إبراهيم وطاعة الايمان..
+ يعتبر أب الآباء إبراهيم من أبطال الإيمان المعتبرين في كل العصور. وكانت بدايه مسيرته مع الله عندما قال { وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: «اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ.} (تك1:12). فأطاع أبراهيم الله ولم يسأل لأين يذهب؟. أنها طاعة الإيمان التي تتبع الرب حيثما ذهب، بلا سؤال، وعندما جاء الي أرض الموعد { ثُمَّ أَخْرَجَهُ إِلَى خَارِجٍ وَقَالَ: «انْظُرْ إِلَى السَّمَاءِ وَعُدَّ النُّجُومَ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَعُدَّهَا». وَقَالَ لَهُ: «هَكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ». فَآمَنَ بِالرَّبِّ فَحَسِبَهُ لَهُ بِرّاً. } ( تك 5:15-6). ثم صبر ابرآم خمسًا وعشرين سنة، حتى ولد له اسحق، ابنه المحبوب الذي أخذ المواعيد من أجله. وفرح به فرحًا لا يوصف وكبر اسحق. وإذا بالرب يقول لأبينا إبراهيم {خذ ابنك وحيدك، الذي تحبه، إسحق.. واصعده محرقة على أحد الجبال الذي أريك} (تك 2:22). وفي إيمان وتسليم لله، لم يناقش، ولم يتردد في التنفيذ. بل بكر صباحًا، وأخذ إسحق ليذبحه. لم يشك إبراهيم في محبة الله ولا في حكمته. لهذا يقول القديس بولس عن إيمان أبونا ابراهيم { لِهَذَا هُوَ مِنَ الإِيمَانِ كَيْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ النِّعْمَةِ لِيَكُونَ الْوَعْدُ وَطِيداً لِجَمِيعِ النَّسْلِ. لَيْسَ لِمَنْ هُوَ مِنَ النَّامُوسِ فَقَطْ بَلْ أَيْضاً لِمَنْ هُوَ مِنْ إِيمَانِ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي هُوَ أَبٌ لِجَمِيعِنَا. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «إِنِّي قَدْ جَعَلْتُكَ أَباً لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ». أَمَامَ اللهِ الَّذِي آمَنَ بِهِ الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى وَيَدْعُو الأَشْيَاءَ غَيْرَ الْمَوْجُودَةِ كَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ. فَهُوَ عَلَى خِلاَفِ الرَّجَاءِ آمَنَ عَلَى الرَّجَاءِ لِكَيْ يَصِيرَ أَباً لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ كَمَا قِيلَ: «هَكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ». وَإِذْ لَمْ يَكُنْ ضَعِيفاً فِي الإِيمَانِ لَمْ يَعْتَبِرْ جَسَدَهُ - وَهُوَ قَدْ صَارَ مُمَاتاً إِذْ كَانَ ابْنَ نَحْوِ مِئَةِ سَنَةٍ - وَلاَ مُمَاتِيَّةَ مُسْتَوْدَعِ سَارَةَ. وَلاَ بِعَدَمِ إِيمَانٍ ارْتَابَ فِي وَعْدِ اللهِ بَلْ تَقَوَّى بِالإِيمَانِ مُعْطِياً مَجْداً لِلَّهِ. وَتَيَقَّنَ أَنَّ مَا وَعَدَ بِهِ هُوَ قَادِرٌ أَنْ يَفْعَلَهُ أَيْضاً. لِذَلِكَ أَيْضاً حُسِبَ لَهُ بِرّاً. وَلَكِنْ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ أَجْلِهِ وَحْدَهُ أَنَّهُ حُسِبَ لَهُ بَلْ مِنْ أَجْلِنَا نَحْنُ أَيْضاً الَّذِينَ سَيُحْسَبُ لَنَا الَّذِينَ نُؤْمِنُ بِمَنْ أَقَامَ يَسُوعَ رَبَّنَا مِنَ الأَمْوَاتِ. الَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا.}( رو 16:4-24). أبراهيم آمن علي رجاء وبعدم أرتياب، تيقن أن ما وعد به الله قادر أن يفعله ولذلك حسب له بر. ايماننا يمتد من العهد القديم بالله القادر علي كل شئ والذى يقيم الأموات للعهد الجديد بايماننا بالله الآب الذى أقام ابنه الوحيد ربنا يسوع من الأموات. الذى أسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا فنؤمن لكي نتبرر ثم نعمل أعمال البر كأعضاء مكرمة في جسد المسيح نحيا في المسيح ونجاهد الجهاد الحسن لنمسك بالحياة الأبدية التي اليها دعينا { جاهد جهاد الايمان الحسن وامسك بالحياة الابدية التي اليها دعيت ايضا واعترفت الاعتراف الحسن أمام شهود كثيرين} (1تي 6 : 12). إبراهيم أذن يقدم الجانب العملي للإيمان وهو الطاعة لله. بالإيمان قدم إبراهيم ابنه ذبيحة حب لله فرأى في الحمل الموثق بقرنيه صورة الفداء في حمل الله الذي يحمل خطية العالم. ومن جانب آخر نرى في إسحق نفسه أيضًا صورة حيَّة لعمل المسيح الفدائي، وقد إعتادت الكنيسة في كل خميس للعهد إذ تذكر تأسيس سرّ الأفخارستيا، تصلي بقسمة "ذبح إسحق" كرمز لذبيحة السيد المسيح على الصليب. وقد قال القديس يوحنا المعمدان لليهود: { لا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أبًا، لأني أقول لكم أن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادًا لإبراهيم} (مت 3 : 9). هذا القول لم يكن حديث مبالغة فقد أقام الله بالفعل من الحجارة أولادًا لإبراهيم، إذ كانت أحشاء سارة أشبه بالحجارة التي لا تنجب، في حكم الجمود من جهة إمكانية الإنجاب، وبالإيمان وهبها الله نسلاً . هذا هو إيماننا في قيامة السيد المسيح الذي بقيامته أقام من الأمم الذين كانوا قساة كالحجارة ويعبدون الأوثان الحجرية، أبناء لله وحول قلوبهم القاسية الي قلوب لحمية وروحية وأولاد الله الحيّ. في المسيح يسوع تتبارك كل قبائل الأرض كما يقول القديس بولس الرسول { وأما المواعيد فقيلت في إبراهيم و في نسله لا يقول وفي الانسال كانه عن كثيرين بل كأنه عن واحد وفي نسلك الذي هو المسيح }(غل 3 : 16).
إيماننا بالمسيح يسوع ابن الله المخلص ...
+ الإيمان بأن يسوع هو المسيح ابن الله، الكلمة المتجسد من أجل خلاصنا يدخلنا الحياة الأبدية { وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا ان يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم اذا امنتم حياة باسمه } (يو 20 : 31). ويحمل الإيمان معنى التسليم للمسيح والخضوع له، وطاعة وصاياه وتعاليمه المقدسة { وما يترتب على هذا الخضوع والتسليم معه ثمار روحية. ولذلك ارتبط الحديث عن الإيمان عند الرسول بولس بالحديث عن طاعة الإيمان حيث يقول { الذي به لأجل اسمه قبلنا نعمة ورسالة لإطاعة الإيمان في جميع الأمم } (رو5:1 ). ايماننا بالفداء العظيم الذي صنعه من أجلنا علي الصليب { كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلى طريقه. والرب وضع عليه إثم جميعنا} (أش 53: 6). وهكذا قال عنه القديس يوحنا المعمدان { هذا هو حمل الله الذي يرفع خطية العالم} (يو1: 29). وقال القديس بولس الرسول { مسامحاً لكم بجميع الخطايا، إذ محا الصك الذي علينا} (كو2: 13، 14). المسيح صنع لنا الفداء بدمه { الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته }(اف 1 : 7) وقال أيضاً {عاملاً الصلح بدم صليبه} (كو1: 20). لقد قدم لنا المسيح يسوع علي الصليب الفداء والكفارة، والمغفرة ومحو للصك المكتوب، وحمل خطايا العالم وقدم عمل المصالحة والتقديس والتبرير { لكن اغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح الهنا } (1كو 6 : 11) .
+ أن الانتقال من حالة الخطيئة التي ورثناها عن آدم، إلى حالة التبرير، لا يتم بالالتزام بأعمال الناموس الموسوى بل بالإيمان بالمسيح يسوع. { اذ نعلم ان الانسان لا يتبرر بأعمال الناموس بل بايمان يسوع المسيح آمنا نحن ايضا بيسوع المسيح لنتبرر بإيمان يسوع لا بأعمال الناموس لانه باعمال الناموس لا يتبرر جسد ما }(غل 2 : 16).الإيمان يتطلب إلى جانب الإيمان التوبة بالنسبة لأعمال الماضي، وقبول إرادة الله بالنسبة إلى المستقبل وهذا دعوة رب المجد { يقول قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالانجيل} (مر 1 : 15). وفي كرازة بولس الرسول { فالله الان يامر جميع الناس في كل مكان ان يتوبوا متغاضيا عن ازمنة الجهل }(اع 17 : 30). القديس بولس الرسول يضع البر كأساس حياة الإنسان الجديدة من جهة أخلاق المؤمن {بل اخبرت اولا الذين في دمشق و في اورشليم حتى جميع كورة اليهودية ثم الأمم أن يتوبوا ويرجعوا الى الله عاملين اعمالا تليق بالتوبة} (اع 26 : 20). التوبة والرجوع لله وطاعة الإنجيل والروح القدس تجدد الذهن لنلبس الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق { إِنْ كُنْتُمْ قَدْ سَمِعْتُمُوهُ وَعُلِّمْتُمْ فِيهِ كَمَا هُوَ حَقٌّ فِي يَسُوعَ،. أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ،. وَتَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ،. وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ.} (أف 21:4-24).
بر الإيمان بالمسيح مقابل بر ناموس العهد القديم ..
إن الغلاطيين باعتبارهم كانوا من أصل أممي وآمنوا بالمسيح، ليس لهم خبرة بالناموس الموسوي. وعلى ذلك، فمن المستحيل أن تكون أعمال الناموس قد أثرت في تبريرهم بأي صورة ما، ولقد نالوا التبرير الحقيقي بواسطة المعمودية وحصلوا على هبة الروح القدس الذي أظهر ذاته فيهم بعلامات عجيبة فليس من حق أحد أن يعترض، كما اعترض مؤمنوا غلاطية الذين كانوا من أصل يهودي، وقالوا بأن التبرير الذي يتم بالإيمان يحتاج إلى أن يكمل ذاته بواسطة أعمال الناموس، وذلك لأن الذي منح التبرير قادر أن يحفظه ويكمله بدون حاجة لأعمال الناموس { لأن الناموس بموسى اعطي اما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا } (يو 1 : 17) فانه لمن السخف أن الذي بدأ بالروح يكمل بالجسد ولا يمكن للغلاطيين أن ينكروا أهمية الفداء الذي تم بموت المسيح وقيامته. وربما يرجع خطأهم إلى أنهم تعرضوا للتضليل من بعض المبتدعين، ومن أجل هذا قال لهم الرسول { أيها الغلاطيون الأغبياء، مَن رقاكم حتى لا تذعنوا للحق، أنتم الذين أمام عيونكم قد رسم يسوع المسيح بينكم مصلوبًا. أريد أن أتعلم منكم هذا فقط، أبأعمال الناموس أخذتم الروح أم بخبر الإيمان. أهكذا أنتم أغبياء. أبعدما ابتدأتم بالروح تكملون الآن بالجسد. أهذا المقدار احتملتم عبثًا إن كان عبثًا. فالذي يمنحكم الروح ويعمل قوات فيكم أبأعمال الناموس أم بخبر الإيمان} (غلا1:3ـ5). إن الحديث عن الحاجة إلى أعمال الناموس لاستكمال عمل الفداء هو إنكار لقيمة دم المسيح وكفايته في تحقيق خلاص البشرية. التبرير هبة مجانية {لانكم بالنعمة مخلصون بالايمان وذلك ليس منكم هو عطية الله } (أف 2 : 8). التبرير بالإيمان هو هبة من الله، وكل الأعمال العظيمة التي يثمرها هذا الإيمان هى من الله الذي خلقنا لأعمال صالحة لنسلك فيها { لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة }(في 2 : 13). لقد أساء المتهودون فهم علاقة المسيحية بالعهد القديم، لذلك فالرسول يؤكد على الأساس التعليمي لعقيدته بخصوص تحرر الأمم من الناموس الموسوي، مظهرًا أنهم ورثة المواعيد والبركات التي أُعطيت لإبراهيم قبل الناموس وقبل الختان. وبحسب التقليد اليهودي نفسه جاء فأن إبراهيم حسب بارًا أمام الله بالإيمان وليس بحفظ طقوس ناموسية. ويليق بأولاد إبراهيم من اليهود أو الأمم أن يتشبهوا به؛ أي أن يعيشوا بالإيمان، فيشاركوه في المواعيد. أبناء إبراهيم الحقيقيون هم فقط الذين يتمثلون بإيمانه. الذين يؤمنون بالمسيح يسوع لتبريرهم.
الإيمان والأعمال...
+ نحن لا نفصل بين الإيمان والأعمال، كما لا تنفصل الروح عن الجسد في الإنسان الحي (يع 2: 26)؛ فالإيمان يرتبط بالأعمال فالإيمان الحقيقي هو الإيمان العامل بالمحبة (غل 5: 6)، والأعمال الحقيقية هي أعمال الإيمان )1تس 1: 3). وكما قال الرب يسوع المسيح { ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات بل الذي يفعل ارادة ابي الذي في السماوات} (مت 7 : 21). ولا يُعقل أن يُنادي القديس بولس بإيمان مجرد من الفاعلية مقطوع الصلة بوصايا الكتاب، ولا يُترجَم إلى أفعال واتجاهات تشهد بانتقال المؤمن من الظلمة إلى النور؛ أو يُنادي يعقوب الرسولٌ بأعمال شكلية ليست ثماراً طبيعية لإيمان مسيحي حيّ، وشركة عضوية في شخص المسيح والكنيسة التي هي جسده. أن الرسولَيْن بولس ويعقوب إنما يخدمان إنجيلاً واحداً وإيماناً واحداً، هو الإيمان بالمسيح يسوع ربنا، ويُعلِّمان نفس التعليم الذي أخذاه عن معلِّمهما والمخلِّص الوحيد. فالهدف واحد، وإن اختلفت الوسائل باختلاف الظروف والمخدومين.
+ أن الخلاص والإيمان بكل ثماره من التبرير والتقديس نناله بدم المسيح المُحب كنعمة مجانية) أف 2: 8) بغير أدنى فضل أو استحقاق، والإيمان هو الوسيلة التي بها قَبلنا الخلاص ونلناه وقد أعفى مجمع أورشليم (أع 15) الأمم الراجعين إلى المسيح من الالتزام بالختان وحفظ الناموس بعد أن اعتبر البعض الختان شرطاً للخلاص بالنسبة للجميع .أما فيما يتعلق بالوصايا الروحية في العهد القديم مثل لا تقتل ولا تزن .. الخ، فالرب أكملها ووسَّع مداها {ما جئت لأنقض بل لأُكمِّل} (مت 17:5). مُحذِّراً أيانا من الرياء في العبادة. أعمال البر والفضائل والمحبة التي تليق بالتوبة {فاصنعوا اثمارا تليق بالتوبة} (مت 3 : 8) والرب اعتبر أعمال المسيحي إعلاناً عن نور الله فيه {فليُضِئ نوركم قدام الناس، لكي يروا أعمالكم الحسنة، ويُمجِّدوا أباكم الذي في السموات}(مت 5: 16)، وهي ثمار الروح (غل 5: 23،22)، ودليل الإيمان والحياة الجديدة (غل 5: 6؛ يع 2: 18)، وهي التي تشهد لنا في اليوم الأخير وبها ينال المؤمن المكأفاة حسب عمله { فان ابن الانسان سوف ياتي في مجد ابيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله} (مت 16 : 27).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق