للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
+ ثمار الروح القدس
+ الروح القدس يقدم لنا شركة فائقة مع الأب فى أبنه { وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ فَهُوَ يَشْهَدُ لِي } (يو 15 : 26). الروح القدس هو الذى يعمل فينا لنؤمن بالإله الواحد، الله الآب ضابط الكل وابنه الوحيد يسوع المسيح ربنا، كلمة الآب الأزلي، الذي تجسد وتأنس من الروح القدس ومن القديسة العذراء مريم ولم يحد التجسد من لاهوته وعندما صلب المسيح من أجلنا وقام ليقيمنا معه وصعد إلى السموات جسديا ليصعد طبيعتنا الى السماء، أرسل لنا الروح القدس، الرب المحيي، المنبثق من الآب الذى حل على التلاميذ والمؤمنين فى يوم الخمسين ليؤسس ويقود الكنيسة إلى التوبة والقداسة. الروح القدس هو الذي يمنحنا الاستنارة والقداسة والقوة. يقول القديس كيرلس السكندرى : (أن التجديد فى الحقيقة هو من عمل الثالوث القدوس، حتى وإن ظهر أننا ننسب لكل أقنوم على حده عملا مما يحدث لنا أو للخليقة، ولكن علينا أن نؤمن أن كل شئ هو من الآب خلال الابن فى الروح القدس).
+ نحن مطالبين من الناحية السلبية أن نبتعد عن كل شر لكي لا نحزن الروح القدس العامل لتقديسنا { ولا تحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم ليوم الفداء )(أف 4 : 30). الروح القدس يفضح الخطايا أمام بصيرة المؤمن الداخلية فيكتشف حاجته للغفران المستمر بقدر ما يحتمل، ويعطينا رجاء فى التوبة وفرح وعزاء بقبول الله للتائبين. لنجاهد ونعمل كل بر في الروح القدس لطاعة الوصية، فلو سلكنا بالروح وأطعنا صوت الروح القدس فى داخلنا فانه يعمل فينا ويعيننا على تنفذ الوصايا ويهبنا حكمة ونعمة وارشاد وبهذا تظهر فاعلية وثمار الروح ومواهبه فينا { وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ. ضِدَّ أَمْثَالِ هَذِهِ لَيْسَ نَامُوسٌ. وَلَكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ. إِنْ كُنَّا نَعِيشُ بِالرُّوحِ فَلْنَسْلُكْ أَيْضاً بِحَسَبِ الرُّوحِ.} ( غلا22:5-25). القديس بولس يقدِّم لنا عينة من ثمار الروح الجيدة التي تظهر بالجهاد وعمل النعمة فى حياتنا ومن ثمارهم تعرفونهم. الانسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح.
+ الروح القدس مصدر لكل العطايا الصالحة والثمار المقدسة فهو نبع المحبة {لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا} (رو 5 : 5). وهو مصدر الفرح ونبع الرجاء وكلما كان لنا شركة مع روح الله وكان لنا الإيمان العامل بالمحبة عمل روح النعمة فينا كمصدر دائم للتجديد ويحثنا للنمو فى الإيمان. وهو الذى يعطينا روح الصلاة والتضرع { وكذلك الروح أيضا يعين ضعفاتنا لاننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها} (رو 8 : 26). الروح القدس كما قال عنه الرب يسوع {ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية، وعلى برّ، وعلى دينونة} (يو 8:16) فهو وحده يقدر أن يدخل القلب ويفضح الخطية لنرجع إلى عذوبة الشركة مع الله. إنه قادر أن يقنع أعماق الإنسان أن سعادته وسلامه وفرحة وخلوده وعدم فساده يكمن في الالتصاق بالمخلص لا بالخطية، الروح يقنعنا أن لذة العشرة مع الله لا تُقارن بأية لذة وقتية للخطية. لذلك دعى بالباركليت، وهي كلمة يونانية قديمة "بارا" تعني الملازمة، و"كليت" تعني الدعوة للمعونة، فهو الملازم المعين، أو القائد المعزي، الشفيع المدافع. إنه ينخس قلب الإنسان قبل أن يؤمن أو يسكن فيه مغيرا طبيعته، ليعطيه الإيمان، وذلك ما حدث يوم الخمسين {فلما سمعوا نُخسوا في قلوبهم، وقالوا لبطرس ولسائر الرسل... توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس} (أع 37:2-39).
* الروح القدس يهبنا سلام الله الذى يفوق كل عقل ويحفظ أفكارنا وقلوبنا وأرواحنا فى المسيح يسوع.{ وَلْيَمْلَأْكُمْ إِلَهُ الرَّجَاءِ كُلَّ سُرُورٍ وَسَلاَمٍ فِي الإِيمَانِ لِتَزْدَادُوا فِي الرَّجَاءِ بِقُوَّةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ }(رو 15 : 13). الروح القدس يهبنا الفرح فى كل ظروف الحياة ويحوِّل النوح إلى فرح ويعزينا في حزننا {أحول نوحهم إلى طرب وأعزيهم وأفرحهم من حزنهم} (إر 31: 13). بفرح الروح القدس تعيش الكنيسة وتثمر لمجد الله، وهذا هو اختبار التلاميذ في الكنيسة الأولى { وَأَمَّا الْكَنَائِسُ فِي جَمِيعِ الْيَهُودِيَّةِ وَالْجَلِيلِ وَالسَّامِرَةِ فَكَانَ لَهَا سَلاَمٌ وَكَانَتْ تُبْنَى وَتَسِيرُ فِي خَوْفِ الرَّبِّ وَبِتَعْزِيَةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ كَانَتْ تَتَكَاثَرُ} (اع 9 : 31). فبالرغم من الاضطهاد كانت تعزية الروح هي سبب لتكاثر الكنيسة ونموها. الروح مروي ومنعش وهو الذى يعطي التجديد والنمو والقداسة للمؤمنين {أسكب ماء على العطشان وسيولاً على اليابسة، أسكب روحي على نسلك} (إش 44: 3)، فالروح يروي جفاف حياتنا ويعيد لها الحيوية، بل الصحراء الجرداء مع الرب تتفجر فيها ينابيع مياه بالروح القدس الذى يبدل حالة الفتور الداخلي فنستطيع أن نسترد قوتنا وحيويتنا {وَأَمَّا مُنْتَظِرُو الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ} (اش 40 : 31). الروح القدس هو الذى يهب حياة روحية مقدسة كوعد الرب شعبه {إني أنا حي فأنتم ستحيون} (يو 14: 19). نحن نحيا بروح الله ، فهو الروح المحيي، روح الحياة والقداسة الذي أحيا الكثيرين من الخطية بالتوبة يقود من الشك و الإلحاد الي الإيمان ومن الجهل للمعرفة ومن الألم والحزن الي الفرح ومن القلق والاكتئاب الي السلام والثقة فى الله. وهو الذى يعمل فى الكنيسة وأعضائها ليتمجد المسيح فينا وبنا.
مواهب الروح القدس وعطاياه..
+ الروح القدس يعطي المواهب للمؤمنين من أجل بنيان الكنيسة { ولكنه لكل واحد يعطى إظهار الروح للمنفعة، فإنه لواحد يعطى بالروح كلام حكمة ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد، ولآخر إيمان بالروح الواحد ولآخر مواهب شفاء بالروح الواحد ولآخر عمل قوات ولآخر نبوَّة ولآخر تمييز الأرواح ولآخر أنواع ألسنة ولآخر ترجمة ألسنة. ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه قاسماً لكل واحد بمفرده كما يشاء. }(1كو 12: 7-11). يعلن الروح القدس عن عمله فى كل مؤمن من خلال ما يعطيه له من مواهب روحية لمنفعة الكنيسة و مؤمنيها فيهب الإيمان والحكمة ويعطى الروح للبعض القدرة على عمل المعجزات. والبعض القدرة على التنبؤ وإعلان مشيئة الله ويوضح أمامنا الأمور المستقبلية أو التعليم الروحى ويعطي لآخرين القدرة على التمييز فجميع هذه المواهب على اختلاف أنواعها تُمنَح بواسطة الروح القدس الواحد، فهو يعطي كل مؤمن بحسب ما يتفق مع مشيئة الله بما يعمل على بنيان الكنيسة ونفع المؤمنين جميعا. وعندما يعطي الله موهبة لاحد، فلا يجب أن يتكبر بها على الغير لأنها عطية من الروح القدس، وإن لم يتضع المؤمن ويستخدمها حسنًا لنفع الكنيسة يمكن أن يأخذها الله منه { إن كنَّا نعيش بالروح، فلنسلك أيضاً بحسب الروح }(غل 25:5).
+ الروح القدس يعطينا المواهب الروحية وبعضها موجودة في شخصياتنا، وعلينا تنميتها بحكمة من الروح وبعضها مواهب فائقة يعطيها روح الله القدوس لبنيان الكنيسة والمؤمنين {هو أعطى البعض .. لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح} (أفس 4: 11-13). وعلينا أن نتبع المحبة فى كل حين ونجاهد لاقتناء ثمار الروح ونجد للمواهب الروحية نخدم بعضنا بعض كما يقودنا ويرشدنا روح الله {مهتمين بعضكم لبعض اهتماما واحدا غير مهتمين بالامور العالية بل منقادين إلى المتضعين لا تكونوا حكماء عند أنفسكم }(رو 12 : 16). {اتبعوا المحبة، ولكن جدوا للمواهب الروحية… تنال الكنيسة بنياناً}(1كو 14: 1-6). الخدمة في الكنيسة والمجتمع تحتاج إلى المواهب هكذا أحتاج الرسل الي قوة ومواهب الروح فى خدمتهم { وأما هم فخرجوا وكرزوا في كل مكان، والرب يعمل معهم، ويثبت الكلام بالآيات التابعة} (مر 16: 20) فالرب أيَّدهم بالآيات والعجائب ومواهب الروح القدس، ليس فقط لتثبيت الكلمة، ولكن أيضاً لبنيان ونمو الكنيسة. فمن يعيش بحق لرب الخليقة وملك الوجود كله، من الطبيعي أن يتوقع أموراً تفوق قدرات البشر. الله يعطينا إمكانيات هائلة لتغيير العالم وامتداد الملكوت و النهضات الروحية فى العالم المسيحي قامت علي أناس الله القديسين الذين آمنوا بمحبة الله القادرة علي تغيير إنهاض الهمم وإصلاح النفوس والرجوع الي الله. والمواهب أُعطيت للكنيسة ليدعم إرساليتها ولمساندتها، ولتغير قلوب الناس رجوعاً إلى المسيح. والكتاب المقدس لا يعلمنا فقط عن المواهب، بل يعلمنا أيضاً كيف نستخدمها للبنيان { وَكَانَ اللهُ يَصْنَعُ عَلَى يَدَيْ بُولُسَ قُوَّاتٍ غَيْرَ الْمُعْتَادَةِ. حَتَّى كَانَ يُؤْتَى عَنْ جَسَدِهِ بِمَنَادِيلَ أَوْ مَآزِرَ إِلَى الْمَرْضَى فَتَزُولُ عَنْهُمُ الأَمْرَاضُ وَتَخْرُجُ الأَرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ مِنْهُمْ.} ( أع 11:19-12). وبالطبع لم يكن بولس الرسول هو الذي يصنع القوات غير المعتادة، إنما كان بولس هو الأداة المقدسة التي يستخدمها روح الله لعمل القوات والشفاء. إذ يقول: { فمن هو بولس ومن هو أبلوس بل خادمان آمنتم بواسطتهما وكما أعطى الرب لكل واحد} (1كو 3 : 5). لقد قدس الله ليس فقط جسد بولس بل وحتى المناديل و المآزر التي كانت تؤخذ من على جسمه الضعيف، توضع على المرضى ومن بهم أرواح شريرة فتشفيهم. وهكذا حقق الله وعده لتلاميذه أنهم يفعلون أعمالاً أعظم مما فعلها باسمه. وأكد أنه أعطاهم سلطانًا على الأرواح النجسة وأن يشفوا كل الأمراض (مت 10: 1).
+ أعطي الروح الرسل موهبة التكلم بألسنة لتبشير غير المؤمنين من البلاد التي أرسلهم اليها اللسان بلغاتهم ومتى تكلم المؤمن بلسان غير مفهوم للحاضرين فماذا يفيدهم أن لم يكن هناك من يترجم له. الألسنة إلى نبوة للبنيان وللوعظ والتشجيع (1كو 14: 39). {لأن من يتكلم بلسان يبني نفسه، وأما من يتنبأ فيبني الكنيسة} (1كو 14: 4). دعوة الله أن لا نفكر في أنفسنا فقط بل في الآخرين أيضاً فقد أعطي الله المواهب، ووضح الضوابط لكي تبنى الكنيسة ولكي لا نعثر أحداً، وعندما تكلم عن القديس بولس عن المواهب في رسالته لأهل كورنثوس رأيناه يخصص أصحاح كامل عن المحبة كرباط الكمال المسيحي ليحدثنا فيه عن المحبة باستفاضة، فلو مارسنا المواهب الروحية بدون محبة وتواضع تقود الي الكبرياء والسقوط، فالمحبة هي التي تغير الناس وتخدم حياتهم وتحفظنا في الإيمان، وهي التي تحول المواهب إلى أدوات بر في يد الله لبناء الكنيسة. حلول الروح وعمله في المؤمن يجعله يتحد بالله ويحيا بالروح، والذي يعيش ويحيا بالروح يثمر ويدوم ثمرة إلي الأبد، أمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق