للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
الكنيسة وملكوت الله في إنجيل متي...
+ إنجيل متّى البشير هو إنجيل الملكوت لهذا فهو أيضًا
إنجيل الكنيسة بكونها سرّ ملكوت الله. إنه الوحيد بين الإنجيليّين يسجّل لنا
تعاليم خاصة بالكنيسة بطريقة صريحة وواضحة على لسان السيّد المسيح، الذي نُسب إليه
استخدام كلمة كنيسة "إككليسيّا" مرّتين في عبارتين غاية في الأهمّية:
فتحدّث عن أساس الكنيسة: صخرة الإيمان، قائلاً لبطرس الرسول حين أعلن إيمانه به {على
هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها} (مت 16: 18). كما تحدّث عن
سلطان الكنيسة. { وإن لم يسمع منهم فقُل للكنيسة، وإن لم يسمع من الكنيسة فليكن
عندك كالوثني والعشّار. الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطًا في
السماء، وكل ما تحلّونه على الأرض يكون محلولاً في السماء} (مت 18: 17-18). فمن لا
يسمع من الكنيسة، يرفض أمومتها، يكون كمن قد رفض أبوة الله نفسه فيُحسب كالوثني
والعشّار. ويصير من حق الكنيسة أن تربطه. إنه يربط نفسه بنفسه برفضه الفكر الكنسي،
وتلتزم الكنيسة أن تربطه ليس تشفيًا فيه، وإنما لحفظ بقيّة الأعضاء من فساده لئلا
يتسرب إليهم، كما تُعزل الخميرة الفاسدة عن العجين كله، أو يُبتر العضو المتسمم
حتى لا يفسد بقية الجسد. وإن كان هذا الأمر لا يتمّ باستهتار أو بتسرّع. فإنه ليس
سهلاً أن يقبل إنسان بتْر عضو من جسده إلا بعد استخدام كل وسيلة ووسيلة لعلاجه،
وحينما يجد جسده كلّه في خطر يلتزم تسليمه للبتْر. لكن مع هذا تصلي من أجله وتحله
متى رجع إليها بالتوبة فالكنيسة أم تفرح برجوع الخاطئ وتضمه إلى حظيرتها.
+ القديس متّى يهتم بالأمور الكنسيّة. والملاحظ أنه يؤكّد
سرّ الكنيسة كحضور الله وسط شعبه، وفي قلوبهم بطريقة عَبْر السفر كله، فيبدأ
البشارة بحديث الملاك للقدّيس يوسف عن المسيح { ويدعون اسمه عمّانوئيل الذي تفسيره
الله معنا} (1: 23). وينقل إلينا حديث السيّد مع تلاميذه مقدّمًا لنا صورة مبسّطة
للكنيسة المحليّة، بقوله: {لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في
وسطهم}(مت 18: 20). كما أوضح السيّد الكنيسة الخفيّة فى خدامها وممثليها {من يقبلكم
يقبلني} (مت 10: 40). وحضور الله فى شعبه {من
قبِل ولدًا واحدًا مثل هذا باسمي فقد قبلني} (مت 18: 5). كما يظهر معيّته مع شعبه
المحتاج والمتألّم بقوله في اليوم الأخير { بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي الأصاغر
فبي فعلتم} (مت 25: 40). ويرى العلاّمة ترتليان أن الإنجيلي متّى في عرضه لملاقاة
السيّد مع تلاميذه داخل السفينة وسط الرياح الثائرة صورة حيّة للكنيسة التي تستمد
سلامها من السيّد المسيح الساكن فيها والمتجلّي داخلها بالرغم ممّا يثيره الشيطان
من اضطرابات ومضايقات. أخيرًا فإن الإنجيلي يختم السفر بكلمات السيّد لتلاميذه أن ليتلمذوا جميع الأمم ويعمّدوهم ويعلّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصاهم به (مت 28: 19،
20) مؤكدًا معيّته معهم كل الأيام إلى انقضاء الدهر (مت 28: 20)، وكأن الكنيسة
ممتدة من حيث المكان لتشمل الأمم ومن حيث الزمان إلى مجيئه الأخير لتعيش معه كل
حين.
الجانب اللاهوتي في إنجيل متى ...
+ الإنجيل بحسب متّى البشير هو "إنجيل الملكوت" الذي يُعلن
الأحاديث التعليميّة للسيّد المسيح كما في أمثاله ومعجزاته. هذا الملكوت هو ملكوت
المستقبل (مت 25: 34؛ 7: 21؛ 8: 11؛ 16: 28)، لكنّه يبدأ من الآن في حياتنا كحقيقة
حاضرة (مت12: 28؛ 4: 17؛ 5: 3؛ 11: 3). كأن ملكوت السماوات قد بدأ فعلاً بمجيء
السيّد المسيح وسكناه في قلوبنا ليُعلن بكماله في مجيئه الأخير. ورب الملكوت هو
"المسيّا" المخلّص الذي كشف الإنجيل عن سلطانه الملوكي، موضّحًا أنه فيه
تمّ المكتوب، وتحقّقت المواعيد الإلهيّة، وتمتّعت الشعوب بمشتهى الأمم. إن السيد
المسيح هو موسى الجديد على مستوى فريد وفائق، يصوم أربعين يومًا، ويجرّب على الجبل
ليغلب باسم شعبه وتخدمه الملائكة، يكمّل الشريعة الموسويّة لا بتسلّم وصايا على
حجر منقوش بل يتكلّم بسلطان من عنده، يُشبع الجموع التي في القفر، ويتجلّى أمام تلاميذه
مستدعيًا موسى وإيليّا. إنه ابن الله،
لكنّه هو أيضًا ابن الإنسان، إذ حلّ في وسطنا وصارا أنساناً ليدخل بنا إلى أمجاده.
لهذا يدعو السيد المسيح نفسه "بابن
الإنسان" في مواقف المجد الفائق التي تظهر لاهوته.
الجانب الأخروي في إنجيل متي...
إنجيل متى هو إنجيل الملكوت السماوي الذي ينطلق بمجيء
المسيح الأول ليعد الكنيسة لملاقاته في مجيئه الأخير، فقد أكّد متى الإنجيلي على الفكر الأخروي بصورة
واضحة خاصة في الاصحاحين (مت 24، 25). ففي الأول تحدّث عن علامات انقضاء الدهر، لا
لمجرد المعرفة، وإنما بقصد الاستعداد بالسهر الدائم لمجيئه الأخير. وفي الأصحاح
التالي قدّم لنا أمثلة رائعة عن الملكوت السماوي وملاقاتنا مع السيّد على السحاب. وينقسم
إنجيل متى إلى خمس أجزاء كبرى يلحقها أو
يسبقها بعض القصص، حتى رأى البعض أن السفر يمثّل خمسة كتب جاءت مقابل أسفار موسى
الخمسة بكون السيّد المسيح هو موسى الجديد الذي يقود شعبه لا للدخول الي أرض
الموعد ولكن لأورشليم السمائية. وهذه الأجزاء
هي 1- ميلاد الملك والسجود له وتتويجه ودستوره ( ص 1 - 7). 2- العمل الرسولي (ص 10). 3- أمثال
الملكوت (ص 13) . 4- تعاليم متنوّعة (ص 18). 5- أحاديث إسخاتولوجيّة وموت المسيح وقيامته لخلاص العالم. ( ص 23 - 28).
+ كرازة القديس متى واستشهاده..
إذ عملت نعمة الرب في قلب متى فتبع الرب من كل قلبه وسمع
تعاليمه وشاهد عجائبه وعاين قيامته المجيدة وامتلأ من الروح القدس يوم الخمسين. ذهب
يكرز بملكوت الله و قيل أنه كرز بالإنجيل أولا في أرض فلسطين وفى صور وصيدا. ثم
ذهب إلي الحبشة ودخل بلاد الكهنة وردهم إلى معرفة الله. فقد جاء في أول تاريخ
القديس تكلا هيمانوت الحبشي أن أحد كهنة الإسرائيليين ويدعى صادوق قد أرسل ولده
ويدعى "إبن الحكيم" إلى بلاد تجريا وأصحبه بأخيه عزريا الكاهن، وأخذ
عزريا معه ما يلزم لتأدية الشعائر اليهودية في ذلك المكان. وتزوج عزريا بداقنادس
إبنة أحد عظماء عاصمة التجريا ورزق منها ولدا أسماه صادوق، وولد صادوق لاوي، وصار
هؤلاء الكهنة يعلمون أهل الحبشة ما جاء بالتوراة، وكانوا يجتمعون في ديوان الملك
كعادة الكهنة. لذلك أطلق علي إسم المدينة "مدينة الكهنة"، ومع توالي
السنين تحول أهل تلك المدينة إلي الوثنية، حتى ذهب إليها القديس متى الرسول وهداهم
إلى الإيمان المسيحي. وعند دخوله لمدينة الكهنة التقى به شاب وقال له: إنك لا
تستطيع الدخول إلا إذا حلقت رأسك ولحيتك وأمسكت بيدك سعفه. ففعل كما أخبره الشاب.
وفيما هو يفكر في هذا ظهر له الرب يسوع في شكل ذلك الشاب الذي قابله سابقا وبعد أن
عزاه وقواه غاب عنه. فأدرك أن ذلك الشاب كان هو رب المجد نفسه. ثم دخل المدينة
كأحد كهنتها ومضى إلى هيكل أبولون فوجد رئيس الكهنة، فخاطبه عن آلهتهم التي كانوا
يعبدونها وأخذ يوضح له كيف أنها لا تسمع ولا تعي، وأن الإله الحقيقي القوي إنما هو
الذي خلق السماء والأرض. وقد أجرى الله على يديه آية وذلك بأن هبطت عليهم مائدة من
السماء، وأشرق حولهم نور عظيم. فلما رأى أرميوس الكاهن هذه الأعجوبة قال له
"ما هو اسم إلهك؟" فأجاب الرسول "إلهي هو السيد المسيح". فأمن
أرميوس الكاهن به وتبعته جماعة كثيرة. ولما علم حاكم المدينة بذلك أمر بإحراقهم.
وحدث عند ذلك أن مات ابن الوالي، فصلى متى الرسول وتضرع إلي الله أن يقيم هذا
الابن فاستجاب له الرب وقام الولد من الموت. فلما رأى الوالي ذلك آمن هو وبقية أهل
المدينة، فعمدهم متى الرسول ورسم لهم أسقفا وكهنة، وبنى لهم كنيسة.
+ بعد أن كرز في بلاد أخرى عاد إلى أورشليم فاجتمع إليه
جماعة من اليهود الذين بشرهم وآمنوا بكرازته واصطبغوا منه وطلبوا إليه أن يدون لهم
ما بشرهم به، فكتب البشارة المنسوبة إليه باللغة العبرانية. وقام عليه غير
المؤمنين فرجموه بالحجارة برضا من فسطس الوالي ودفن جسده في قرطاجنة قيسارية
بواسطة قوم مؤمنين، في مكان مقدس. صلاته القديس متى الإنجيلي فلتكن معنا. آمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق