للأب القمص أفرايم الانبا بيشوى
رسالتنا في الحياة وأهمية الجهاد الروحي ..
+ نحن فى الحياة علي الأرض في فترة اختبار وغربة ومهمة ولاداء رسالة خلقنا الله فى الحياة من أجلها وعلينا أن نؤدي رسالتنا بامانة واخلاص { لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لاعمال صالحة قد سبق الله فاعدها لكي نسلك فيها }(اف 2 :10). ولكي ينجح الإنسان في حياته ويؤدي رسالته عليه أن يعمل ويجاهد في حياه العملية والروحية متطلعاً الي رئيس الإيمان ومكمله الرب يسوع ويتعلم من القديسين كقدوة وشفعاء لنا ويجاهد ضد الخطية من أجل النمو في الإيمان العامل بالمحبة كما يقول القديس بولس الرسول { لِذَلِكَ نَحْنُ أَيْضاً إِذْ لَنَا سَحَابَةٌ مِنَ الشُّهُودِ مِقْدَارُ هَذِهِ مُحِيطَةٌ بِنَا، لِنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْلٍ وَالْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ، وَلْنُحَاضِرْ بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا، نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِيناً بِالْخِزْيِ، فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ اللهِ. فَتَفَكَّرُوا فِي الَّذِي احْتَمَلَ مِنَ الْخُطَاةِ مُقَاوَمَةً لِنَفْسِهِ مِثْلَ هَذِهِ لِئَلاَّ تَكِلُّوا وَتَخُورُوا فِي نُفُوسِكُمْ. لَمْ تُقَاوِمُوا بَعْدُ حَتَّى الدَّمِ مُجَاهِدِينَ ضِدَّ الْخَطِيَّةِ} ( عب 1:12-4). نحن لنا سحابة من الشهود القديسين فى العهد القديم والجديد والكنيسة المنتصرة على مر التاريخ،نذكر البعض منهم في مجمع القديسين في التسبحة اليومية وهم كسحابة عظيمة تحيط بنا، يشهدون بحياة الإيمان المنتصر، ويطلبون عنا ونسير علي أثرهم ونتعلم من فضائلهم ونطرح عنا جانبًا كل ثقل الخطية واغراءاتها والخوف والضعف والقلق والبعد عن الله، ونسرع إلى المثابرة فى الجهاد الروحى. لكي تكون لنا شركة مع "سحابة الشهود" التي لم يستطع الرسول أن يحدد قياسها، قائلاً "مقدار هذه"، ولكي نصير جزءًا لا يتجزأ من هذه السحابة الإلهية علينا أن "ِنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْلٍ وَالْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا"، الأمور التي تفسد طبيعتنا وتحرمنا من التمتع بالخلقة الجديدة التي صارت لنا في المعمودية. وفي سفر إشعياء يتنبأ عن السيد المسيح القادم الي مصر على سحابة خفيفة وسريعة (أش 19: 1 )، وتشير السحابة إلى السيدة العذراء عند هروبها إلى مصر حاملة السيد المسيح في حضنها، وكما يقول القديس كيرلس الكبير السحابة تشير أيضاً إلى كل نفسٍ نقية ورعة تحمل يسوعها في داخلها وتسير به ومعه كسحابة سريعة خفيفة، لا تثقل الخطية طبيعتها أو تعوق مسيرتها نحو السماء. نحمل مخلصها مسرعين، لا بالكلام والعاطفة فحسب، وإنما بالصبر فى الجهاد الموضوع أمامنا لننال المكافأة. وإن كانت آلام وصبر وإيمان القديسين حافز لنا للجهاد الروحي فاي غيرة روحية عظيمة ومعونة وقوة يدفعنا إليها رئيس إيماننا الرب يسوع المسيح. إن شركة آلام المسيح وقوة قيامته تمحو الخطايا وتهب العطايا { لاعرفه وقوة قيامته وشركة الامه متشبها بموته} (في 3 : 10). السيد المسيح قائد المؤمنين في طريق الكمال الوعر ويقدر أن يقودنا فى موكب نصرته من مجدٍ إلى مجد. وكما كانت آلام الصليب لا تُحتمل، لكنها في عيني الرب موضوع سرور وفرح، إذ يراها الطريق الذي به يحملنا إلى قيامته، ليجلسنا معه وفيه عن يمين العرش الإلهي. فنحن نفرح بالجهاد والضيقات والالام علي الرغم من صعوبتها فهي طريق الأقداس المفتوح أمامنا. لقد احتمل السيد المسيح الآلام من أجلنا نحن الخطاة وليس من أجل نفسه، فكم بالحري يليق بنا أن نقبلها ونجاهد من أجل خلاص نفوسنا وثباتنا فى الإيمان حتى النهاية.
+ الجهاد الروحى وأكاليل النصرة ...
جهادنا الروحي يجعلنا ننمو في الحكمة والنعمة وعمل الخير والخدمة واكتساب الفضائل كما نجاهد للتخلص من الخطايا والضعفات والتوبة والصبر على التجارب والضيقات وفي ذلك يشترك الجسد والنفس والفكر والضمير والروح والارادة من أجل إرضاء الله وصنع إرادته ومقاومة الأهواء سواء أتت من داخل الإنسان وميوله أو من خارج من خلال البيئة المُعثرة أو سواء أتت من الشيطان وحروبه سواء كانت حروب يمينية كالكبرياء والمجد الباطل او حروب شماليه من شهوات وكراهية وصغر نفس وغيره من خطايا لاننا لا نجهل حيل الشيطان. من لا يجاهد لا يكلل أو ينتصر ويغلب ويهزم من ضعفه وحروب الشيطان الذى أسقط الكثيرين ويحثنا القديس بولس للجهاد الروحي لننال الأكاليل التي لا تفني { أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يَرْكُضُونَ فِي الْمَيْدَانِ جَمِيعُهُمْ يَرْكُضُونَ وَلَكِنَّ وَاحِداً يَأْخُذُ الْجَعَالَةَ؟ هَكَذَا ارْكُضُوا لِكَيْ تَنَالُوا. وَكُلُّ مَنْ يُجَاهِدُ يَضْبِطُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. أَمَّا أُولَئِكَ فَلِكَيْ يَأْخُذُوا إِكْلِيلاً يَفْنَى وَأَمَّا نَحْنُ فَإِكْلِيلاً لاَ يَفْنَى. إِذاً أَنَا أَرْكُضُ هَكَذَا كَأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ غَيْرِ يَقِينٍ. هَكَذَا أُضَارِبُ كَأَنِّي لاَ أَضْرِبُ الْهَوَاءَ. بَلْ أَقْمَعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ حَتَّى بَعْدَ مَا كَرَزْتُ لِلآخَرِينَ لاَ أَصِيرُ أنَا نَفْسِي مَرْفُوضاً. وكل من يجاهد يضبط نفسه في كل شيء أما أولئك فلكي ياخذوا اكليلا يفنى وأما نحن فاكليلا لا يفنى } (1كو 9 :23-27). الذين يتسابقون في الركض أوالمصارعة يدربون أنفسهم ويضبطوا اجسادهم لكي يبلغوا أعلى مستوى في السباق وقليلون يقدرا أن ينالوا الجائزة، وكانت الإكاليل غالبًا من النباتات أو الورود توضع على رأس المنتصرين أو حتى جوائز وأحتفال بالفوز فكلها إكاليل تفنى، أما المؤمنون فإنهم إذ يدربون أنفسهم في سباق الحياة الفاضلة، فيستطيع كل واحد منهم أن ينال إكليل النصرة الذي لا يفني ولا يضمحل فى السماء والتي يشتاق اللَّه أن يهبها للكل وينصحنا القديس بولس أن نزيد سرعتنا ويقول اركضوا لكي تنالوا. فإنه هو نفسه في حركة سريعة أراد يبلغ ما هو أمامه ناسيًا ما هو وراء ويمتد الي ما هو قدام ويرى البعض أن الجهاد القانوني الذي به ننعم بالغلبة والنصرة هو حياة الإيمان العامل بالمحبة والمستند علي نعمة الله ومعونته بروح العمل والجهاد. وأعلن القديس بولس بثقة أنه مثبت نظره نحو الهدف، ومسرعًا لإدراكه بكل سرعة {قد جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان} (2 تي 7:4). ولأنه يعلم أنه يسعى نحو الهدف باستقامة قلب ولم يكل، وينتصر في المعركة الروحية بنعمة المسيح الذي يقويه وبطهارة الجسد، ختم حديثه بجسارة قائلاً: { وأخيرًا قد وُضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الديان العادل}( 2تي 8:4). ولكي يفتح أمامنا باب الرجاء أيضًا لاقتناء مثل هذه المكافأة إذا ما رغبنا أن نحاكيه في مسيرة جهاده أضاف: { وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضًا} (2 تي 8:4). أننا سنكون شركاءه في الإكليل يوم الدينونة إذا نجاهد وننتصر وننتظر ظهور السيد المسيح.
+ جهاد الإيمان الحسن والحياة الأبدية ... الإرادة الصادقة فى أتباع الرب بنفس راغبة للنمو فى الإيمان والقلب المحصن بمحبة الله والفكر المقدس الذى يعمل على إرضاء الله بحواس المختونة بالنعمة وجسد مضبوط بالجهاد لا يجعل للخطية مكان فينا بل نتبع البر ونسير فى طريق التقوى بإيمان ومحبة وصبر يجعلنا نمسك بالحياة الأبدية {واما أنت يا إنسان الله فاهرب من هذا واتبع البر والتقوى والإيمان والمحبة والصبر والوداعة. جاهد جهاد الايمان الحسن وامسك بالحياة الابدية التي اليها دعيت ايضا واعترفت الاعتراف الحسن أمام شهود كثيرين} (1تي 6 : 11-12). سار ابائنا القديسين في هذا الطريق من قبلنا مقتدين بالمعلم الصالح ونحن نقتفي أثارهم وكما سلك ذاك ، هكذا نسلك نحن ايضاً لنكون مشابهين صورة ابنه { لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه ليكون هو بكرا بين إخوة كثيرين }(رو 8 : 29). نحيا على الأرض كاناس الله القديسين ليقيمنا فى اليوم الاخير { فان سيرتنا نحن هي في السماوات التي منها ايضا ننتظر مخلصا هو الرب يسوع المسيح. الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده بحسب عمل استطاعته أن يخضع لنفسه كل شيء}( في 20:3-21). ويحثنا القديس بولس للجهاد للهروب من محبة غني وشهوات العالم أو التعلق بالاهتمامات الباطلة ويذكرنا بمركزنا الحقيقي، كابناء الله القديسين فإن رجل الله يطلب غناه فيما هو لله لا فيما هو زمني وزائل. هكذا يعالج الرسول الطمع بكل وسيلة إيجابية وسلبية، فبعد أن أبرز محبة المال كأصل لكل الشرور وعلة الانحراف الإيماني كما السلوكي، أبرز مركز المؤمن كإنسان الله، تعلو نفسه فوق الزمنيات المؤقتة، ليطلب الأحضان الأبوية الأبدية. فإنه لن يقدر أن يهرب الإنسان من الطمع مادامت نظرته ملتصقة بالسفليات، وقلبه يزحف على الأرض، لكن أذ ندرك مركزنا كاناس الله القديسين ترتفع قلوبنا إلى حيث كنزنا في السماء كقول الرب { اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزاً فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ لاَ يُفْسِدُ سُوسٌ وَلاَ صَدَأٌ، وَحَيْثُ لاَ يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلاَ يَسْرِقُونَ، لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضاً. } (مت 6 : 20-21)
الهروب من الطمع ومحبة الزمنيات ليست خسارة أو فقدان بل هي حالة امتلاء وشبع من المسيح يسوع نفسه بكونه البر والغني والحب الحقيقي، الذي يفرح ويشبع النفس البشرية، ففي المسيح تختبر النفس حياة التقوى لتعيش في غنى داخلي خلال القناعة، ولا تشعر بالعوز إلى شيء. وعوض محبة الزمنيات ننعم بالحياة الجديدة في المسيح يسوع بواسطة روحه القدوس، لندخل في حضن الآب. وهذا يتطلب من المؤمن الجهاد المستمر، والتمسك بالوعود الأبدية، وإعلان اعترافنا أو شهادتنا الإيمانية أمام الجميع، بهذا نكون كالمشاركين في مباريات الألعاب الرياضية الذين من أجل نوالهم المكافأة يحرمون أنفسهم من الكثير من الملذات الجسدية لتهيئة أجسامهم وتدريبها على الفوز.
+ الله لنا اباً وعونا في جهادنا الروحي ..
لم يتركنا بلا مرشد او معزى فى طريق الجهاد بل ترك لنا كلمته المقدسة فى الإنجيل كنور وحياة { كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر. لكي يكون إنسان الله كاملا متاهبا لكل عمل صالح} (2 تيم 16:3-17). ووهبنا الوسائط الروحية التى تبنى الروح وتغذيها وجعل لنا من الصلاة صلة وعلاقة بها نتحدث معه حديث المحبة كآب صالح يستمع لنا ويعلمنا ويرشدنا وأعطانا نعمة روحه القدوس { وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم} (يو 14 : 26). علينا ان ننقاد فى حياتنا بروح الله لنكون أناس روحيين نغلب تيار الاثم الذى فى العالم وقوى الشر الروحية والخطية بإيماننا وصلتنا بالله وبروحه القدوس {لان كل الذين ينقادون بروح الله فاولئك هم ابناء الله. اذ لم تاخذوا روح العبودية ايضا للخوف بل اخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا ابا الاب. الروح نفسه ايضا يشهد لارواحنا اننا اولاد الله. فان كنا اولادا فاننا ورثة ايضا ورثة الله و وارثون مع المسيح ان كنا نتالم معه لكي نتمجد ايضا معه} (رو 14:8-17).
نصلي ليقوى الله إيماننا...
+ يا الله الآب القدوس الداعي الكل للخلاص من أجل الخيرات المنتظرة، الذي دعانا للكمال المسيحي، أجعلنا أهلاً لابوتك الأبدية ومحبتك القوية ونعمتك الغنية وأن نتبعك بنفس راغبة وقلب كامل وإرادة ثابتة وأفتح أعين قلوبنا لكي نجاهد الجهاد الحسن ونحبك بكل القلب ونخدمك كما يليق بأبناء الله القديسين و لمشيئتك نكون طائعين وبروحك القدوس ننقاد ونسير كل حين.
+ نصلي إليك يا رئيس إيماننا .. لكي تعيننا في الجهاد الروحي الموضوع أمامنا وتقوي إيماننا وتنمي محبتنا وتزيد رجاءنا فيك وبك ومعك نسير من قوة إلى قوة. ونثق أنك إلهنا الأمين والعادل والقادر أن يقودنا فى موكب نصرتك لنقوم برسالتنا ونجاهد الجهاد الحسن ونمسك بالحياة الأبدية التي إليها دُعينا.
+ نطلب العون والصلاة من سحابة الشهود القديسين في الكنيسة المنتصرة وهم لنا قدوة حسنة من الآباء والأنبياء والرسل والشهداء والقديسين المحيطين بنا لكي يصلوا من أجلنا ويشددوا عزيمتنا. أنهم لا يريدوا أن يكملوا بدوننا ولهذا نطرح عنا كل ثقل الخطية وكل تكبر وننكر ذواتنا ونحمل الصليب بشكر وفرح ونسير فى موكب الكنيسة المجاهدة لننال الإكاليل المعدة للغالبين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق