+ الصليب شعار المسيحية وقوتها....
الصليب هو شعار المسيحية وعنوانها وعلمها فهو رمز البذل والمحبة والفداء والعطاء والتواضع وهو فخر المسيحيين، يرسموه علي أياديهم وأعلى كنائسهم ويرشموا الصليب على أنفسهم في الضيق والفرح، والدخول والخروج، وبعلامة الصليب تتقدس الأماكن والأشياء وتحدث المعجزات وتنهار عن طريقه قوى الشيطان لما لهذه العلامة العظيمة من قوة وبركة وعزاء وقداسة، وكما يقول القديس بولس الرسول { وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ} (غل 6 : 14). نحن نفتخر بالصليب من أجل المصلوب عليه مخلص البشرية حتى لو كان الصليب جهالة عند غير المؤمنين فهو يمثل قوة محبة الله وحكمته { فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ }(1كو1 : 18). وكل من يؤمن بعمل المسيح الخلاصي علي الصليب ويحيا الإيمان العامل بالمحبة ينال الحياة الأبدية ويخلص كقول الرب { وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ. لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللَّهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ.الَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ والَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللَّهِ الْوَحِيدِ.} (يو14:3-18). وفى أفتخارنا بالصليب وتبعيتنا للمسيح المصلوب والقائم منتصراً علي الشيطان والموت فاننا نحمل الصليب ونتبع المسيح الهنا القائل { إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي }(مت 16 : 24). ومن أجل المسيح نصلب كل شهوة غريبة عن محبة الله ونحيا بالإيمان بيسوع المسيح المصلوب {مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي}(غلا 2: 20).
+ عيد الصليب تاريخيا....
عيد الصليب المقدس أو عيد اكتشاف الصليب المقدس، ويسمى أيضاً عيد رفع الصليب المحي. وتحتفل به كنيستنا القبطية مع الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية تذكاراً لأكتشاف خشبة الصليب المقدسة فى عهد الملك قسطنطين وأمه القديسة هيلانة ولهذا العيد أصول تاريخية ومنها ما ذكره المؤرخ الكبير أوسابيوس القيصري بأن الملك قسطنطين الكبير (311ـ 337) رأى علامة الصليب في السماء على مثال نور بهيئة الصليب مع مكتوب تحتها عبارة: (بهذه العلامة تغلب(. فرسم علامة الصليب على اعلام ودروع جيشه وأنتصر به على أعدائه كما أن أقدم شهادة عن وجود خشبة الصليب المقدس في أورشليم جاءتنا في عظة للقديس كيرلس الأورشليمي الذي ذكر في سنة 347م. بأن ذخائر خشبة الصليب المقدس وجدت الآن في العالم. ومن قوله هذا يمكن الاستنتاج بأن خشبة الصليب اكتشفت في الفترة بين 335ـ 347 م. وذكرت ايجيريا الراهبة الأسبانية في أخبار رحلاتها الى فلسطين بأن تذكار اكتشاف الصليب يكون فى تكريس كنيسته وبأنه كان يجرى الأحتفال به فى القدس لمدة سبعة ايام يتمم خلالها تقديم الصليب المقدس لتسجد الناس له اكراماً وتشفعاً. وعندما قام الفرس بغزو اورشليم ونهبها سنة م. كانت خشبة الصليب المقدس بين جملة الغنائم التي أخذوها ونقلوها معهم وبقي الصليب في حوزتهم حتى قام الإمبراطور الروماني هرقل وانتصر على كسرى الثاني ملك الفرس سنة 628م. وأعاد خشبة الصليب المقدس الي إورشليم بأحتفالات وتراتيل الأبتهاج ويذكر التقليد أنّ الملك هرقل حمل الصليب على كتفه وسار به بحفاوة كبيرة بين الجموع المحتشدة إلى الجلجثة وهناك أحسّ الملك بقوة خفية تصده وتمنعه من دخول المكان فوقف الأسقف زكريا بطريرك أورشليم وقال للإمبراطور: (حذار أيها الملك أن هذه الملابس اللأمعة وما تشير اليه من مجد وعظمة تبعدك عن فقر المسيح يسوع وتواضع الصليب) وفي الحال خلع الملك ملابسه الفاخرة وارتدى ملابس بسيطه فى تواضع وتابع مسيره حافي القدمين حتى الجلجثة حيث رفع عود الصليب المكرم فسجد المؤمنون على الأرض، وهم يرنمون (لصليبك يارب نسجد ولقيامتك المقدسة نمجد). وأضيف تذكار هذه المسيرة الى عيد ارتفاع الصليب في 27من شهر سبتمبر من كل عام.
+ الصليب والفداء والحب ....
+ في العهد القديم كان الإنسان الخاطئ يجب أن يكفر عن خطيئته فيقدم ذبائح حيوانية طاهرة بدلا عنه معترفا بخطاياه لكي يكفر عن الخطية.(لا 11: 17). وكانت هذه الذبائح كتمهيد وأشارة الي المسيح المصلوب على الصليب من أجل خلاصنا فلا يمكن أن يكون هناك "كفارة" عن الخطية بدون سفك الدم أو بذل الحياة. وهكذا أمر الله شعبه قديما بتقديم ذبيحة لفداء شعبه ورشم دم الذبائح على قوائم بيوتهم ليعبر عنهم الملاك المهلك { وَيَكُونُ لَكُمُ الدَّمُ عَلاَمَةً عَلَى الْبُيُوتِ الَّتِي أَنْتُمْ فِيهَا فَأَرَى الدَّمَ وَأَعْبُرُ عَنْكُمْ فَلاَ يَكُونُ عَلَيْكُمْ ضَرْبَةٌ لِلْهَلاَكِ حِينَ أَضْرِبُ أَرْضَ مِصْرَ }(خر 12 : 13). من هنا نرى أهمية ذبيحة العهد الجديد في دم المسيح إذ أن المسيح قدم ذاته وسفك دمه على الصليب لفداء البشرية جميعا كي يكفر عن خطيئة كل البشر، لكل من يؤمن بعمل الصليب. إن ذبيحة العهد الجديد في دم المسيح، قد وفت مطالب العدل الإلهي اللازمة للفداء، وأرضى المخلص بروح أزلي مطالب الله القدوس وصالحنا مع الأب {يُصَالِحَ بِهِ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلاً الصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ، بِوَاسِطَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ: مَا عَلَى الأَرْضِ، أَمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} (كو 1: 20). الصليب المقدس وموت المسيح المحيي وقيامته المقدسة شهادة عمليه على فداء الله ونعمته الغنية نحو البشر. فالله في محبته خلقنا وتعهدنا بالخلاص ولهذا أقام العهد معه شعبه قديما بدم الذبائح ويشهد دم الذبيحة من جنة عدن حين ستر الله عري ابوينا أدم وحواء بدم الحملان { وصنع الرب الإله لآدم وامرأته اقمصة من جلد والبسهما}(تك 3: 21). وكما لبس الإنسان الساقط جلد حيوان بريء ليستر عريه فإن الله قدم ذاته ذبيحة؛ لكي يستر عرينا وهكذا سُفك دم الحمل الذي بلا عيب لاجلنا على الصليب { الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ لإِظْهَارِ بِرِّهِ مِنْ أَجْلِ الصَّفْحِ عَنِ الْخَطَايَا السَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ اللهِ }(رو 3 : 25) أنها النعمة الغنية التي لله الذى يفدينا من الهلاك الأبدي ويغفر لنا خطايانا {الَّذِي فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا، حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ} (اف 1 : 7).
+ كما أن الفداء بالصليب برهان على المحبة الإلهية المتدفقة نحو البشرية وهو دعوة لنا لنحب الله من كل القلب والفكر والنفس {نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلاً }(1يو 4 : 19) ودعوة للسلوك بروح المحبة نحو الجميع كما يقول الكتاب {وَاسْلُكُوا فِي الْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا الْمَسِيحُ أَيْضاً وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، قُرْبَاناً وَذَبِيحَةً لِلَّهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً }(اف 5 : 2). { أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِنْ كَانَ اللهُ قَدْ أَحَبَّنَا هَكَذَا، يَنْبَغِي لَنَا أَيْضاً أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً}(1يو 4 : 11).
+ علينا أن نؤمن بالله الذى أحبنا وأنقذنا من الموت ونقلنا من عالم الظلمة الي نوره العجيب ومن الموت الي الحياة وتكون لنا عشرة حب معه تنمو وتذداد يوما بعد يوم لنثبت فى محبة الله ونسلك باتضاع العشار ونأتى الي التناول من الأسرار المحيية بأنسحاق معترفين بخطايانا ومقرين بأثامنا ونتناول من جسد الرب ودمه كامتداد لفعاليه وعمل ذبيحة الصليب ولكي نثبت في المسيح ونثمر ويدوم ثمرنا { فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ. مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ. لأَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَقٌّ وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌّ. مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ. كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ الْحَيُّ وَأَنَا حَيٌّ بِالآبِ فَمَنْ يَأْكُلْنِي فَهُوَ يَحْيَا بِي.} (يو 53:6-57). علينا أن نحمل صلينا بفرح ونحتمل من أجل السرور الموضوع أمامنا ودعوة الله العليا في المسيح يسوع ربنا }نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ، احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِينًا بِالْخِزْيِ، فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ اللهِ} (عب 12: 2)، أمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق