للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
+ محاسبة الذات والمصالحة مع الله .. حساب الذات والاعتراف لله بالخطية هو بداية التوبة للمصالحة مع الله ثم الإقلاع عن الخطية والتصميم على عدم الرجوع إليها لكي لا نخون محبة الله ولكي لا نفقد ابديتنا ونهلك أنفسنا { لأنه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه }(مت 16 : 26). هكذا فعل الابن الضالّ بعدما أخذ نصيبه من الميراث وبدّده فى حياة الخطية و جاع ولم يجد ما يشبعه رجع إلى نفسه وعاتبها ثم قام ورجع إلى أبيه بمشاعر صادقة بخطيئته وأنه لا يستحق أن يكون له أبن من أجل أفعاله الخاطئة ( لو 12:15-24). يجب ان نفكر فيما حصدناه من البعد عن الله ونصارح أنفسنا والله ونقف أمامه فى خشوع ودموع ونقول له أمام أب الإعتراف ( أخطأت يا أبتاه فى السماء وقدامك ولست مستحقاً أن أدعى لك ابناً). ونأخذ الارشاد والعلاج والحل من الخطايا لننال الغفران والمصالحة مع الله { إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحاً الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعاً فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ. إِذاً نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ الْمَسِيحِ، كَأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ الْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ. لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ.}( 2كو 19:5-21) عاش القديس بولس هذه المصالحة مع الله ثم أخذ يكرز ويبشر ويدعو للصلح مع الله بالتوبة، والإيمان بالخلاص الذى صنعه السيد المسيح على الصليب. يجب علينا أن نحاسب أنفسنا دائما ونصطلح مع الله ونشهد لمحبته الله للبشر ونجاهد فى الصلاة وضبط النفس واكتساب الفضائل الروحيّة.
+ التحرر من سلطان الخطية... في العهد القديم استعبد الشعب فرعون وصرخوا لله فأرسل لهم موسى النبي كمحرر في أهتمام من الله بخلاص وفداء شعبه وكان الفداء وتحرير الله لشعبه من عبودية فرعون ثم هداهم بقوته وخلصهم { ترشد برأفتك الشعب الذي فديته تهديه بقوتك إلى مسكن قدسك.} (خر ١٥: ١٣). أما في العهد الجديد فإننا بالتوبة والانعتاق من عبودية إبليس والخطية وقبول الإيمان بالمسيح الفادي والمحرّر نعتق من عبودية إبليس والخطية وسلطانها، وتغفر خطايانا بفيض غنى نعمة المسيح الفائقة، ويقودنا لا الي أرض الموعد بل الي أمجاد السماء. {الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته} (اف 1 : 7). المسيح يخلصنا من آسر إبليس ومن سلطان الخطية الي حرية مجد أبناء الله ويحل بالإيمان فينا ونحن فيه، و ينزع عنا خطايانا التي سقطنا تحت أسرها بإرادتنا ويطرحها في بحر النسيان ويزيننا بكل حكمة وفطنة، إذ يسكن فينا ويعلن جماله السماوي في حياتنا لنتمتع بالاستنارة ويفتح عيون قلوبنا لنرى نور الحق. فالخطية والجهل يغلقان عين القلب فلا يري النور، وعمل الإنجيل هو إنارة الأعين الداخلية للمؤمن (أف 1: 18). خلال الاستنارة يتحول المؤمن من ظلمة الخطية إلى نور الإيمان والتمتع بالبرّ. البعيدون عن الله جالسون في الظلمة مستعبدون تحت سلطان إبليس ومحتاجون إلى الانتقال إلى مملكة الله، حيث الحرية والمغفرة والتمتع بالحياة المقدسة مع القديسين. وبالإيمان بالمسيح نتمتع بالبنوة لله، ويصير لنا ميراث القديسين في النور ونعمل أعمال البر وننال الميراث مع القديسين .
+ التوبة وحياة الرجاء في المسيح .. التوبة المستمرة تجعلنا نسير في طريق القداسة ونحيا علي رجاء حتى لو تعرضنا لتعثر خطواتنا. لكن علينا أن نتعلم من أخطائنا ونتمسك بمحبة المسيح ونشبع بعشرته. المسيح جاء يهب الرجاء لكل أحد مهما كانت حالتنا. وحياة القديس بولس وجهاده في الإيمان حافز للهمم ومغيرة للخطاة ودعوة لعدم اليأس وعدم قطع الرجاء فى الله الذى يغفر ويغير الزناة والقتلة والمضطهدين ويحولهم لقديسين بعمل نعمته الغنيمة ومحبته الأبدية و خلاصه العجيب. و ينبهنا القديس بولس الرسول أن لا تستهين بغنى لطف الله وامهاله بل يجب ان نسرع الى التوبة { أم تستهين بغنى لطفه وامهاله وطول اناته غير عالم أن لطف الله انما يقتادك الى التوبة} (رو 2 : 4). من اجل هذا يقول القديس باسيليوس الكبير (جيد ان لا تخطئ وإن أخطأت فجيد ألا تؤخر التوبة فإن تبت فجيد ان لا نعود للخطية وان لم تعد فاعرف ان ذلك بمعونة الله وان عرفت ذلك فجيد أن تشكر الله). فباب مراحم الله مفتوح دائما للراجعين اليه فهو الذي جاء ليطلب ويخلِّص من قد هلك. الشيطان يعمل باستماتة ليوقعنا فى اليأس من جهة صعوبة بعدنا عن الخطية لنستمر فيها أو يشككنا من جهة قبول الله لنا، أو يجعلنا نؤجل التوبة أو يقودنا لليأس ولكن علينا ان نتمسك بالرجاء في رحمة الله { فَإِذْ لَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ ثِقَةٌ بِالدُّخُولِ إِلَى «الأَقْدَاسِ» بِدَمِ يَسُوعَ،. طَرِيقاً كَرَّسَهُ لَنَا حَدِيثا حَيّاً، بِالْحِجَابِ، أَيْ جَسَدِهِ،. وَكَاهِنٌ عَظِيمٌ عَلَى بَيْتِ اللهِ،. لِنَتَقَدَّمْ بِقَلْبٍ صَادِقٍ فِي يَقِينِ الإِيمَانِ، مَرْشُوشَةً قُلُوبُنَا مِنْ ضَمِيرٍ شِرِّيرٍ، وَمُغْتَسِلَةً أَجْسَادُنَا بِمَاءٍ نَقِيٍّ. لِنَتَمَسَّكْ بِإِقْرَارِ الرَّجَاءِ رَاسِخاً، لأَنَّ الَّذِي وَعَدَ هُوَ أَمِينٌ. وَلْنُلاَحِظْ بَعْضُنَا بَعْضاً لِلتَّحْرِيضِ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ} (عب19:10-24). لنتمسك بإقرار الرجاء الذى يعطى انفتاح غير محدود علي غني المسيح وثقة مطلقة بأن الله قادر أن يعطينا نعمة لنتحرر ويحقق لنا كل وعوده و يعيننا ويقوينا { ليقل الضعيف بطل انا }(يؤ 3 : 10). الإيمان يهبنا الدخول لطريق الخلاص والرجاء ويفتح القلب لمعاينة الله بفرح وننمو في المحبة كسمة مميزة لأبناء الله القديسين . الرجاء يكون بضمير صالح يهرب من الشر ويكره الخطية ويلتزم بالجهاد المستمر فى حياة البر.
+ التغيير وتجديد الذهن وعمل إرادة الله....
التوبة من نتائجها خلع الإنسان العتيق بشهواته ولبس الإنسان الجديد الذي يتجدد على صورة خالقه {اذا ان كان احد في المسيح فهو خليقة جديدة الاشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديدا }(2 كو 5 : 17) . الشخص التائب حقاً هو من مات مع المسيح وآمن بخلاصة وإتحد بموته وقيامته في المعمودية، وقام كخليقة جديدة، أمّا حالتنا القديمة وحياة الخطية فقد إنتهت، لقد حصلنا على الخليقة الجديدة ومواعيد جديدة وعهد جديد. المؤمن وُلِدَ من جديد في عالم جديد يختلف عن عالم الخطيئة الأول وتصير للمؤمن دوافع جديدة وأهداف جديدة للحياة مع الله. الأديان الأخرى تعطى وصايا وتعاليم، أما المسيحية فتعطى حياة جديدة غير الطبيعة الخاطئة. فكثرة التعاليم لن تصلح الطبيعة الخاطئة، فالمسيحية لم تأت بتعاليم جديدة فقط بل بحياة وطبيعة جديدة، لنقول مع القديس بولس { مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ } (غل 2 : 20). ولكي نتمتع بحياة المسيح فينا علينا أن نموت عن شهوات العالم ونقوم مع المسيح في حياة جديدة هي حياته. الإنسان البعيد عن الله هدفه زيادة أمواله وكنوزه على الأرض أو الجرى وراء متع العالم ، والتائب هدفه أن تكون له كنوز في السماء، ويبتعد عن الشهوات وهدف حياته أن ينمو في معرفة المسيح ومحبته ويأتي بثمر كثير. وفي هذا ننمو يوما فيوم في صنع إرادة الله المقدسة والكاملة كما يقول القديس بولس الرسول {ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم لتختبروا ما هي ارادة الله الصالحة المرضية الكاملة} (رو 12 : 2). أن أولاد وبنات الله يكون لهم صورة وعمل وشكل المسيح في محبته وقداسته ووداعته ويكونون نوراً للعالم، لا تشاكلوا هذا العالم الزائف بل يتغيروا كخليقة الجديدة بالولادة الجديدة بالمعمودية والتوبة العاملة والشاملة والمستمرة والتي تهب الدافع للتغيير لننمو من مجد إلى مجد كما من الرب الروح (2كو 18:3). نعتمد في التغيير على ما حصلنا عليه في داخلنا من قوة مؤازرة من الروح القدس. وبقدر ما نتغير عن شكل هذا الدهر نتشكل كأبناء لله، فنحمل شكل المسيح بتجديد أذهاننا وتصير لنا البصيرة الروحية و الإدراك الروحي بإستمرار وتتجدد أذهاننا بالدراسة والتأمل والقراءة ويتحول ذلك الي سلوك روحي عملي نختبر فيه إرادة الله الصالحة المرضية و ننفذها فى حياتنا.
+ التدقيق والحرص الروحي .. الإنسان التائب يعترف بضعفه أمام حيل إبليس واغراءته، لهذا يحرص في سلوكه ويخشى السقوط فيسلك بتدقيق لانه يعرف ان الخطية طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء. التائب يصلح طريقه ويعالج نتائج أخطائه وخطاياه ويتعلم من ماضيه و يفكر قبل الإقدام على عمل هل هذا العمل يرضي الله؟{ لأنكم كنتم قبلا ظلمة وأما الان فنور في الرب اسلكوا كأولاد نور.لأن ثمر الروح هو في كل صلاح وبر وحق. مختبرين ما هو مرضي عند الرب. ولا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحري وبخوها. لأن الأمور الحادثة منهم سرا ذكرها أيضا قبيح. ولكن الكل إذا توبخ يظهر بالنور لأن كل ما أظهر فهو نور. لذلك يقول استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضيء لك المسيح. فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء. مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة} ( أف 8:5-16). عندما نسلك في النور نعرف الحق. والسلوك فى النور يفضح من يسلك فى الخطأ دون أن نتكلم كلمة واحدة. ليستيقظ النائم والخاطئ ويشعر بنور المسيح القادر أن يكشف له عن الظلمات التى يحيا فيها، والتى تجعله ميت روحيا. المسيح هو أقنوم الحكمة وهو النور، وإتباع وصاياه هو منتهى الحكمة، لأن من يتبع وصايا الله و يحبه ويطيعه سيحيا فى سلام على الأرض وتكون له حياة أبدية. والمدقق لا يسمح بدخول الخطايا الصغيرة كالثعالب الصغيرة التي تكبر وتفسد حياته ويستثمر وقته حسنا فعلامة التعقل هو افتداء الوقت. فأهمية حياتنا الحالية هى فى كونها سبب لحياتنا الأبدية أو هلاكنا الأبدى. فلا نضيع وقتنا فيما لا يفيد ونستثمر الوقت للسلوك في النور، ونحيا حياة سماوية نكمل ما بدأه على الأرض فى السماء ويكون نصيبنا فى النور. أما من يسلك فى الباطل والمسليات الفارغة، أو فى خطايا وظلمة هذا العالم سيكون مكانه في الظلمة الخارجية ويضيع إكليلة السماوى.
التوبة ترتبط بالكثير من الفضائل الروحية وتقود اليها، فالتائب يسرع الى النمو فى محبة الله ومعرفته فينمو فى حياة الصلاة والقراءة في الكتاب المقدس والكتب الروحية متعلمًا من سير القديسين كيف يصنع ثماراً روحية تليق بالتوبة وينمو فى التأمل والخدمة للآخرين ويحيا بتواضع قلب ومن بين الفضائل الروحية التى يحياها التائب نجد أنه يتميز بالتواضع والانسحاق والحرص والتدقيق للثبات في المسيح والاقتداء به وبقديسه { كونوا متمثلين بي كما انا ايضا بالمسيح (1كو 11 : 1) نصنع خير وسلام {حد عن الشر واصنع الخير اطلب السلامة واسع وراءها } (مز 34 : 14). نسعى لا للبعد عن الخطية فقط لكراهية وانتزاعها من الفكر والقلب وصنع الثمار الروحية {فاصنعوا اثمارا تليق بالتوبة }(مت 3 : 8). ونسعى الى القداسة والكمال المسيحي { اتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب } (عب 12 : 14). الاتحاد بالمسيح يجعلنا نعوض ما فاتنا من سنين أكلها الجراد وكانت بلا ثمر لنصل في نهاية الرحلة الى السماء لنكون مع الله كل حين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق