للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
رسالة يهوذا وحفظ الإيمان الأقدس ...
+ تُنسَب
إلى الرسول تداوس أو يهوذا الرسالة التي تحمل اسمه بين الرسائل الجامعة، وهي رسالة
قصيرة عبارة عن أصحاح واحد ويذكر في مقدمتها أنه: "عبد يسوع المسيح وأخو
يعقوب". كُتبت للمسيحيين بوجه عام، وقد كُتبت قبل خراب أورشليم وإلا كان قد
ذكره في رسالته لأهميته في تاريخ الكنيسة. أما غايتها فهو التحذير من المعلمين
المزيفين الذين اتسموا بفساد الإيمان المُسلم مرة للقديسين، وإنكارهم للآب
وللرب يسوع، والافتراء على الملائكة، فهم متعجرفون ليس فيهم روح الخضوع للكنيسة
وإباحيين يطلبون شهوات ومجد أنفسهم. وتوصي الرسالة بالمحافظة على الإيمان.
هذه الرسالة هي دعوة إلهية مقدمة لنا لنكتشف ونعيش
إيماننا ونتعرف على إمكانيات الخلاص، ونحذر من حيل العدو، ونتهيأ لمجيء مخلصنا
الذي يحملنا إلى أمجاده. فقد كان قلب يهوذا الرسول متعلقًا بالخلاص الذى تَمَّ على
الصليب ويشترك فى نواله المؤمنون من العالم كله، ولكنه إذ وجد مبتدعين ظهروا فى الكنيسة
فاضطر أن يتكلم عن الإيمان الذى تسلمه التلاميذ والرسل مرة من المسيح ويسلمونه
لأبنائهم والذى به ننال هذا الخلاص ويحمينا من كل انحرافات المبتدعين، هذا الإيمان
يشمل الكتاب المقدس وكل تعاليم الكنيسة الذى نتسلمه من الآباء منذ عصر
الرسل.
+ الحياة الكنسية...
الرسالة تصف الحرب الروحية بين اللّه ملائكه وإبليس،
ومنها يدرك المؤمن أنه غالب باللّه مخلصه الذي يحفظه، لكن ليس في سلبية أو تراخٍ
أو إهمال، وإنما ببناء نفسه على الإيمان الأقدس عاملاً لا بمفرده، بل مع اخوته
بكونه عضوًا حيًا في الكنيسة الجامعة. فتؤكد الرسالة علي أهمية الحياة الكنسية
كسندٍ قويٍ في جهادنا الروحي: { أكتب إليكم عن الخلاص المشترك الإيمان المسلم مرة
للقديسين} (يه 3) ففي توبتنا نسند اخوتنا، وفي توبة أخي معى يسندنى، وكل انحراف في
حياتنا يحطم حياة إخوتنا. فحياتنا مع الثالوث القدوس هي حياة شخصية داخلية خفية،
وفي نفس الوقت حياة كنسية مشتركة، وليست فردية مبتورة عن بقية أعضاء الجسد
الواحد.
+ التحذير من الارتداد عن الإيمان ..
إن كان السيد المسيح قد سبق فأخبرنا عن الارتداد
القادم الذي يسبق مجيئه الأخير كآخر محاولة يقدمها عدو الخير لكى يصطاد إن أمكن حتى
المختارين، فإن الارتداد هو حرب مستمرة بدأت قبل مجيء الإنسان حين ارتد ملائكة عن
الإيمان بتمردهم على اللّه ويتزايد الارتداد عبر العصور حتى يبلغ ذروته في أيام ضد
المسيح. وتورد الرسالة أمثلة على الارتداد عن الإيمان حتى من الملائكة الذين
سقطوا بالكبرياء وبلعام الذى سقط بمحبة المال و قورح وجماعته الذين هلكوا بشهوة
السلطة والتمرد على الله والكهنوت. وخطورة المعلمين الكذبة أنهم أعضاء فى الكنيسة
ويهاجمونها من داخلها بأفكار غريبة فينشرون هرطقاتهم وشرورهم بين الضعفاء والبسطاء
ليخدعوهم ويندفعوا فى خطايا الزنا وكل نجاسة مدَّعين أنهم واثقون من خلاصهم، بل
وفي شرهم ينكرون وجود الله ولاهوت المسيح بتماديهم فى الشر فكأن الله لا يراهم ولن
يعاقبهم. ويحذِّر الرسول المؤمنين من أتباع المعلمين الكذبة الذين يدَّعون أنهم
نالوا الخلاص، ويعطي أمثلة من العهد القديم نال فيها البعض الخلاص ثم هلكوا بسبب
شرورهم. والمثال الأول فى هذه الآية هو شعب بنى إسرائيل الذين خلصوا من عبودية مصر
وعبروا البحر الأحمر ولكنهم تمردوا على موسى ورفضوا دخول أرض الميعاد بل أرادوا
العودة إلى مصر، فماتوا فى البرية ولم يدخل إلا اثنين فقط منهم (عد14: 29)، وكذلك
عندما عبدوا العجل الذهبي فى البرية أهلكهم الله (خر 32). المثال الثاني لهلاك
الأبرار بسبب عدم ثباتهم فى الإيمان هو الملائكة الذين كان لهم مقام عالٍ فى
السماء بل و يرأسون غيرهم من الملائكة ويتمتعون برؤية الله، ولكن عندما تكبروا
ورفضوا الإيمان والخضوع لله سقطوا وفقدوا مسكنهم فى السماء وصاروا مقيدين في
الظلمة حتى يأتي عذابهم الأبدى يوم الدينونة. المثال الثالث هم سكان سدوم وعمورة
وما حولها من المدن، الذين تركوا الحياة الطبيعية وانحرفوا إلى علاقات جسدية خاطئة
أى الزنا والشذوذ، فاحترقوا بنار من السماء وسيظلّوا إلى الأبد يعانون من عذاب
النار الأبدية. وعلينا كشعب المسيح أن نحفظ نفوسنا في محبة اللّه، مترقبين مجيء
المخلص، لكي ننال الحياة الأبدية من قبل رحمته.
أسس الحياة الروحية
السليمة ...
+ ويدعونا الرسول كى نحيا الإيمان
بالثالوث الأقدس الآب والابن والروح القدس بطريقة عملية، حيث يختبر المؤمن عمل
الثالوث القدوس، ويدرك إمكانياته فيه. في اللّه الآب نتقدس وفي المسيح يسوع نصير
محفوظين فإن كانت الحرب شرسة ، لكننا لسنا نحن فقط طرفًا فيها بل هي حرب بين
مسيحنا وعدو الخير، إن اختفينا في المسيح مخلصنا نبقى محفوظين. ونحيا مصلين في
الروح القدس، فالروح الناري يلهب قلوبنا بالحب، ويرفعها إلى عرش النعمة لتقف أمام
الله بلا حاجز هذا هو إيماننا { وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ،
فَابْنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى إِيمَانِكُمُ الأَقْدَسِ، مُصَلِّينَ فِى الرُّوحِ
الْقُدُسِ، وَاحْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ فِى مَحَبَّةِ اللهِ، مُنْتَظِرِينَ رَحْمَةَ
رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ. وَارْحَمُوا الْبَعْضَ
مُمَيِّزِينَ، وَخَلِّصُوا الْبَعْضَ بِالْخَوْفِ، مُخْتَطِفِينَ مِنَ النَّارِ،
مُبْغِضِينَ حَتَّى الثَّوْبَ الْمُدَنَّسَ مِنَ الْجَسَدِ} (يه20-23). نتمسك
بالإيمان بالمسيح الذى يتحول إلى حياة نعيشها بقلوبنا وسلوكنا وصلواتنا فى الروح
القدس أى بعمله فينا، فيعلِّمنا الروح كيف نصلي ويرشدنا إلى ما نطلبه ونحفظ أنفسنا
في محبة الله منتظرين وطالبين رحمة ربنا يسوع المسيح التى تعوضنا عن كل أتعاب العالم
بأفراح وأمجاد الأبدية.
الكرازة والإستشهاد...
يقول المؤرخون أن القديس تداوس بشّر بإنجيل الرب في
اليهودية والسامرة وأدوم وسوريا وبلاد ما بين النهرين وليبيا. كما أنه مع القديس
برتلماوس كانا أول من أوصل بشارة المسيح لأرمينيا. واستمر القديس يهوذا، تداوس يبشر
أن إستشهد في بلاد فارس بقطع رأسه بالفأس مع القديس سمعان الغيور عام 65 م
تقريباً. ورفاتهما محفوظة في سرداب بازيليك القديس بطرس بروما تحت أحد المذابح
الرئيسية المكرسة للقديس يوسف العفيف. القديس تداوس شفيع الأمور الميئوس منه والمتألمين والمهاجرين والباحثين عن العمل.
وتعيد الكنيسة القبطية في اليوم الثاني من شهر أبيب. بركة شفاعته وشهادة حياته
فلتكن معنا. آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق