نص متحرك

♥†♥انا هو الراعي الصالح و الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف يو 10 : 11 ♥†♥ فيقيم الخراف عن يمينه و الجداء عن اليسار مت32:25 ♥†♥ فلما خرج يسوع راى جمعا كثيرا فتحنن عليهم اذ كانوا كخراف لا راعي لها فابتدا يعلمهم كثيرا مر 34:6 ♥†♥ و اما الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف يو 2:10 ♥†♥

الأربعاء، 2 سبتمبر 2020

28- القديس بولس الرسول والحكمة والأفراز

 

للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى

الله واهب الحكمة للمؤمنين ..

+ الله هو كلي الحكمة ومصدر كل حكمة ومشورة صالحة { عنده الحكمة والقدرة له المشورة والفطنة} (أي 12 : 13) وقد جاء الينا السيد المسيح ليهبنا حكمة وعلم فنعرفه ونحبه ونخلص نفوسنا { الاله الحكيم الوحيد مخلصنا له المجد والعظمة والقدرة والسلطان الآن والى كل الدهور امين} (يه 1 : 25). ننعم معه بالشركة والحياة الأبدية ويعطينا حكمة ومعرفة { لانى أعطيكم فما وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها } ( لو 15:21) وكل تعاليمه وأعماله تتسم بالحكمة { ملكة التيمن ستقوم في الدين مع رجال هذا الجيل وتدينهم لانها أتت من اقاصي الارض لتسمع حكمة سليمان وهوذا اعظم من سليمان ههنا. } ( لو 31:11). ويكشف القديس بولس عن أن روح الله القدس يهبنا معرفة وحكمة ويعلن لنا عن أسرار اللَّه، ويمتعنا بالتمييز الروحي وفكر المسيح. ومن جانبه لا يستخدم القديس بولس في كرازته سمو الكلام أو الحكمة البشرية بل تتحقق شهادته للَّه بإعلانٍ إلهيٍ مركّزاً على شخص المسيح المصلوب حتى يتمتع المؤمنون بكنز الحكمة الحقيقية السماوية التي تفوق كل حكمة بشرية في هذا العالم عِوض الانشغال بالحوارات العقلية الجافة التي أشتهر بها بعض الفلاسفة. وقد شهد القديس بطرس الرسول في رسائله عن أن الله منح القديس القديس بولس حكمة { واحسبوا اناة ربنا خلاصا كما كتب إليكم أخونا الحبيب بولس ايضا بحسب الحكمة المعطاة له.} (2بط 15:3). أعترف القديس بولس بأنه لم يستعمل كلام الحكمة الإنسانية  فى كرازته بل حكمة وقوة من الروح القدس.

+ أن حكمة الله عظيمة وكاملة وشاملة ومطلقة فهو مصدر كل حكمة للبشر { إن حكمة الرب عظيمة هو شديد القدرة ويرى كل شيء .} (سير 15 : 19) وحكمته لا يستطيع أن يدركها الإنسان أو يستقصيها كقول الرسول بولس { يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء.} (رو11 : 33). أما حكمة الإنسان فهى نسبية ينالها بمحبة الإنسان للحكمة والسعي لاقتنائها { وقال للانسان هوذا مخافة الرب هي الحكمة والحيدان عن الشر هو الفهم (أي  28 :  28).

+   الحكمة توصف على أنّها حالة أو صفة يتم بها التمييز ما بين المقبول وغير المقبول، مقترناً بحكم عادل وبصيرة، وتشمل الحكمة القدرة على التعلّم الكلام والتصرف بتعقل، وتعبّر الحكمة عن المعرفة التي يكتسبها الفرد بسبب علاقته بالله والتجارب والخبرات التي مرّ بها، وبهذا يمكن التمييز ما بين الذكاء والحكمة، أنّ الذكاء يعبّر عن معرفة الشيء، ولكن الحكمة تعبّر عن القدرة على الحكم ما إذا كان الشيء مقبولاً القيام به أم لا بالإضافة إلى أنّ الحكمة تستخدم الذكاء والخبرة والمعرفة من أجل تحقيق الخير، والتكيّف مع البيئة المحيطة. الحكمة الروحية تنبع من معرفتنا بحقيقة أنفسنا ومعرفتنا لله ومشيئته فى حياتنا وهكذا تجعلنا نفكر ونتصرف حسنا في سلوك يتسم بمخافة الله ومحبته والعمل على رضاه {من هو حكيم وعالم بينكم ، فلير أعماله بالتصرف الحسن في وداعة الحكمة }(يع 13:3). والحكيم يقيم توازن بين حياته على الأرض كسفير للسماء فى غربة مؤقتة وبين حياته الابدية وان كانت تعوزه حكمة فليطلب من الله { ان كان احدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير فسيعطى له} (يع 1 : 5). وعندما سُئل الانبا انطونيوس عن ما هي أعظم الفضائل ؟ اجاب : انه الأفراز والحكمة ، الأفراز والحكمة الروحية يميز الإنسان بين الخير والشر والحق والباطل ويسلك في الفضيلة بحكمة .

السيد المسيح أقنوم الحكمة الإلهية ..

+ ربّنا يسوع المسيح هو أقنوم الحكمة الإلهية الذى تجسد من أجل خلاص جنس البشر وكما يقول القديس بولس الرسول { المُذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم} (كو3:2 ). وعندما جاء المسيح إلى الأرض ليخدم خلاصنا أذهل الناس بحكمته التي تجلّت، في جميع المناسبات. حتى فى طفولته تميز بالحكمة فأدهش الحاضرين بأسئلته وأجوبته . وحين بدأ يخدم وينادي بملكوت الله تساءل السامعون { من أين له كل هذا؟ ما هي هذه الحكمة التي أعطيت له؟} (مر 2- 3). السيد المسيح فيه لنا جميع كنوز الحكمة والعلم وهكذا رد القديس بولس على الغنوسيين الذين يقولون أن المعرفة تأتي من الفلسفة والعقل والبحث، بل تصوروا أن معرفتهم وحكمتهم البشرية يمكن أن تفوق المسيح نفسه، لذلك يشرح لهم الرسول أن المسيح فيه كل حكمة، وأية حكمة خارجة عن المسيح ما هى إلاّ ضلال كما أضلت الحية حواء بمكرها. والسيد المسيح يعطى حكمته للبسطاء وهو الذي بيّن لنا أن الآب السماوي يكشف الحكمة للأتقياء المتواضعين والبسطاء، بينما تبعد الحكمة المتكبرين الذين يعتبرون أنفسهم حكماء وفهماء { وفي تلك الساعة تهلل يسوع بالروح وقال احمدك ايها الآب رب السماء والارض لانك اخفيت هذه عن الحكماء والفهماء واعلنتها للاطفال نعم ايها الآب لان هكذا صارت المسرة امامك }(لو 10 : 21). عند القديس بولس الرسول لا توجد حكمة أعلى من حكمة المسيح فهو حكمة الله وقوته { وأما للمدعوين يهودا ويونانيين فبالمسيح قوة الله وحكمة الله} (1كو1 : 24). ربّنا يسوع المسيح مخلص العالم، القادر وحده أن يضمنا إليه ويحررنا ويقدسنا فننعم بالشركة معه، ونبقى معه للأبد، ولا يقدر الموت أن يقترب إلى نفوسنا وارواحنا. ننعم بالسيد المسيح حكمة الله  محب كل البشريَّة، فيتسع قلبنا بالحب نحو كل إنسانٍ، مشتهين أن يشاركنا الكل عذوبة الحياة الخالدة المجيدة. دعانا السيد المسيح أن نكون حكماء ونراه يمدح وكيل الظلم (لو 18:16) لانه بحكمة صنع لكن علينا أن نكون حكماء فى بساطة وعدم تعقيد وبدون غش أو مكر { كونوا بسطاء كالحمام ، وحكماء كالحيات } (مت 16:10). فالحكمة الإلهية لا تحل في نفوس تسلك بمكر { أن الحكمة لا تلج النفس الساعية بالمكر ولا تحل في الجسد المسترق للخطية} (حك 1 : 4).

الروح القدس والحكمة الإلهية ..

+ روح الله هو روح الحكمة والقداسة { ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب} (إش 11 :2).ان الروح القدس ينعم علينا بينابع لا تنضب من الحكمة والمعرفة ويصلي القديس بولس ليمنح الله المؤمنين حكمة واستنارة  { لا ازال شاكرا لاجلكم ذاكرا اياكم في صلواتي.كي يعطيكم اله ربنا يسوع المسيح ابو المجد روح الحكمة والاعلان في معرفته.مستنيرة عيون أذهانكم لتعلموا ما هو رجاء دعوته وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين. وما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين حسب عمل شدة قوته} (اف 16:1-19). ببرهان الروح القدس كرز القديس بولس { وَأَنَا لَمَّا أَتَيْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَتَيْتُ لَيْسَ بِسُمُوِّ الْكَلاَمِ أَوِ الْحِكْمَةِ مُنَادِياً لَكُمْ بِشَهَادَةِ اللهِ لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئاً بَيْنَكُمْ إِلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوباً. وَأَنَا كُنْتُ عِنْدَكُمْ فِي ضُعْفٍ وَخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ كَثِيرَةٍ. وَكَلاَمِي وَكِرَازَتِي لَمْ يَكُونَا بِكَلاَمِ الْحِكْمَةِ الإِنْسَانِيَّةِ الْمُقْنِعِ بَلْ بِبُرْهَانِ الرُّوحِ وَالْقُوَّةِ لِكَيْ لاَ يَكُونَ إِيمَانُكُمْ بِحِكْمَةِ النَّاسِ بَلْ بِقُوَّةِ اللهِ} ( 1كو 1:2-5). القديس بولس لم يكرز بفلسفة عالمية أو بشرية، أن الإيمان يحتاج لقوة عمل الله الذي عمل في بولس فتكلم وعمل المعجزات. والروح القدس هو الذى يحرك العقول والقلوب للإيمان. ونلاحظ أن الرسول يكلم اليونانيين وهؤلاء قد اشتهروا بالفلسفة والحكمة. فهناك أنواع من الحكمة، حكمة عالمية التي يحصل عليها الإنسان من خبراته في هذه الحياة كما توجد حكمة شيطانية، وهذه نجد الإنسان فيها يكذب ويحتال ويغش ليصل إلى ما يريده، وهذه مرفوضة تماماً. وهناك حكمة يعطيها الروح القدس، وهذه هي التي تكلم بها بولس في كرازته من الروح القدس فكانت مصحوبة بقوة التأثير في السامع.

+ الحكمة التى من الله كهبة من الروح القدس ليس هي الكياسة والدبلوماسية أو الدهاء والمكر الذي يظنه البعض حكمة وليس هي الذكاء بل هي معرفة حقيقة الأشياء كما هى فى فكر الله والفطنة و الإفراز والتمييز الروحى الذى يهبنا أن نتصرف بالبساطة الحكيمة الطاهرة الرحيمة والوديعة كما يليق بأبناء الله القديسين فى تكامل وتوازن واتزان والتزام روحى وكما جاء فى الإنجيل { من هو حكيم وعالم بينكم فلير اعماله بالتصرف الحسن في وداعة الحكمة. ولكن ان كان لكم غيرة مرة وتحزب في قلوبكم فلا تفتخروا و تكذبوا على الحق. ليست هذه الحكمة نازلة من فوق بل هي ارضية نفسانية شيطانية. لأنه حيث الغيرة والتحزب هناك التشويش وكل أمر رديء. وأما الحكمة التي من فوق فهي اولا طاهرة ثم مسالمة مترفقة مذعنة مملوءة رحمة و ثمارا صالحة عديمة الريب والرياء و ثمر البر يزرع في السلام من الذين يفعلون السلام} ( يع 13:3-18). هذه الحكمة الوديعة التي كرز بها القديس بولس كقوله {بل نتكلم بحكمة الله في سر الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا} (1 كو 2 : 7) بولس لم يتكلم كخطيبٍ بليغٍ ولا كفيلسوفٍ ماهرٍ، ولم يُظهر حكمة بشرية بألفاظٍ براقةٍ. فقد تربى في مدرسة جديدة هي مدرسة الحكمة الإلهية، بروح التواضع والمخافة الإلهية وفكر المسيح مقدماً الحق الإلهي في بساطة. فالمؤمن يحمل شهادة لقوة الإنجيل وحكمته في أعماقه، خلال خبرته وتجديد طبيعته، الأمر الذي لن يقدر كائن ما أن يفعله سوى اللَّه نفسه. يشهد المؤمن أن رجاءه وأفراحه وسلامه واشتياقه للعبادة وتمتعه بأسرار الكتاب المقدس وحبه للَّه والناس والتهاب قلبه بالسماويات وشركته مع الملائكة هذه كلها تتحقق بقوة اللَّه العامل فيه. فمصدر الحكمة التي عملت في بولس الرسول هو اللَّه نفسه والذى يستطيع أن يمنحنا حكمة ومعرفة وفهم قلب لنسلك في العالم  بحكمة كما يليق بابناء الله القديسين وتلازمنا وتنمو فينا الحكمة والمعرفة والمحبة إلى ما بعد الدهور لتدخل بنا إلى شركة المجد السماوي، أمين. 

ليست هناك تعليقات: