِشَيْءٍ وَلاَ نَفْسِي ثَمِينَةٌ عِنْدِي حَتَّى أُتَمِّمَ بِفَرَحٍ سَعْيِي وَالْخِدْمَةَ الَّتِي أَخَذْتُهَا مِنَ الرَّبِّ يَسُوعَ} (أع 20 :22-24). فإن أردنا أن ننال نعمة أمام الله والناس ومغفرة خطايانا، علينا أن نتواضع أمام الرب الهنا الذى يستر خطايانا ويخلصنا من الضيقات ويرعانا ويهبنا كل بركة روحية ويستجيب لصلاة المتواضعين ويخلصهم من جميع شدائدنا.
+ الكبرياء سبب للسقوط وتخلي النعمة ... حينما ارتفع قلب الشيطان بالكبرياء سقط من رتبته كما هو مكتوب عنه (أش 14: 13-14). وآدم وحواء حينما أرادا أن يصيرا مثل الله طُردا من الفردوس {يقاوم الله المستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة}(يع4: 6). لقد نظر الله لتواضع القديسة مريم العذراء واختارها ليولد منها القدوس { فقالت مريم تعظم نفسي الرب. وتبتهج روحي بالله مخلصي. لانه نظر الى اتضاع امته } ( لو 46:1-47). من اجل هذا قال القوى الانبا موسى ان الكبرياء اصل كل الشرور ومن يعتقد فى نفسه انه بلا عيب فقد حوى فى ذاته سائر العيوب لهذا يوصينا القديس بولس قائلاً { فاني اقول بالنعمة المعطاة لي لكل من هو بينكم ان لا يرتئي فوق ما ينبغي ان يرتئي بل يرتئي الى التعقل كما قسم الله لكل واحد مقدارا من الايمان} (رو 12 : 3) ويقول الرسول عن نفسه { وَلِئَلاَّ أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ الإِعْلاَنَاتِ، أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ، مَلاَكَ الشَّيْطَانِ، لِيَلْطِمَنِي لِئَلاَّ أَرْتَفِعَ. مِنْ جِهَةِ هَذَا تَضَرَّعْتُ إِلَى الرَّبِّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنْ يُفَارِقَنِي. فَقَالَ لِي: «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضُّعْفِ تُكْمَلُ». فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ. لِذَلِكَ أُسَرُّ بِالضَّعَفَاتِ وَالشَّتَائِمِ وَالضَّرُورَاتِ وَالاِضْطِهَادَاتِ وَالضِّيقَاتِ لأَجْلِ الْمَسِيحِ. لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ.} ( 2كو7:12-10). كان القديس بولس يحرص على السلوك بروح التواضع فلم يشر إلى رؤياه ولا صعوده للسماء وعندما تكلم عنها قال أعرف إنسان { اختطف إلى الفردوس وسمع كلمات لا يُنطق بها ولا يسوغ لإنسانٍ أن يتكلم بها} (2 كو 4:12). وطلب أن يرفع الله عنه شوكة الجسد لكن أراد الله أن يبقى الرسول متواضعًا، فسمح لو بشوكة في الجسد ويشعر دائما بضعف الجسد.
+ الاعتراف بالخطأ والضعف وطلب نعمة الله.. المتواضع يشعر بضعفه وجهله ويطلب الحكمة والنعمة والقوة من الله لكى ينتصر فى حروبه ضد الشيطان والخطية، إن الإنسان المتواضع البعيد عن الادّعاءات الكاذبة، لا يتكل على بره الذاتي { فإني أقول بالنعمة المعطاة لي لكل من هو بينكم أن لا يرتئي فوق ما ينبغي أن يرتئي بل يرتئي إلى التعقل كما قسم الله لكل واحد مقدارا من الايمان}{رو 3:12) المتواضع يشعر بانسحاق وعدم استحقاق ويطلب المغفرة من الله ويعترف بأن ما لديه من نعم و مواهب ووزنات قد حصل عليه من الله، ومهما فعلنا من بر يشعر بصدق انه عبد بطال{ كذلك انتم ايضا متى فعلتم كل ما أمرتم به فقولوا إننا عبيد بطالون لأننا انما عملنا ما كان يجب علينا} (لو 17 : 10). فيجد أن الله يرفعه ويشعر بنعمة البنوة لله. عندما تكلم القديس بولس عن ظهورات الرب يسوع المسيح بعد القيامة للرسل قال { وَآخِرَ الْكُلِّ - كَأَنَّهُ لِلسِّقْطِ - ظَهَرَ لِي أَنَا. لأَنِّي أَصْغَرُ الرُّسُلِ أَنَا الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً لأَنْ أُدْعَى رَسُولاً لأَنِّي اضْطَهَدْتُ كَنِيسَةَ اللهِ.} (1كو 8:2-9). فقد حسب نفسه كالجنين الذى ولد ميّتاً. فلم يكن القديس بولس قد هيّأ نفسه للإيمان بل حتى وقت ظهور الرب له كان يقاوِم ويضطهِد ويفتري علي كنيسة الله. ودُعاه الرب إلى العمل في وقت لم يكن يتوقعه وبطريقة لم تخطر على ذهنه، فحسب نفسه كالسقط الذي كان يلزم الخلاص منه، لكن القائم من الأموات وهبه الحياة الجديدة والميلاد الجديد. دعي نفسه "السقط" ربما لأن السقط يحدث فجأة بطريقة غير متوقعة وقبل زمن الولادة، وذكر لقائه مع المسيح القائم من الأموات الذي تم بعد صعوده لتأكيد أن الذي رآه التلاميذ والرسل بعد قيامته لم يكن خيالاً ولا رؤى بل رأوا شخصه الحقيقي،. ظهور الرب لبولس الرسول لم يكن رؤيا في حلم، بل رؤية حقيقية لشخص المخلّص الصاعد إلى السموات. لقد سئل سقراط مرة لماذا ينادونك بالحكيم فقال ربما لانى اعرف انى لا اعرف. وها هو القديس بولس يقول { لا يخدعن أحد نفسه ان كان احد يظن أنه حكيم بينكم في هذا الدهر فليصر جاهلا لكي يصير حكيما} (1 كو 3 : 18). فلا يتكبر الانسان ويظن نفسه حكيم ويمجد حكمته البشرية المتعجرفة، بل ينحني بتواضعٍ أمام اللَّه فيهبه روح الحكمة السماوية. ولا يسلك الإنسان بحكمته الذاتية بل يسلك بروح الإنجيل، فيطلب خلاص العالم كله بفكر سليم. ويحذرنا الرسول من خداع النفس، فقد يظن الإنسان أنه أكثر حكمة من الآخرين، بل علينا أن نتعلم من ربنا يسوع المسيح أن نخدم الجميع بتواضع قلب { فَدَعَاهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ: «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَالْعُظَمَاءَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ. فَلاَ يَكُونُ هَكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيماً فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِماً، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْداً، كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ».}( مت 25:20-28). السيِّد المسيح يوجَّه أنظارنا إليه بكونه ما جاء ليخدِمهُ الآخرون بل يخدِم خلاصنا، مقدّمًا حياته فِدية عنا. لم يأتِ ليسود مع أنه هو السيِّد، وإنما جاء كعبدٍ ليمد يده فيغسل الأقدام المتّسخة. الملكوت في جوهره هو اتّحاد مع الله في ابنه يسوع المسيح، وبروحه ندخل في سِباق نحو اِحتلال الصفوف الأخيرة، كعبيد نخدم الآخرين نرفعهم بالروح القدس من عبوديّة الخطيّة إلى مجد أولاد الله خلال اتّحادهم بابن الله الوحيد. وهكذا يقول القديس بولس { فاني اذ كنت حرا من الجميع استعبدت نفسي للجميع لاربح الاكثرين} (1كو 9 : 19). فبقدر ما تُصلب الأنا ويرفض الإنسان الكرامة ينطلق بالروح القدس نحو أمجاد الملكوت السماوي، متنعّمًا بثماره أيضًا هنا كمجدٍ داخليٍ ونعمٍ إلهيّة لا تُقدر. وماذا نقول نحن الضعفاء ومهما بلغنا من معرفة وعلم وحكمة، فنحن جهال وفي أشياء كثيرة نعثر جميعنا وحياتنا كلها كبخار ماء يظهر قليلاً ثم يضمحل لكن لنصلي ونصرخ مع العشار{ وأما العشار فوقف من بعيد لا يشاء ان يرفع عينيه نحو السماء بل قرع على صدره قائلا اللهم ارحمني أنا الخاطئ} (لو 18 13) .
التواضع طريقنا إلى الانتصار والغلبة.. +
الله يدعونا الى التواضع لأن الكبرياء علة السقوط { قبل الكسر يتكبر قلب الإنسان وقبل الكرامة التواضع }(ام 18 : 12). علينا أن نتعلم من الرب يسوع المسيح ومن رسله القديسين الذين دعونا للتواضع { فالبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات ولطفا وتواضعا ووداعة وطول اناة }(كو 3 : 12). {كذلك أيها الأحداث اخضعوا للشيوخ وكونوا جميعا خاضعين بعضكم لبعض و تسربلوا بالتواضع لان الله يقاوم المستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة. فتواضعوا تحت يد الله القوية لكي يرفعكم في حينه. ملقين كل همكم عليه لانه هو يعتني بكم}( 1بط 5:5-7). عندما نشعر أننا خلقنا من تراب وسنرجع إليه نتضع ويرفعنا الله إلى مرتبة الأبناء والورثة لملكوت السماوات أن يوحنا المعمدان قال انه غير مستحق أن يحل سيور حذاء السيد المسيح رفعه السيد المسيح لمرتبة نبى وأعظم .طريق الاتضاع هو حمل الصليب و
بالتواضع وإنكار الذات والمعمودية نصير أبناء الله وارثا لملكوته ويشعر المواضع أن ذلك من نعمة الله عليه فلا يغتر او يتكبر { فان كنا اولادا فاننا ورثة ايضا ورثة الله و وارثون مع المسيح ان كنا نتالم معه لكي نتمجد ايضا معه} (رو 8 : 17). المتواضع يغلب الشيطان بتواضعه. لذلك فإن القديس مكاريوس الكبير حينما ظهر له الشيطان وقال له: ويلاه منك يا مقارة؛ أنت تصوم أما نحن فلا نأكل وأنت تسهر وأما نحن فلا ننام، انت تحى فى الصحراء ونحن كذلك ، لكن بشئ واحد تغلبنا. فلما سأله القديس عن هذا الشئ قال له: باتضاعك تغلبنا.
تداريب على حياة الاتضاع...
+علينا ان ندرب أنفسنا على الاتضاع حتى بالأشياء البسيطة التي يستطيع أي إنسان أن يعملها. لنصل لما هو أعمق، أنت تستطيع مثلاً أن تقدم غيرك على نفسك في أشياء بسيطة في الحياة اليومية: فمثلاً تجعل غيرك يسبقك في الدخول إلى المكان، أو تقف أنت من اجل ان تفسح المكان لشيخ احتراماً لسنه، أو لا تقاطع غيرك أثناء كلامه او تنسب الفضل لفاعلية والمشاركين فيه. علينا أن نعترف بنعمة الله التي تعيننا فى جهادنا ونخفي فضائلنا كما نواري سقطاتنا ونريد ان يغفرها الله. إن جهادنا لاقتناء فضيلة التواضع ومسكنة الروح يجب أن يبدأ الآن ولا ينتهي الا بالوصول الى الفردوس فالذات تريد أن تكبر وتنتفخ بعيداً عن الله وحتى فى الطريق الروحى و محاربتنا الروحية ليست مع لحم ودم بل مع أجناد الشر الروحية فى السماويات أما الذين للمسيح فقد صلبوا أهوائهم وشهواتهم { الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات} (غل 5: 24). الهنا الوديع والمتواضع القلب يعلمنا وينصرنا في الحروب يقودنا فى موكب نصرته و يهبنا حكمة ونعمة وتواضع القلب والفكر والروح لنجاهد ناظرين كل حين لرئيس إيماننا ومنه نستمد العون والنعمة لمواصلة رحلة الحياة حتى نصل الى ميناء الخلاص، أمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق