للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
السيد المسيح وحياة الخدمة والبذل ..
جاء السيد المسيح وهو الله الكلمة المتجسد ليخدم ويقدم ذاته فدية لخلاصنا وبذل ذاته من أجلنا علي عود الصليب وحتى التلاميذ عندما حدث بينهم أختلاف علي من هو الأكبر، راينا السيد المسيح يقدم لهم ذاته مثالاً في الخدمة والتواضع والبذل ويغسل أرجلهم ويصحح مفاهيمهم عن الخدمة { وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ أَيْضاً مُشَاجَرَةٌ مَنْ مِنْهُمْ يُظَنُّ أَنَّهُ يَكُونُ أَكْبَرَ. فَقَالَ لَهُمْ: «مُلُوكُ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَالْمُتَسَلِّطُونَ عَلَيْهِمْ يُدْعَوْنَ مُحْسِنِينَ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَيْسَ هَكَذَا، بَلِ الْكَبِيرُ فِيكُمْ لِيَكُنْ كَالأَصْغَرِ، وَالْمُتَقَدِّمُ كَالْخَادِمِ. لأَنْ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ: أَلَّذِي يَتَّكِئُ أَمِ الَّذِي يَخْدُمُ؟ أَلَيْسَ الَّذِي يَتَّكِئُ؟ وَلَكِنِّي أَنَا بَيْنَكُمْ كَالَّذِي يَخْدُمُ.} (لو 24:22:27). قدم لنا السيد المسيح ذاته مثال صالح في الخدمة والبذل { فلما كان قد غسل ارجلهم واخذ ثيابه واتكأ ايضا قال لهم اتفهمون ما قد صنعت بكم. انتم تدعونني معلما وسيدا وحسنا تقولون لاني انا كذلك. فان كنت وانا السيد والمعلم قد غسلت ارجلكم فانتم يجب عليكم ان يغسل بعضكم ارجل بعض. لاني اعطيتكم مثالا حتى كما صنعت انا بكم تصنعون انتم ايضا. الحق الحق اقول لكم انه ليس عبد اعظم من سيده ولا رسول اعظم من مرسله. ان علمتم هذا فطوباكم إن عملتموه} (يو 12:13-17). السيد المسيح يطلب من تلاميذه ومن الخدام في كل زمان ومكان أن يبذلوا ذواتهم في سبيل إخوتهم، كما صنع هو نفسه بنا ومعنا وهو معلّمنا وربّنا وسيّدنا، إذ أتى ليخدم لا ليُخدم. لقد وضع شروط ومعايير للخدمة بتواضع وبذل وتعب ووداعة وعطاء وتضحية. اهتم السيد المسيح بخلاص البشرية كلها وفى نفس الوقت أهتم بالنفس الواحدة، كما بزكا ومتى العشار ومريم المجدلية والمرأة السامرية وأبن الأرملة. ويهتم بخلاص كل الإنسان جسدا وروحا ونفساً. أطعم الجياع وشفي منكسرى القلوب ورفع المتواضعين وشفى البرص المنبوذين. سعى لاعلان محبته للأطفال كما فى مباركته لهم وجعلهم مثال لنا فى التواضع والبساطة والبراءة واهتم بالشباب وخلاصهم وإقامتهم أقوياء فى الروح، كما أهتم بالشيوخ وتعليمهم ليلاً ونهاراً، أهتم بالرجال والنساء. أهتم باليهود كما بالأمم من سامريين ويونان ورومان ومدح إيمان المرأة الكنعانية وقائد المئة الاممى. وجاء إلى مصر وبارك أرضها وعاش فى الأراضي المقدسة وتخضبت أرضها بدمه الطاهر. وكما قال له المجد { أنا قد جئت نورا الى العالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة }(يو 12 : 46). وهكذا ذهب الرسل يكرزون للأمم بنور الإيمان قائلين { لان هكذا اوصانا الرب قد اقمتك نورا للامم لتكون انت خلاصا الى اقصى الارض } (اع 13 : 47)
المسيح الخادم القدوة ..
السيد المسيح هو المثال والخادم الذى يجب أن نقتدي به في خدمتنا ونتعلم منه كيف نريح الآخرين ونحيا بوداعة متواضعين، فنحن غرباء علي الأرض جائنا لأداء رسالة سامية نقدمها كما العبد الصالح والأمين لننال الجزاء والمكأفاة في قيامة الصديقين { تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ.} (مت 28:11-30). السيّد المسيح يرينا أنّ مَن يريد أن يكون تلميذاً للمسيح عليه أن يتعلم منه ويسير علي أثر خطاه. لذلك ينبغي له أن يخدم إخوته فى الإيمان والإنسانية ويغسل أرجلهم، لا أن يستعبدهم من أجل منافعه الخاصّة أو تضخّم ذاته أو ثروته أو مركزه. علي الخادم أن يبذل ذاته من أجل المخدومين. ينبغي للخدام أن يتعلموا من القدّيس يوحنّا المعمدان الخادم الأمين الذى أعد الطريق أمام الرب وقال { ينبغي ان ذلك يزيد واني انا انقص} (يو 3 : 30) . لقد كانت الكبرياء سبباً فى سقوط رتبة من الملائكة ليصيروا شياطين كما قادت أبوينا آدم وحواء للسقوط من الفردوس، فجاء السيد المسيح بالتواضع ليردنا الى الفردوس دفعة أخرى، ومَن أراد أن يتبع المسيح خادم خلاصنا يجب عليه أن يسلك هذه الطريق عينها، إذ ليس هناك من طريق أخرى للخلاص، ونوال الحياة الأبديّة { إنْ كان أحد يخدمني فليتبعني وحيث أكون أنا هناك يكون خادمي. إنْ كان أحد يخدمني يكرمه أبي} (يو12: 26). لقد كان لبس الصندل كحذاء ، في بلاد الشرق، يجعل من الضروري غسل الأرجل باستمرار. وكانت الكياسة تقتضي عادةً أن يخصص المضيّف عبدًا لغسل أرجل زائريه. أمّا هنا، فالمضيّف الإلهي هو الذي أخذ مكان العبد للقيام بخدمة غسل الارجل، ما أعمق ما قام به المخلص، لقد غسل أرجل التلاميذ جميعاً حتى يهوذا الخائن ، أعطاه فرصة أخيرة لكي يراجع نفسه ويتوب عن فعلته ويرجع إليه فيغفر له. ولقد شرح لتلاميذه ولنا الدرس الروحي مما فعله. يجب على الخادم ان يخدم الجميع ويبذل ذاته من أجل إيمانهم وخلاصهم وتوبتهم. وهذا ما تعلمه القديس بولس وعلمه لنا من أجل الاهتمام بالخطاة والضعفاء والذين سقطوا بغواية الحية { أيها الأخوة إن انسبق إنسان فأخذ في زلة ما فأصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة ناظراً إلى نفسك لئلا تجرّب أنت أيضاً} (غل 6: 1). ومن يريد أن يخدم عليه أن يسير علي نهج سيده في حمل الصليب { ودعا الجمع من تلاميذه وقال لهم من اراد ان ياتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني }(مر 8 : 34).
الخدمة في حياة القديس بولس ...
علي نهج خدمة ربنا يسوع المسيح سار القديس بولس الرسول في خدمته فى بذل وتواضع من أجل من أحبهم وخدمة المؤمنين وخلاصهم { هكذا إذ كنا حانين اليكم كنا نرضى ان نعطيكم لا انجيل الله فقط بل انفسنا ايضا لأنكم صرتم محبوبين الينا }(1تس 2 : 8). لقد قضى القديس بولس كل حياته بعد إيمانه بالسيد المسيح في الخدمة بأمانة وبذل فى الأسفار والكرازة والمناداة بالتوبة والرجوع الي الله بالايمان فى جميع الأجواء والأراضى والظروف والأماكن حسب دعوتة الله له كقول الرب لحنانيا قبل أهتدائه بسابق علمه عن بولس { فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «اذْهَبْ لأَنَّ هَذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ. لأَنِّي سَأُرِيهِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي .} ( أع 15:9-16) لذلك يجب أن يعرف الخادم أنه لا يوجد خدمة مريحة. لنسمع لعينة من الأتعاب التى واجهها القديس بولس الرسول برضى وفرح من أجل الكرازة والمناداة بإنجيل الخلاص كخادم أمين لسيده { فِي الأَتْعَابِ أَكْثَرُ. فِي الضَّرَبَاتِ أَوْفَرُ. فِي السُّجُونِ أَكْثَرُ. فِي الْمِيتَاتِ مِرَاراً كَثِيرَةً. مِنَ الْيَهُودِ خَمْسَ مَرَّاتٍ قَبِلْتُ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً إِلاَّ وَاحِدَةً. ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ضُرِبْتُ بِالْعِصِيِّ. مَرَّةً رُجِمْتُ. ثَلاَثَ مَرَّاتٍ انْكَسَرَتْ بِيَ السَّفِينَةُ. لَيْلاً وَنَهَاراً قَضَيْتُ فِي الْعُمْقِ. بِأَسْفَارٍ مِرَاراً كَثِيرَةً. بِأَخْطَارِ سُيُولٍ. بِأَخْطَارِ لُصُوصٍ. بِأَخْطَارٍ مِنْ جِنْسِي. بِأَخْطَارٍ مِنَ الأُمَمِ. بِأَخْطَارٍ فِي الْمَدِينَةِ. بِأَخْطَارٍ فِي الْبَرِّيَّةِ. بِأَخْطَارٍ فِي الْبَحْرِ. بِأَخْطَارٍ مِنْ إِخْوَةٍ كَذَبَةٍ. فِي تَعَبٍ وَكَدٍّ. فِي أَسْهَارٍ مِرَاراً كَثِيرَةً. فِي جُوعٍ وَعَطَشٍ. فِي أَصْوَامٍ مِرَاراً كَثِيرَةً. فِي بَرْدٍ وَعُرْيٍ. عَدَا مَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ: التَّرَاكُمُ عَلَيَّ كُلَّ يَوْمٍ. الاِهْتِمَامُ بِجَمِيعِ الْكَنَائِسِ. مَنْ يَضْعُفُ وَأَنَا لاَ أَضْعُفُ؟ مَنْ يَعْثُرُ وَأَنَا لاَ أَلْتَهِبُ؟ إِنْ كَانَ يَجِبُ الاِفْتِخَارُ، فَسَأَفْتَخِرُ بِأُمُورِ ضُعْفِي.} ( 2كو 24:11-30). ويعتز القديس بولس بنعمة اللَّه التي قادته وسندته لكي يحتمل أتعاب الرسولية والخدمة ، كرسولٍ للأمم أبغضه اليهود جدًا، وعاني منهم متاعب واضطهادات أكثر مما فعلوه مع غيره من الرسل. كلما حانت لهم الفرصة لمقاومته بذلوا كل الجهد لتعذيبه ومحاولة قتله. ومن جهة الأتعاب كان كثير الترحال من بلدٍ إلى بلدٍ، من مقاطعةٍ إلى أخرى. وكثيرًا ما كان يضطر إلى الانطلاق للكرازة في بلاد أخرى تحت ضغط اليهود والمقاومين له المصممين على قتله. كان يلمس يد اللَّه التي تحول هذه المتاعب لانتشار الكرازة وإقامة مملكة النور عوض الظلمة في مواضع كثيرة. وقد تعرض لضربات الوثنيين الذين لا يحكمهم قانون معين في وضع العقوبات، فضربوه بلا رحمة بجلدات كثيرة وتعرض للسجن والتعذيب ايام وشهور وسنين فتاريخ الرسول بولس كله مليء بالسجون وقد سجن على الأقل لمدة عامين في روما (أع ٢٨)، وتعرض للموت بالرجم والضرب مرات كثيرة وكان الرب يصنع معه المعجزات ويؤسس بكرازته الكنائس وكان مقتنع بأن أتعاب الحياة الحاضرة هي فرصة لينال مكافأة عظيمة. وأن الأخطار هي مصدر الإكليل { فإني احسب أن آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد ان يستعلن فينا }(رو 8 : 18) . لقد أفتخر بالضيقات وحسبها كلا شيء بسبب التهاب قلبه بمحبة اللَّه واستعداده لاحتمال كل شيء من أجل محبته للملك المسيح. وهكذا يقول يشوع بن سيراخ { يا إبني إن أقبلت لخدمة الرب الإله فاثبت على البر والتقوى واعدد نفسك للتجربة } (سير 2: 1). ومع كل هذه الأتعاب كان القديس بولس فرحاً فى الرب كل حين ودعانا للفرح الروحي { كحزانى ونحن دائما فرحون كفقراء ونحن نغني كثيرين كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء }(2 كو 6 : 10). ولقد لخص مدى إخلاصه فى الكرازة فى اجتماع بالخدام في أفسس { ومن ميليتس أرسل إلى أفسس واستدعى قسوس الكنيسة. فلما جاءوا اليه قال لهم انتم تعلمون من اول يوم دخلت اسيا كيف كنت معكم كل الزمان.أخدم الرب بكل تواضع ودموع كثيرة وبتجارب أصابتني بمكايد اليهود. كيف لم أؤخر شيئا من الفوائد إلا واخبرتكم وعلمتكم به جهرا وفي كل بيت. شاهدا لليهود واليونانيين بالتوبة إلى الله والإيمان الذي بربنا يسوع المسيح. والان ها أنا أذهب إلى اورشليم مقيدا بالروح لا أعلم ماذا يصادفني هناك.غير أن الروح القدس يشهد في كل مدينة قائلا ان وثقا وشدائد تنتظرني. ولكنني لست أحتسب لشيء ولا نفسي ثمينة عندي حتى أتمم بفرح سعيي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع لأشهد ببشارة نعمة الله } (أع 17:20-24).
نرفع صلواتنا من أجل الخدمة
+ إليك يا إلهنا القدوس، محب البشر الصالح، الآب السماوى نرفع صلواتنا من أجل خلاص كل نفس، القريبين والبعيدين، من أجل الرعاة والرعية، لنعرفك أنت الإله الحقيقى ونعبدك ونخدمك بالروح والحق ونتبعك بنفس راغبة وقلب ثابت وعقل غير منقسم وأرادة لا تلين، أفتح أعين قلوبنا لنعاين عظمتك ودعوتك المقدسة التي إليها دُعينا لنسلك كما يحق لأناس الله القديسين.
+ اليك يا مسيحنا القدوس، خادم خلاصنا والذي بذل ذاته عنا خلاصاً، يارب يا حامل خطايا العالم، أغفر خطايانا وسامح تقصيرنا وضعفنا وقوي عزيمتنا لنخدمك ونخدم أخوتنا بتواضع قلب ونستر ضعفاتهم كما أنك تحمل وتستر وتغفر فنسير على نهجك فى الخدمة ولا نرضي أنفسنا بل تعمل ما يرضي صالحك و نقتدي بك ونجول نصنع خير.
+ يا روح الله القدوس، الكلي الحكمة وواهب النعمة ومعطي المعرفة والعلم . يا الله الذى قاد الرسل فى خدمتهم وعمل بهم فاناروا المسكونة بالإيمان، الحصاد كثير والفعلة قليلون ، فلتأتي ياروح الله فتخلق وتجدد وجه الأرض، وتحيا العظام حتى وأن صارت رميم، فانت الذى تهب الحياة وتحيي المائتين وتقيم الساقطين وتعطي الرجاء للبائسين وتعلمنا وتقودنا فى موكب القديسين، آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق