للاب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
أبوة الله الأزلية للابن الوحيد..
+ يعلن لنا الله "أبوته" في الإنجيل المقدس. الله في
أعماقه الأزلية هو ينبوع المحبة الأبوية التي أعلنت عن نفسها خلال الزمن وتتجلى أبوة الله
في علاقته بالابن الأزلي قبل كل الدهور { اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ.
اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ} (يو 1: 18 ). ففي " الله الآب " نجد
الإشارة إلى العلاقة الأزلية الكائنة بين الأقانيم الثلاثة في اللاهوت { فَاذْهَبُوا
وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ
وَالرُّوحِ الْقُدُسِ.} (مت 28: 19). وكل أبوة صالحة تستمد من أبوة الله الآب { بِسَبَبِ
هذَا أَحْنِي رُكْبَتَيَّ لَدَى أَبِي رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي
مِنْهُ تُسَمَّى كُلُّ عَشِيرَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَعَلَى الأَرْضِ.} (أفس 3: 14
– 15). أبوة الله أزلية وأبدية، وكل أبوة على الأرض تستمد كيانها، من أبوة الله.
وتشتق قدسيتها وأهميتها، من كونها صورة رمزية، لأبوة الله الأبدية في السماء. الله
بالفعل آباً، قبل بدء الخليقة كان "أبو ربنا يسوع المسيح". وهكذا فأن
علاقة الأبوة والبنوة، بين الآب الآبن، هي علاقة أبدية أزلية. ولهذا يقول السيد
الرب { قال لهم يسوع الحق الحق اقول لكم قبل ان يكون ابراهيم انا كائن }(يو 8 :
58). ومن يكرم الآبن فانه يكرم الآب الذى أرسله { لكي يكرم الجميع الابن كما
يكرمون الاب من لا يكرم الابن لا يكرم الاب الذي ارسله}(يو 5 : 23). السيد المسيح
هو الله الكلمة وهو موجود منذ الأزل ولا ينفرد بوجوده من دون الله، بل هو كائن في
الله الآب، كما يوجد العقل في الإنسان، وكما توجد الكلمة في عقل الإنسان. ولذلك
حين ظهر الكلمة إلى الوجود بالتجسد أستعلن الله لنا .وقد فهم اليهود من قول المسيح أن "الله أبوه " أنه يعادل
نفسه بالله (يو 5: 18، 10: 30 و33، 19: 7).
+ حين يتحدَّث الرسول بولس عن العلاقة القائمة بين الآب وأبنه يسوع المسيح ربنا، فهو يستعمل العبارة التالية: "الله أبو ربِّنا يسوع المسيح" (رو 15: 6؛ 2كور 1: 3). { كَيْ يُعْطِيَكُمْ إِلَهُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الْمَجْدِ، رُوحَ الْحِكْمَةِ وَالإِعْلاَنِ فِي مَعْرِفَتِهِ}( أف 1: 17). الآب هو صانع الخلاص بابنه الوحيد الكلمة المتجسد الذى أخلي ذاته { فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هَذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضاً: الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلَّهِ. لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. لِذَلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضاً، وَأَعْطَاهُ اسْماً فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ.} ( في 5:2-11) والله يكشف عن نفسه أباً حين يقيم يسوع من بين الأموات فلو أن يسوع مخلوق بشري وعادل نفسه بالله لحسب مسلكه هذا خلسة، أي يكون سارق لمجد الله، وينسب لنفسه ما لله. لكن لانه هو كلمة الله المتجسد، فما فعله من تجسد وفداء وقيامه هو من قبيل حبه وتواضعه. "إذ كان في صورة الله" كان المستخدمة هنا تصف الإنسان الذي له مميزات وصفات معينة وهذه الصفات لا يمكن أن تتغير أو تتبدل, فمثلا زكا كان قصير القامة فهي صفة ثابتة فيه لن تتغير. "كان في صورة الله" فهو يقصد أن السيد المسيح كان ولا يزال هو الله في ذات جوهره بلا تغيير ولا تبديل. وليس معنى قول الرسول عن السيد المسيح إنه "كان في صورة الله" إنه فقد هذه الصورة عندما أتخذ صورة العبد. كلا، إنه يملك صورة الله قبل التجسد وبعد التجسد وإلى الأبد. لكن في التجسد أخذ جسد بشري وروح بشرية مثلنا حتى بهذا نرى الله الذي لا يرى. لذلك قال الرب يسوع المسيح بوضوح { أنتم من أسفل أما أنا فمن فوق؛ أنا لست من هذا العالم} (يو 8: 23). وأيضًا قال { ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان} (يو 3: 13). المسيح يسوع ربنا هو الابن منذ الأزل، ولكنَّ الرسل عرفوا وتاكدوا من هذه البنوَّة الحقيقة على ضوء القيامة والصعود وعندما عرفهم أسرار ملكوت الله وأنفتحت أعينهما الروحية فعرفاه. هنا نتذكَّر ما تقوله الرسالة إلى العبرانيَّين { كَلَّمَنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضاً عَمِلَ الْعَالَمِينَ. الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيراً لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي} ( عب 1:2-3) يقول الرسول: "كلمنا في ابنه" فالابن إذاً هو واحد مع أبيه يحمل فيه الآب على مستوى فريد ويحوينا نحن بالايمان أيضًا داخله بتقديسنا بدمه، فنلتقي مع الآب فيه، نتعرف عليه وندخل إلى حالة إتحاد معه وشركة فائقة. لقد كان الروح القدس يهيء الأنبياء لقبول الرسالة الإلهية وتبليغها. لكن الابن الوحيد الجنس هو وحده صالحنا مع أبيه لنبقى معه وبه إلى الأبد. ففي المسيح يسوع ربنا يعلن لنا الآب ذاته وفيه صرنا مؤمنين وفيه تمتعنا بالاختيار الإلهي وفيه نلنا الفداء { مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ،كَمَا اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ، إِذْ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ، حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ، لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْنَا فِي الْمَحْبُوبِ، الَّذِي فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا، حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ،} (أف 3:1-7)، وفي المسيح يسوع يجمع السمائيين والأرضيين (أف 1: 10)، وفيه وبه نستغنى في كل شيء (1 كو 1: 5).
أبوة الله للمؤمنين ...
+ الله خلق الإنسان ليكون أسمى مخلوقاته ويتمتع بالبنوة لله، ولكن حالت الخطية والسقوط دون علاقة العشرة والمحبة بين الإنسان والله. ولم يكن ممكنًا استرداد هذه البنوية إلا بالفداء. والإيمان بالمسيح { وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللَّهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ، بَلْ مِنَ اللَّهِ.} ( يو 12:1-13). صار كل المؤمنين أبناء لله باتحادهم بالابن الوحيد، لقد نلنا فى المسيح السلطان أي الامتياز أو حق إقامة علاقة بنوية مع الله بالمعمودية نصير أولاد الله باتحادنا بالمسيح في موته وقيامته. ومن يثبت في المسيح يصير ويستمر ابناً لله. ومن يرتد لحياة الخطية لا يبقي ابناً لله. فالثبات في المسيح يعني الثبات في القداسة. والله أعطانا قوة وسلطان على الخطية حتى لا تسود علينا (رو14:6). والولادة من الله لا يدخل فيها أي عنصر من العناصر الطبيعية، ولم يعد فيها الإنتساب لدم معين سبباً ليكون الإنسان ابناً لله. بل البنوة تكون بالايمان والمعمودية وطاعة الوصية والله من محبته اتخذنا أولاداً له، ليس لشئ صالح فينا. وفي مقابل محبته علينا أن نحبه ونحب إخوتنا ومن يحب يصير ابناً لله (1يو7:4). ومن هنا نرى امتياز البنوية { أُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ} (1 يو 3: 1). أن نعمة البنوة لله يتمتع بها كل من يولد ثانية بالإيمان بالمسيح { اذ لم تاخذوا روح العبودية ايضا للخوف بل اخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا ابا الاب} (رو 8 : 15) (رو 8: 14 -19). صار المؤمنون " أبناء الله " وهذه الأبوة هي الحقيقة المميزة لعلاقة الله بهم (أف 3: 14). نحن نصير أبناء لله بالإيمان بابنه الوحيد يسوع المسيح ربنا { لانكم جميعا ابناء الله بالايمان بالمسيح يسوع }(غل 3 : 26). لقد مهّد الناموس الطريق للإيمان، وجاء بنا إلى السيد المسيح حتى نتبرر بالإيمان كعبور من حالة العداوة مع الله كثمرة للخطية الأصلية والخطية الفعلية إلى البنوة التي بها نقتني حياة المسيح الإلهية داخلنا، كهبة الله المجانية بمقتضى عطية الإيمان العامل بالمحبة (غل 5: 6). و"التبني" كلمة قانونية رومانية تعني "احتلال مركز الابن" فجاء السيد المسيح ليفتدينا حتى لا نظل بعد عبيدًا تحت الناموس، وإنما نملك كل امتيازات الأبناء والورثة البالغين، فندعو الله "آبا الآب" ويوضح القديس بولس الرسول كيفية تبني الله لنا {لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح} (غل 3 : 27). وكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم " ما دام المسيح هو ابن الله وأنتم قد لبستموه، واقتنيتموه داخلكم، وتشكلتم على مثاله، صرتم واحدًا معه في طبيعته". والكتاب المقدس يشهد بأن ربنا يسوع المسيح هو إبن الله الوحيد، لكن به نصير إخوة وشركاء معه في الميراث، بهذا نلنا نوعًا من التبني خلال النعمة الإلهية {ثم بما انكم ابناء ارسل الله روح ابنه الى قلوبكم صارخا يا ابا الاب } (غل 4 : 6).
+ الله أب صالح وضابط الكل فهو أيضًا وبنفس القدر في علاقته مع العالم
هو الرب والديان. ومن الأزل وإلى الأبد، يعلن الله نفسه أنه ضد الخطية (رو 1: 18)
وأن نعمته الأبوية لا يمكن أن تمنع الدينونة طالما ظل القلب متقسيًا غير تائب ( رو
2: 1 - 9). ومما يجب ملاحظته أن المسيح لم يستخدم قط عبارة "
أبونا " في حديثة عن الآب ، بل كان بكل وضوح يشير إلى الفارق بين أبوة الله
له، وأبوة الله للمؤمنين {إلى أبي وأبيكم} (يو 20: 17). أما عبارة " أبانا
" في الصلاة المعروفة بالصلاة الربانية (مت 6: 9) فهي ليست صلاة على لسان
المسيح ولكنها توجيه منه لتلاميذه عن كيف نصلي. ويجب أن يكون للمؤمنين ثقة - كبنين - في أبيهم، فهو أكرم
من أي أب بشري (مت 7: 9 - 11، لو 11: 11 - 13). وحياتنا هي حياة المسئولية أمام الله
أبينا (1 بط 1: 7) ولكنها أيضًا حياة الشكر والحمد للآب الذي لنا فيه كل شيئ (2 كو
1: 3، 2 تس 2: 16)
+ اننا ننطلق من اتِّحادنا بالمسيح يسوع ربنا لنحيا الأيمان أنَّ أبا
ربِّنا يسوع المسيح هو أبونا السماوي القدوس { بُولُسُ وَسِلْوَانُسُ
وَتِيمُوثَاوُسُ، إِلَى كَنِيسَةِ التَّسَالُونِيكِيِّينَ، فِي اللهِ الآبِ
وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا
وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. نَشْكُرُ اللهَ كُلَّ حِينٍ مِنْ جِهَةِ
جَمِيعِكُمْ، ذَاكِرِينَ إِيَّاكُمْ فِي صَلَوَاتِنَا، مُتَذَكِّرِينَ بِلاَ
انْقِطَاعٍ عَمَلَ إِيمَانِكُمْ، وَتَعَبَ مَحَبَّتِكُمْ، وَصَبْرَ رَجَائِكُمْ،
رَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ، أَمَامَ اللهِ وَأَبِينَا.} ( 1تس1:1-3). ففي يسوع
المسيح وبه، نحن أبناء الآب الواحد { لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ
فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ لِيَكُونَ هُوَ بِكْراً
بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ. وَالَّذِينَ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ فَهَؤُلاَءِ دَعَاهُمْ
أَيْضاً. وَالَّذِينَ دَعَاهُمْ فَهَؤُلاَءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضاً. وَالَّذِينَ
بَرَّرَهُمْ فَهَؤُلاَءِ مَجَّدَهُمْ أَيْضاً.} ( رو 29:8-30). صار المسيح يسوع بكرًا
بين إخوة كثيرين من أجلنا نحن الذين بميلاده من العذراء مريم من الروح القدس وُلد
بيننا واشترك هو أيضًا في اللحم والدم (عب 2: 14)، لكي يغيّرنا من الفساد إلى عدم
الفساد وبميلادنا نحن من فوق بالماء والروح ننال التبني للآب فيه وبه. لقد قاد
بنفسه طريق هذا الميلاد منزلاً الروح القدس على المياه بعماده، حتى يصير في كل شيء
بكرًا للذين يولدون روحيًا معطيًا اسم "إخوة" للذين يشتركون معه في
الميلاد ويتشبّهون به بعمادهم بالماء والروح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق