للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
+ ونحن نحتفل بعيد راس السنة القبطية، نتذكر بكل تقدير وأعزاز أبائنا وأمهاتنا الشهداء فى كل العصور لاسيما فى عصر الاضطهاد الروماني والذى قدمت فيه كنيستنا القبطية الالاف من الشهداء الذين تحدوا الظلم وحافظوا لنا على نور الإيمان بدمائهم الذكية مفضلين أن يعذبوا أو يسجنوا ويموتوا عن أن ينكروا الإيمان وغلبوا العالم الوثني بل غلبوا الشيطان وقواته { وَهُمْ غَلَبُوهُ بِدَمِ الْحَمَلِ وَبِكَلِمَةِ شَهَادَتِهِمْ، وَلَمْ يُحِبُّوا حَيَاتَهُمْ حَتَّى الْمَوْتِ }(رؤ 12 : 11). لقد تعرضت كنيستنا فى عصر دقليديانوس الجاحد الى موجات من الأضطهاد فاقت حدود تصور العقل البشرى ولمختلف أنواع التعذيب وقدمت شهداء من كل الأعمار والفئات حياتهم بل وأبيدت مدن وقرى فى سبيل المحافظة علي الإيمان ولهذا بدأت كنيستنا ببدء حكم دقلديانوس فى تقويم جديد هو تقويم الشهداء بسنة أولي للشهداء فى 284م. والذى يوافق 11 سبتمبر من كل عام وهذا التقويم هو أمتداد للتقويم الفرعوني القديم والذى بدا فى 4241 قبل الميلاد، تخليداً لذكرى الشهداء الذين بذلوا دمائهم حبا فى الله الذى أحبهم وكان لسان حالهم يقول { مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضَيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ «إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ».وَلَكِنَّنَا فِي هَذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا. فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً. وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا} ( رو35:8-39).
+ كانت دماء الشهداء دليل علي قوة إيمانهم وثباته فكان يكفي للشهيد أن ينكر إيمانه المسيحي أو يبخر للأوثان أو حتى يشترك فى العبادة الوثنية أويأكل من ذبائحهم فى الأعياد الوثنية ويشارك فيها فينقذ حياته من العذاب ومصادرة الممتلكات والموت لكن ثقة هؤلاء الشهداء فى الله وقوة إيمانهم بالمسيح الذى بذل حياته من أجلهم جعلتهم يقبلوا العذاب ويرفضوا النجاة مفضلين الموت علي الحياة، لا كرهاً فى الحياة بل من أجل قيامة أفضل وحياة أسمي فى السماء وأمانة حتى الموت. ونما الإيمان وأنضم اليه الكثيرين عندما شاهدوا ثبات وقوة شهادة الشهداء ومعونات الرب التي أزرتهم فى الشدة وقوتهم فى الضعف وأيدتهم بالمعجزات { اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلَكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ }(يو 12 : 24). وأنتصر الشهداء على ظلمة العالم وأناروه بقوة الإيمان وقبلت الأمبراطورية الإيمان عندما راوا ثبات وأحتمال وصبر القديسين وأن كان للشيطان فى كل زمان جولاته وهو يسعي بطرق كثيرة لزعزعة صخرة إيماننا ولكن معنا وعد الله الأمين { عَلَى هَذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْنِي كَنِيسَتِي وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا }(مت 16 : 18).
+ قدم الشهداء كما يقدم المؤمنين برهان عملي علي صدق تعاليم المسيحية وفضائلها، فلم ولن تقوى الأضطهادات والظلم من تغيير حياتنا من حياة الفضيلة والبر وأثبتت المرأة القبطية أنها لم ولن تكون أقل من الرجال فى بسالة الدفاع عن الإيمان ونلن نصيباً متساويا بل فضلاً ان يموتوا من أن تسلم أجسادهن للنجاسة والخطية. بل قدمت الأم القبطية أروع الأمثلة فى حث أبنائهم وبناتهم للثبات علي الإيمان منذ العصور الأولي للمسيحية وحتى شهداء مصر فى العصر الحديث فى الأسكندرية والكشح وليبيا وغيرها من المدن والقرى المصرية فابنائنا يرضعن لبن الإيمان ويحيوا بذل الصليب كمبدأ للتضحية والبذل والعطاء قبل ان يكون الصليب وشم على أيديهم أو رسم بايدينا به نبارك كل ما تمتد اليه أيدينا.
+ نحن أبناء كنيسة الشهداء ، نتذكر سير شهدائنا وإيمانهم وصبرهم ونقتدى بإيمانهم الأرثوذكسي القويم ونسير سيرتهم الطاهرة ونضع أمامنا محبة المسيح العملية الباذلة ونبادله حباً بحب، ونشهد بحياتنا لعظمة إيماننا ونثق فى أنتصار المسيح بالصليب والبذل والمحبة والتواضع علي قوى الشيطان وأعوانه حتى وأن تألمنا يسيرا فى سبيل أن نحيا حياة الإيمان فى فضيلة وبر { لأَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضاً أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ} (في 1 : 29). ونثق فى أن سحابة شهدائنا القديسين يتشفعون عنا وهم قريبين منا يشعروا بمعاناتنا وظلم أو أضطهاد البعض منا ومعاناتهم حتى عندما يريدوا أن يبنوا كنيسة للصلاة أو فى ما يتعرضوا له من ظلم فى دراستهم أوظائفهم وأماكن تواجدهم بسبب إيمانهم ونصلي ليقويهم الله ونطالب بحقوقنا المتساوية كمواطنين أصلاء فى بلادنا عبر الأف السنين ومخلصين لأوطاننا نقوم بواجباتنا تجاهها بكل أخلاص وأمانة. والشهداء يطلبوا عنا كرفقاء لنا لنكمل جهادنا فى الحياة بسلام ونشهد لإيماننا وبصبرنا نقتني أنفسنا ونكمل جهادنا ونخلص ونصل معهم الي سماء المجد، أمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق