للأب القمص أفرايم الأنبا بيشوى
السيد المسيح
في عرس قانا الجليل ...
القديس سمعان
الغيور كان يذكر بعض الأباء هو عريس قانا الجليل الذي حول فيه السيد المسيح الماء
إلي خمر، مما جعله بعد تلك الآية يترك كل شئ ويتبع المخلص، ويصير من التلاميذ الإثنى
عشر { وَفِي
الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَانَ عُرْسٌ فِي قَانَا الْجَلِيلِ وَكَانَتْ أُمُّ يَسُوعَ
هُنَاكَ. وَدُعِيَ أَيْضاً يَسُوعُ وَتلاَمِيذُهُ إِلَى الْعُرْسِ. وَلَمَّا
فَرَغَتِ الْخَمْرُ قَالَتْ أُمُّ يَسُوعَ لَهُ: «لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ». قَالَ
لَهَا يَسُوعُ: «مَا لِي وَلَكِ يَا امْرَأَةُ! لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ». قَالَتْ
أُمُّهُ لِلْخُدَّامِ: «مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ». وَكَانَتْ سِتَّةُ
أَجْرَانٍ مِنْ حِجَارَةٍ مَوْضُوعَةً هُنَاكَ حَسَبَ تَطْهِيرِ الْيَهُودِ يَسَعُ
كُلُّ وَاحِدٍ مِطْرَيْنِ أَوْ ثلاَثَةً. قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أمْلَأُوا
الأَجْرَانَ مَاءً». فَمَلَأُوهَا إِلَى فَوْقُ. ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: «أسْتَقُوا
الآنَ وَقَدِّمُوا إِلَى رَئِيسِ الْمُتَّكَإِ». فَقَدَّمُوا. فَلَمَّا ذَاقَ
رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْمَاءَ الْمُتَحَوِّلَ خَمْراً وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ
مِنْ أَيْنَ هِيَ لَكِنَّ الْخُدَّامَ
الَّذِينَ كَانُوا قَدِ اسْتَقَوُا الْمَاءَ عَلِمُوا دَعَا رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْعَرِيسَ. وَقَالَ
لَهُ: «كُلُّ إِنْسَانٍ إِنَّمَا يَضَعُ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ أَوَّلاً وَمَتَى
سَكِرُوا فَحِينَئِذٍ الدُّونَ. أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَبْقَيْتَ الْخَمْرَ
الْجَيِّدَةَ إِلَى الآنَ». هَذِهِ بِدَايَةُ الآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي
قَانَا الْجَلِيلِ وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ فَآمَنَ بِهِ تلاَمِيذُهُ.} ( يو 1:2-10). صنع السيد
المسيح معجزة عرس قانا الجليل وحول الماء إلى خمر بطلب من أمه القديسة مريم التي شعرت
بحرج أهل العريس عندما فرغت الخمر. والمعني الروحي الذى أراد الرب أن يوصله لنا
أنه هو مصدر الفرح والبهجة للنفس المؤمنة. الخمر ترمز لحياة الفرح والسلامة في
العهد القديم. وقد رد السيد المسيح البهجة لأهل العرس والمدعوين. فهو العريس
الحقيقى للنفس البشرية وقد شبه السيد المسيح ملكوت السموات بعرس روحي (مت 25: 1)،
أو "ملكًا صنع عرسًا لابنه" (مت 22: 1). الإيمان بالمسيح يحول حياتنا
إلى فرح دائم، وعندما سُئل { لماذا يصوم تلاميذ يوحنا والفريسيين وأما تلاميذك فلا
يصومون؟" قال لهم: هل يستطيع بنو العرس أن يصوموا والعريس معهم؟ مادام العريس معهم لا يستطيعون أن يصوموا. ولكن ستأتي أيام
حين يرفع العريس عنهم، فحينئذ يصومون في تلك الأيام} (مر 2: 18-20). دعوة
ربنا يسوع وتلاميذه إلي العرس لم تكن بلا معنى، فإن كان السيد المسيح هو العريس
السماوي، فإن التلاميذ هم باكورة كنيسة العهد الجديد. أن عرس قانا الجليل يضم في
أعماقه عرس روحي خفي لم يكن أحد بعد يدركه، عرس الكنيسة والنفس البشرية باتحادها بالسيد
المسيح. هذا الذي لا يمتد أسبوع فقط كما في الطقس اليهودي (تك 29: 27؛ قض 14: 12)،
وإنما الزمن كله حتى ندخل الي عرس الحمل ونكون مع الله كل حين يعلن في يوم الرب
العظيم { وَأَنَا يُوحَنَّا رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ
الْجَدِيدَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ
مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا. وَسَمِعْتُ صَوْتاًعَظِيماً مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً:
«هُوَذَا مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ، وَهُمْ
يَكُونُونَ لَهُ شَعْباً. وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلَهاً لَهُمْ.} (رؤ
1:21- 2).
سمعان الرسول ومعجزة أشباع الجموع
ترسم الأيقونات الأرثوذكسية البيزنطية سمعان الرسول
حاملا سنارة بها سمكة كما يرسم حاملاً لسلة خبز كرمز لبركة الرب التي تغني ولا
يذيد معها تعب. كان سمعان القانوى حاضرا مع السيد المسيح عندما صنع السيد المسيح
لمعجزة الخمس أرغفة والسمكتين وتيقن السيد المسيح هو الخبز السماوي الذي يقيت
النفس ويشبعها لتبقى حية ونامية. كما أشترك في العشاء الأخير وتأسيس الرب لسر الأفخارستيا. آمن سمعان
بالسيد المسيح كلمة الله المتجسد، الذى بكلمته يقيمنا
للحياة الجديدة، وبجسده الذي هو الخبز السماوي ينعشنا لنثبت فيه. وهكذا كرز
بالمسيح المشبع والذي يسدد كل أحتياجاتنا حسب غناه فى المجد { فَقَالَ
يَسُوعُ: «أجْعَلُوا النَّاسَ يَتَّكِئُونَ». وَكَانَ فِي الْمَكَانِ عُشْبٌ
كَثِيرٌ فَاتَّكَأَ الرِّجَالُ وَعَدَدُهُمْ نَحْوُ خَمْسَةِ آلاَفٍ. وَأَخَذَ
يَسُوعُ الأَرْغِفَةَ وَشَكَرَ وَوَزَّعَ عَلَى التّلاَمِيذِ وَالتّلاَمِيذُ
أَعْطَوُا الْمُتَّكِئِينَ. وَكَذَلِكَ مِنَ السَّمَكَتَيْنِ بِقَدْرِ مَا
شَاءُوا. فَلَمَّا شَبِعُوا قَالَ لِتلاَمِيذِهِ: «أجْمَعُوا الْكِسَرَ
الْفَاضِلَةَ لِكَيْ لاَ يَضِيعَ شَيْءٌ». فَجَمَعُوا وَمَلَأُوا اثْنَتَيْ
عَشْرَةَ قُفَّةً مِنَ الْكِسَرِ مِنْ خَمْسَةِ أَرْغِفَةِ الشَّعِيرِ الَّتِي
فَضَلَتْ عَنِ الآكِلِينَ. فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ الآيَةَ الَّتِي صَنَعَهَا
يَسُوعُ قَالُوا: «إِنَّ هَذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ النَّبِيُّ الآتِي إِلَى
الْعَالَمِ!».}( يو 10:6-14). أكلت الجموع وشبعت وجمع التلاميذ ما فاض وأمتلأت قفة
سمعان الغيور وتهلل قلبه بالشكر لبركة الله الحالة في عرسه قانا الجليل والتي بها
تيقن من المسيح مصدر الفرح، وبالشبع من خمس خبزات وسمكتين تيقن أن المسيح مصدر
الشبع لكل نفس. فان قسمنا كل الخمس خبزات فلن تملأ اثنتي عشرة قفة، فكيف ما
تبقي منها يملأها؟ لم يكن ممكنًا لكائنٍ ما أن يدرك كيف يجمعون هذا الكم من الكسر من
الخمس خبزات التي قُسمت على هذه الآلاف من البشر بعد أن شبعوا. لكن هنا نري السيد
المسيح يقدم لنا ذاته طعامًا روحيًا يشبع أعماقنا وتفيض ونشبع آخرون من الكسر
المتبقية والتي تفوق أحيانا ما قد نلناه. أمر السيد التلاميذ بجمع الفضلات من
الخبز يكشف عن أهمية الإيمان بإله المستحيلات الذي يهب بسخاء، فيشبع النفوس لتفيض
بالخير والفرح. وتعلم
التلاميذ كيف يلتزم المؤمن بجمع الكسر، فلا يبدد الوزنات والموارد البشرية ولا
المادية بل نكون أمناء فيها. كان اليهود يتطلعون إلى الخبز بكونه الطعام الرئيسي الذي
يمثل بركة من الرب، لذا يحرصون ألا يسقط فتات خبز على الأرض ولا يطأ أحد بقدميه
على فتات الخبز. وهذا التقليد باحترام لقمة العيش مازلنا نجده في صعيد مصر وقد جاء
في أمثال اليهود: "من يحتقر خبزًا يسقط في أعماق الفقر". وقد وضع اليهود
لأنفسهم قانونًا أن يتركوا كسرة خبز بعد الطعام إشارة إلى أن البركة قائمة في
البيت. وبعد قيامة الرب من بين الأموات ظهر للتلاميذ وذهب سمعان الرسول يكرز بواهب
الحياة ومصدر الفرح والشبع والحياة الأبدية.
كرازة سمعان الرسول واستشهاده...
بعد حلول
نعمه الروح القدس المعزي علي التلاميذ جال القديس سمعان القانوى يكرز ببشارة
الملكوت وأنار العالم بتبشيره ورد كثيرين الي الايمان بالسيد المسيح فذهب الي شمال
أفريقيا ثم جزر بريطانيا مع القديس يوسف
الرامي وأسس كنيسة هناك. ثم رجع الي أورشليم ومنها ذهب مع القديس تداوس
للتبشير في بلاد ما بين النهرين ببابل وفارس كما ذكر يوسابيوس القيصرى فلما وصلا بلاد فارس وجدا جيوشها تستعد للحرب مع بلاد الهند، ولما دخلا
المعسكر صمتت الشياطين التي كانت تنطق بالنبوات علي أيدي السحرة. ونطقت في إحدى
الأصنام وقالت أن ذلك بسبب تداوس وسمعان رسولا السيد المسيح، فأحضرهما القائد
ليعرف السبب، فبشراه بالسيد المسيح، ثم قالا له " غدا سيأتيك رسل من الهند
حاملين صلحا لأجل مصلحتك " وقد كان، فعظمت منزلتهما لديه وأمن بالسيد المسيح،
كما تبعه شعب غفير، وجال الرسولان مبشران حتى دخلا شنعار، فثار كهنتها التي
للأوثان، فأمسكوهما وطرحوهما في السجن، ثم أمروهما بتقديم العبادة لالهتهم الوثنية،
فرفضوا مجاهرين بأسم الرب يسوع بكل شجاعة، فقتلوا القديس تداوس بفأس، ونشروا
القديس سمعان القانوي. ويقال أن جسديهما محفوظان بكنيسة القديس بطرس بروما، كما يوجد أجزاء منهما
بكنيسة القديس ساثوربينوس بأسبانيا، وأجزاء أخري بدير نوريت بكولونيا في المانيا. بركة صلواتهما تكون معنا أمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق