رسالة يعقوب الرسول...
+ كتب القديس يعقوب الرسول رسالته إلى "الإثني عشر
سبطا الذين في الشتات" فقد كتبها إلى الذين كانوا قبلا يهود وأمنوا بالمسيح
وقد تشتتوا من الضيقة بسبب إيمانهم وقد استخدم الله هذا التشتت للكرازة بالمسيحية،
ولكن الرسالة للكنيسة بصفة عامة أيا كان أعضاؤها فقد صارت كنيسة العهد الجديد
الوارثة للأسباط روحيا. وكتب رسالته في وقت اضطهاد اليهود للكنيسة. فقد أثار
أغنياؤهم ورؤساؤهم الاضطهاد علي المؤمنين بالمسيح (أع 4: 1، 5: 17). وكتبت قبل
سقوط أورشليم 68 م. ويُرجِّح البعض أنها كتبت حوالي سنة 60 أو 61م، في الوقت الذي
انتشرت فيه الضلالات التي فندها الرسول في هذه الرسالة. ونرى في الرسالة تشبع
الرسول بتعاليم السيد المسيح، مثل الموعظة على الجبل، الكاتب يسجل لنا ما سمعه
بنفسه عن السيد المسيح. وكامثلة لهذا التشابه كالفرح وسط الضيقات (مت 5: 10-12). الحث
على الكمال (مت 5: 48). وطلب العطايا الصالحة (مت 7: 7 الخ). عن سامعي الكلمة
والعاملين بها (مت 7: 24 الخ). حفظ الناموس (مت 5: 19). بركات الرحمة (مت 5: 7).
وبركات صنع السلام (مت 5: 9). والحث علي عدم محبة العالم كعداوة لله (مت 6: 24).
بركة التواضع (مت 5: 5). وعدم الإدانة (مت 7: 1-5). والأنبياء كأمثلة لنا (مت 5:
12).
+ هدف الرسالة تشجيع المسيحيين لاحتمال الضيق والأضطهاد،
والكشف عن مفهوم التجارب على ضوء صليب الرب المتألم. ولتشجيعهم على الثبات في
الإيمان العملي. كما توضيح الرسالة مفهوم الإيمان الحي، وارتباطه بالأعمال. وتظهر
الرسالة أهمية الحكمة والتدقيق وخطورة بعض الخطايا التي يظنها البعض صغيرة كاخطاء
اللسان وتبين أهميه القداسة في الحياة المسيحية. وتتميز بالمحبة مع الحزم في نفس
الوقت، كما تتشابه مع الموعظة على الجبل من جهة كثرة الوصايا العمليّة، حتى ظن
البعض أنها تجميع لبعض أقوال الرب يسوع. فتبين النظرة الروحية للناموس في أعماقه،
وعن أبوة الله والاختيار بين حب الله وحب العالم. وتربط بين العهد القديم والعهد
الجديد، ففي الحديث عن الصبر أشار إلى الأنبياء وأيوب، وفي الحديث عن الصلاة أشار
إلى إيليا.
+ الإيمان والأعمال...
يهتم الرسول يعقوب بالإيمان العملي العامل بالمحبة فيكتب
لبعض الذين انحرفوا عن السلوك في النور بدعوى أن الإيمان وحده قادر أن يبرر ولا
حاجة للأعمال ويبين أهمية الإيمان مع الأعمال { هَكَذَا الإِيمَانُ أَيْضاً، إِنْ لَمْ
يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ، مَيِّتٌ فِي ذَاتِهِ. لَكِنْ يَقُولُ قَائِلٌ: «أَنْتَ لَكَ
إِيمَانٌ، وَأَنَا لِي أَعْمَالٌ!» أَرِنِي إِيمَانَكَ بِدُونِ أَعْمَالِكَ، وَأَنَا
أُرِيكَ بِأَعْمَالِي إِيمَانِي. أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ. حَسَناً تَفْعَلُ.
وَالشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ! وَلَكِنْ هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ
أَيُّهَا الإِنْسَانُ الْبَاطِلُ أَنَّ الإِيمَانَ بِدُونِ أَعْمَالٍ مَيِّتٌ؟ أَلَمْ
يَتَبَرَّرْ إِبْرَاهِيمُ أَبُونَا بِالأَعْمَالِ، إِذْ قَدَّمَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ
عَلَى الْمَذْبَحِ؟ فَتَرَى أَنَّ الإِيمَانَ عَمِلَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَبِالأَعْمَالِ
أُكْمِلَ الإِيمَانُ، وَتَمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: « فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللَّهِ
فَحُسِبَ لَهُ بِرّاً» وَدُعِيَ خَلِيلَ اللَّهِ. تَرَوْنَ إِذاً أَنَّهُ بِالأَعْمَالِ
يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ، لاَ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ.}( يع 17:2-24). الإيمان وحده
لا يخلص، فحنانيا وسفيرة آمنا بالرب لكن بسبب انحرافهما عن السلوك في النور فهلكا
(أع ٥: ٩). ويذكر لنا الرب من بين الهالكين أناسا مؤمنين بل وأصحاب مواهب ومعجزات
لكن إذ ليس لهم أعمال يقول لهم { إني لا أعرفكم قط، اذهبوا عني يا فاعلي الإثم}(مت
٧: 21-23) . فالإيمان بدون أعمال كالجسد بدون روح ميت. فان كان الإنسان مؤمن
بالله فلير إيمانه بأعماله، فالأعمال الحيّة برهان على حيوية الإيمان { من ثمارهم
تعرفونهم} (مت ٧: ١٦). الأعمال البارة برهان أمام الله والناس علي إيماننا
المستقيم وبه ننال أجرنا كنحو أعمالنا {يجازي كل واحد حسب عمله} (مت ١٦: ٢٧). وقد
أعطي يعقوب الرسول لنا مثلا بأب الآباء إبراهيم الذي حُسِبَ له إيمانه برًا،
وباعماله أكمل إيمانه.
+ الحكمة وضبط اللسان وأهميته....
المؤمن الحقيقي يتميز بالحكمة وضبط اللسان والتحكم فيه.
يعرف متى يتكلم ومتى يصمت. وما أكثر عثرات اللسان التي نقع فيها فمن لا يعثر فى
الكلام فذاك رجل كامل قادر أن يضبط ذاته بكل ما فيه من سلوك وأهواء وشهوات وميول.
ومن يحفظ لسانه لا يركض جسده كالخيل مندفعاً فيقود النفس البشرية للخطأ والسقوط.
ومتى أساء الربان إستخدام الدفة الصغيرة تهلك السفينة كلها. فمع إشتداد الموج
والرياح هناك وضع سليم توضع فيه الدفة لتوجه السفينة فى الإتجاه السليم وإلا لو
وضعت الدفة فى إتجاه خاطىء لإنقلبت السفينة. والدفة هي اللسان والسفينة التي
تسوقها الرياح هي حياتي. والرياح العاصفة هي إشارة لعنف التجارب أو الإنفعالات
التي تسيطر على الإنسان. والرجل الكامل يوجه الدفة أي لا يخرج من لسانه سوى كلمات
تهدى المواقف، والعكس فمن يخرج أقوالا خاطئة منفعلة يشعل الدنيا ناراً، ولا يحيا
هو نفسه فى سلام، بل تعتل صحته وتصيبه الأمراض، بل يمكن أن تضيع حياته كلها. ولكي
نضبط لساننا علينا أن ننقي قلوبنا فمن فضلة القلب يتكلم الفم. الجهاد الروحي تسنده
نعمة الروح القدس لضبط اللسان، بترديد كلمات التسبيح والشكر والصلاة الدائمة فنصنع
السلام مع أنفسنا والناس والله. نسلك بحكمة فى وداعة وتصرف حسن { مَنْ هُوَ حَكِيمٌ
وَعَالِمٌ بَيْنَكُمْ فَلْيُرِ أَعْمَالَهُ بِالتَّصَرُّفِ الْحَسَنِ فِي وَدَاعَةِ
الْحِكْمَةِ.} (يع 13:2). الحكيم يتحكم فى لسانه ويضبطه ولا يتصرف بغيرة وتحزب
وتعصب أو يصنع شقاقات كما كان البعض يفعلون للدفاع عن ناموس موسى فى ثورات عنيفة
فى كل مكان، ووصل الأمر لسفك الدماء وتعكير سلام المجتمع في كراهية وصراع بين
الناس { وَأَمَّا الْحِكْمَةُ الَّتِي مِنْ فَوْقُ فَهِيَ أَوَّلاً طَاهِرَةٌ، ثُمَّ
مُسَالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ، مُذْعِنَةٌ، مَمْلُوَّةٌ رَحْمَةً وَأَثْمَاراً
صَالِحَةً، عَدِيمَةُ الرَّيْبِ وَالرِّيَاءِ.} (يع 17:2). الحكمة التي من الله تجعلنا
نسلك بتدقيق فنحيا فى سلام مع الآخرين ونحصد ثمار السلام في حينه.
+ التواضع والصبر ... أن كانت
الكبرياء قد أسقطت ملائكة من السماء فالتواضع يعطي نعمة أمام الله والناس { لكنه
يعطي نعمة اعظم لذلك يقول يقاوم الله المستكبرين واما المتواضعون فيعطيهم نعمة} (يع
4 : 6). لذلك يوصينا يعقوب الرسول { اِتَّضِعُوا قُدَّامَ الرَّبِّ فَيَرْفَعَكُمْ.}
( يع 10:4). التواضع يكون من ثماره الصبر في الضيقات، المتواضع يأتي بالملامة علي
نفسه وينجو من فخاخ إبليس. والروح القدس هو الذى يجعلنا نجاهد محتملين الألام بفرح
فى إنتظار مجئ الديان العادل. أن طريق الملكوت ضيق وكرب، ولكن من دخل من الباب
الضيق يرى إتساعاً بلا قياس وعذوبة وعزاء، وذلك هو عمل الروح القدس الذي منه نستمد
التعزية متعلمين من رجال الله القديسين { خُذُوا يَا إِخْوَتِي مِثَالاً لاِحْتِمَالِ
الْمَشَقَّاتِ وَالأَنَاةِ: الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِاسْمِ الرَّبِّ.
هَا نَحْنُ نُطَّوِبُ الصَّابِرِينَ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ
عَاقِبَةَ الرَّبِّ. لأَنَّ الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ.}( يع 10:5-11).
نحن نسير في طريق الأنبياء الذين إحتملوا الآلام بصبر ومن مثال هؤلاء أيوب النبي الذي إحتمل التجربة والأمراض
وإحتمل موت أولاده فى شبابهم فى كارثة طبيعية، وإحتمل سخرية البشر، وحتى أصدقاءه
الذين جاءوا يعزونه كانوا متعبون، وحتى زوجته لم ترحمه. ومع كل هذا إحتمل فنال
المكافاة من الله فى الأرض والسماء. فمن يحتمل الألم بصبر تزداد تعزيته
ويكمل مجده فى السماء.
استشهاد القديس يعقوب البار...
أهتم القديس يعقوب بامور الكنيسة فى أورشليم وترك لنا مع
رسالته " قداس مار يعقوب الرسول" كاول ليتورجيا تسلمتها الكنيسة الأولي
وصلت بها بعد قيامة الرب من بين الأموات فى علية صهيون والتي انتشرت بعد ذلك في
سائر الكنائس؛ ويجمع التقليد الكنسي للكنائس الشرقية على صحة نسبتها إلي القديس
يعقوب الرسول. وقد ترأس أول مجمع كنسي سنة 50 هو مجمع أورشليم، الذى عرض لموضوع
تهود الأمم الراغبين فى الدخول إلى الإيمان (أع15)، وكان رأي يعقوب الرسول فيه مسوق
بالروح القدس هو القرار الذى أتخذه المجمع ويبدو أنه هو الذى كتب قرار المجمع، فقد
لاحظ العلماء، تشابهاً بين أسلوب ذلك القرار وأسلوب رسالته مما يدل على أن كاتبهما
شخص واحد. وبعد أن نشر الإيمان المستقيم وجاهد الجهاد
الحسن وآمن الكثيرين بسببه أنزعج منه القادة الدينيين من اليهود وكان ذلك سنة 62
أو سنة 63م بحسب رواية يوسيفوس والقديس جيروم. وهيجيسبوس وأيده فى ذلك إكليمنضس الاسكندرى.
فقد أتى به اليهود الي الهيكل وأوقفوه فوق جناح الهيكل ليشهد أمام الشعب اليهودي
ضد المسيح. لكنه خيَّب ظنهم وشهد عن الرب يسوع أنه هو المسيا، فهتف المؤمنين
"أوصنّا لابن داود"، وكان نتيجة ذلك أنهم صعدوا وطرحوه إلى أسفل. أما هو
فجثا على ركبتيه يصلي من أجلهم وهم يرجمونه، وهو يطلب لهم المغفرة. وفيما هو
يصلي تقدم أحد الجهلة وضربه بعصا على رأسه فأجهز عليه ومات لوقته. ودفن في أورشليم
حيث توجد حاليا بطريركية الأرمن الأرثوذكس بالقرب من قصر هيرودس وقلعة داود.
بركة صلواته فلتكن معنا، أمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق