للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
نشأته والتلمذة للسيد المسيح...
سمعان الغيور ومعني أسمه
المستمع وأبوه يدعي فيلبس وامة اسمها ايناتمن من سبط أفرايم سماه القديس لوقا في سفر اعمال الرسل باسم
سمعان الغيور لانه كان من طائفة الغيورين اليهود قبل تلمذته للسيد المسيح { وَفِي
تِلْكَ الأَيَّامِ خَرَجَ إِلَى الْجَبَلِ لِيُصَلِّيَ. وَقَضَى اللَّيْلَ كُلَّهُ
فِي الصَّلاَةِ لِلَّهِ. وَلَمَّا كَانَ النَّهَارُ دَعَا تَلاَمِيذَهُ وَاخْتَارَ
مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ أَيْضاً«رُسُلاً»:. سِمْعَانَ
الَّذِي سَمَّاهُ أَيْضاً بُطْرُسَ وَأَنْدَرَاوُسَ أَخَاهُ. يَعْقُوبَ
وَيُوحَنَّا. فِيلُبُّسَ وَبَرْثُولَمَاوُسَ. مَتَّى وَتُومَا. يَعْقُوبَ بْنَ
حَلْفَى وَسِمْعَانَ الَّذِي يُدْعَى الْغَيُورَ. يَهُوذَا بْنَ يَعْقُوبَ
وَيَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيَّ الَّذِي صَارَ مُسَلِّماً أَيْضاً.} ( لو 12:6-16) أما في انجيل متي ومرقس فدعي أسمه سمعان القانوى
نسبة لبلدته قانا الجليل { وَأَمَّا أَسْمَاءُ الاِثْنَيْ عَشَرَ رَسُولاً فَهِيَ
هَذِهِ: الأَوَّلُ سِمْعَانُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بُطْرُسُ وَأَنْدَرَاوُسُ
أَخُوهُ. يَعْقُوبُ بْنُ زَبْدِي وَيُوحَنَّا أَخُوهُ. فِيلُبُّسُ
وَبَرْثُولَمَاوُسُ. تُومَا وَمَتَّى الْعَشَّارُ. يَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى
وَلَبَّاوُسُ الْمُلَقَّبُ تَدَّاوُسَ. سِمْعَانُ الْقَانَوِيُّ وَيَهُوذَا
الإِسْخَرْيُوطِيُّ الَّذِي أَسْلَمَهُ} (مت
2:10- 4). كان سمعان الرسول ينتمي لجماعة الغيورين الثائرين الذين عرفوا
بتمسكهم الشديدة بالطقوس الموسوية. وقد اتهم
البعض السيد المسيح بأنه كان يميل لحزب الغيورين وقد اتخذ تلاميذ منهم، وهذا
قول مردود عليه، لأن المحبة هي أهم سمة فى تعاليم السيد المسيح والتي تصل الي "محبة الأعداء"
{ اما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم باركوا
لاعنيكم احسنوا الى مبغضيكم وصلوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم} (مت 5 : 44).
من الرجل
الثورى إلى رسول المحبة ...
+ سمعان
الغيور رجل الثورة ضد الرومان يعطينا فكرة وندرك من خلاله مدى اتساع نظر الرب يسوع
في اختيار رسله .كان الغيورين ينتظرون المسيا الذي يعيد الملك لإسرائيل. وغالباً ما أثاروا
من الجليل التمرد والعصيان المسلح ضد الرومان. حُكم على الكثيرين منهم بالموت، ومن
بينهم باراباس الذي ألقي به في السجن لإثارته الفتن وارتكابه الجرائم. كان سمعان
واحداً من هؤلاء، مستعداً لأن يحمل السيف للقضية الدينية، لكنه تأثر بمجرد لقائه
بالمسيح ووجد فيه رجلاً غيوراً لكن على مستوى روحي أسمى. قبول السيد المسيح له دليل
إلى قوة نعمة الله القادرة على أن تخلص حتى المتمردين.
قرر سمعان
ترك مركزه الثوري ليحمل نير المسيح. تحوّلت غيرته القومية إلى غيرة حقيقية دائمة
للمسيح وملكوته. ربما أن السبب الأول في التحاقه بيسوع هو أنه رأى فيه القائد
الثوري الموعود الذي سيطيح بروما. لكن ما إن سمع كلامه حتى تحول عن عصبيته القديمة
لأنه عرفه ملك السلام. تعلم سمعان أن ملكوت المسيح ليس من هذا العالم { أجاب يسوع
مملكتي ليست من هذا العالم لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي
لا اسلم الى اليهود ولكن الآن ليست مملكتي من هنا } (يو 18 : 36). تخلى سمعان عن
أحلامه الأرضية التي اندثرت مع حزبه القديم، ودخل عالماً جديدًا خالٍ من الكراهية
والخداع والقتل. رأى في المسيح المدافع عن الحق الإلهي، المتكلم بمحبة الله. تعلم
منه محبة الأعداء، واكتشف أن العدو الحقيقي هو الشيطان والخطية التي تذل الإنسان.
+ اختيار السيد المسيح سمعان الغيور تعليمنا أن نعمة الله المغيرة تصل
للكل حتى إلى طبقة العنيفين الخطرين وتغيرهم. وقد أمتلك سمعان غيرة وحماسة وشجاعة عظيمة
لمواجهة الخطر أو الموت من أجل إيمانه. من هنا نجد أن لقبه بقي "الغيور"
واستمرّ التلاميذ باستخدامه. لم تعد الأسلحة الأرضية تعني له شيئاً لكن جرأته
وشجاعته في الحق ثقلت شخصيته. وبدلاً من رمز الشراسة القومية التي لا يمكن
ترويضها، أصبح سمعان رمزًا لقوة نعمة الله المغيّرة. وتميّزت غيرة سمعان، قبل أن يختاره
المسيح، بأنها عمياء حاقدة. لكن المسيح ضبطها وجهها وكرّسها وعدّل اتجاهها نحو
خدمة ملكوت الله وامتداده وأصبحت غيرة في الحق { فتذكر تلاميذه انه مكتوب غيرة
بيتك اكلتني} (يو 2 : 17). لم يستأصل المسيح عاطفة سمعان بل نقّاها وعزّزها
وأضاءها بنوره السماوي. من السهل أن ندرك أنه أصبح لسمعان هدف واحد أكسبه لقبه بين
الرسل، وهو أن يتمّم بحماسة لا تفتر وغيرة لا تقهر سعيه الذي أوكله به المسيح في
إنجيل نعمة الله. وتحتاج الكنيسة دائمًا إلى أناس غيورين متحمسين لا يخجلون برفع
راية الصليب في وجه عالم الخطية والإثم .
+ لقد أوصى المسيح تلاميذه بمحبة بعضهم البعض، وسمعان
واحد منهم. وبعدما رأى بعينيه المحبة المضحية على الصليب، امتلأ سلامًا داخليًّا
ساعده على محبة الآخرين. ونرى في وجود سمعان بين التلاميذ قدرة يسوع على أن يوحّد
بين الأضداد ويؤلف بين القلوب برباط السلام والمحبة. رسم أحد الفنانين لوحة لمتى
جابي الضرائب لحساب روما مع سمعان الغيور وتفصل بينهما هوة عظيمة لكن يد كل واحد
منهما بيد الآخر عند أقدام المسيح. في المسيح يسوع ربنا يتّحد الأضداد ويسود
السلام والمحبة. وبنعمة المسيح صار متى
وسمعان خادمين شريكين لقضية واحدة هي الإنجيل. هكذا هي الكنيسة، المكان الذي تذوب
فيه كل العداوات، وتصلّب التحزبات القوميّة، ليجتمع الكل في المسيح { حيث ليس
يوناني ويهودي ختان وغرلة بربري وسكيثي عبد حر بل المسيح الكل وفي الكل} (كو 3 : 11).
أن اختلاف شخصياتنا وميولنا ووزناتنا هو بهدف تكميل بعضنا بعضًا في الفكر والنشاط
وبنيان كنيسة المسيح وليس مجالاً للصراع والكراهية والخلاف.
الغيورين وجهادهم ضد المحتل الروماني ... يمثل الغيورين حزبًا أسَّسه "يهوذا الجليلي" (أع 5 : 37) الذي
قاوم الاكتتاب الذي أمر به الحاكم الروماني، وطالبوا اليهود بأن لا يدفعوا الجزية
لروما باعتبارا أرض اسرائيل مقدَّسة لا ينبغي أن تذهب خيراتها للمحتل
الأجنبي، وكان المثل أمامهم والقدوة فينحاس بن العازار بن هرون الكاهن الذي قال
عنه الكتاب { قَدْ رَدَّ سَخَطِي عن ْبني بِكَوْنِهِ غَارَ غَيْرَتِي فِي
وَسَطِهِمْ حَتَّى لَمْ أُفْنِ بني أسرائيل بِغَيْرَتِي. لأَجْلِ أَنَّهُ
غَارَ ِللهِ } (عد 25 : 7 - 13). وتمثَّل الغيورون بالكاهن متاتيا بن يوحنا الذي
قتل الرجل اليهودي الذي تقدم ليصعد ذبيحة للصنم كما قتل مندوب ملك سوريا، وبهذا
أشعــل فتيلـة ثورة المكابيين (1مك 2 : 24 - 28). ويمثل الغيورون الجناح السياسي
المتطرف للفريسيين. وكان الغيورين عدة اتجاهات، الاتجاه المعتدل الذي يتفق في
مبادئه مع الكتبة والفريسيين فلا يميل لاستخدام العنف، والاتجاه المتطرف جدًا الذي
دُعيَ حزب السيكاري، وقد شجع على العنف والاغتيالات للجنود الرومان ولمن يتعاون
معهم من اليهود، وهم يتمسكون بأن الحاكم هو الله، ولم يحفلوا حتى بموت أقاربهم
وأصدقائهم، ولم يخشوا الموت قط. وامتنع الغيورون عن تقديم ذبائح في الهيكل لأنهم
كانوا ناقمين على الصدوقيين الذين تعاونوا مع الحكم الروماني، ومع أن ثورة يهوذا
الجليلي قد أُخمدت بقبضة حديدية من الرومان إلاَّ أنها صارت أُمًّا لثورات أخرى
كانت أشد ضراوة ودمارًا، واستمر الغيورون في سلوكهم الدموي، وادَّعى الكثير من
قادة هذه الثورات أن كل منهم هو المسيا المنتظر، حتى أن الرومان صارت لهم حساسية
مفرطة من الحركات المسيانية، وكل قائد يأتي كان يدعي أنه سيصنع المعجزات، فيهوذا
الجليلي قاد عدد غفير من أعوانه إلى نهر الأردن، واعدًا إياهم أنه بكلمة منه سيشق
النهر كما فعل يشوع في القديـم، وبالطبع أن زعم يهوذا كان باطلًا، كما ادَّعى
المصري الثائر أن أسوار أورشليم ستسقط عندما يأمر بهذا، كما سقطت أسوار
أريحا، وبالطبع لم يحدث هذا، وسمعان ماجوس ألقى بنفسه من على حجاب الهيكل فسقط
ومات.. أما عن رد فعل الرومان فكان في منتهى القسوة، فطالما هاجموا بيوت الغيورين
و مخابئهم و ذبحوهم ذبح الخراف، وصلبوا أعدادًا كبيرة منهم.
ويقول "راندال. أ. ويس" Randall A. Weiss: " كـان حاملوا الخناجـر
(السيكاري Sicarii) على الأرجح هم أكثر جماعة متطرفة من اليهود ضد
روما. ويُشتق اسمهم من الكلمة اليونانية التي تعني "حاملي الخناجر"،
وكانوا يستحقون بالفعل هذا اللقب. فقد عُرِف عنهم أنهم يطعنون معارضيهم الذين
كانوا أصدقاء لروما. وكانوا يندسون في التجمعات الكبيرة المزدحمة كما في المناسبات
الكبرى حاملين معهم سكاكين لها نصل قصير ويمكن إخفاؤها، وكانوا يطعنون ضحيتهم ثم
يختفون بين الجموع. والبعض يعتقد أن حاملي الخناجر هم المسؤولون عن الثورة التي
جلبت الدمـار علــى أورشليم على يد روما في 70م. كان يهوذا الجليلي يرسل أعوانه في
نواحي الجليل واليهودية والسامرة لتنفيذ أعمال انتقامية، ويقول يوسيفوس الذي
كان ودودًا تجاه الحكـم الرومانـي: "كان يهوذا، جليلي، من مدينة تُسمى
جامالا، الذي أخذ معه صادوق وهو فريسي، ثم أصبح غيورًا لاستدراجهم إلى ثورة، وقال
كلاهما أنّ نظام الضرائب وقتها لم يكن أفضل من تمهيد للعبودية، ومن ثم حَرَّض
الأمة على تأكيد حريتها.. لذا قبلت الجماعة ما قاله بسعادة، ويمكن القول أن تلك
المحاولة الجريئة وصلت إلى ذروتها سريعًا. لقد انبثقت كل أنواع المصائب عن هذين
الرجلين، وانتشرت عدوى هذه العقيدة في الأمة كلها لدرجة لا تصدق. وجاءت حرب ضروس
واحـدة تلو الأخرى عليها، وفقدنا أصدقائنا الذين اعتادوا أن يلطَّفوا أوجاعنا. كما
كانت هناك سرقــات وجرائــم قتــل كبيــرة جدًا لقادة رجالنا.. "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق